بعض المواقف هي فراغ حقيقي، فعندما لا يجد أحد من وسيلة سوى الاتكاء إلى الأوهام فإنه يرسم خواء الواقع، أو عدم القدرة على الخلق من جديد وسط أزمة وضعتنا أمام التحدي، هو تحدي التحكم بأعصابنا وسط هالة الصحراء التي تطلق "المبادرات، وسط تعبئة لكلام يتساقط منه الذل فيمر أمامنا رغم أنه ينتقل من مكان لآخر، ابتداء من عمليات التكبير وانتهاء بالدق على الطناجر، وأخيرا في حديث بعض المثقفين عن دور يمكن لـ"العرعور" أن يجسده، فهل انتهت السياسة أمام حدود المشيخات، وهل أصبح الدين مجرد صوت للتعبئة المذهبية؟!

هي لي... سورية التي تحمل "أنس الماضي" وقلق الحاضر، وهي لكم لأنها ترتسم اليوم في مساحات الفوضى المفروضة عبر شرايين البترودولار، وهي لي أيضا دون عملية التزييف للمعارضة، فسورية خلقت معارضتها دون شرعية خليجية أو دولية، وهي رسمت وأوجدت كل الطيف السياسي رغم الظروف السابقة أو الحالية.. وسورية لكم كمساحة لصراع فكري بكل ما يحمله الصراع من محاولة إنتاج هوية ثقافية قبل سياسية، وطرح نقاشات و "عصف دماغي"، بدل الدق على الطناجر وسماع تخريفات شهود العيان.

سورية لي ولكم في لحظة نبدأ فيها بالانطلاق، ثم نرسم لأنفسنا خريطة يمكن أن تصبح عصية على الاختراق، وبيئة سياسية غنية بالمواجهات السياسية بدلا من بنادق المسلحين، وحصانة يرسمها الجيش والأمن دون أن أن تصبح "وصاية" حسب اعتقاد البعض، فسورية هي المزيج بين درس الماضي ومساحة المستقبل، وهي تعيش بنا رغم الألم الذي يداهمنا في كل لحظة.

في أنثوية العلاقة" مع سورية حساسية مختلفة، لأنها لا يمكن أن تكون إلا كعاصفة من التقلبات، ووجه يلهمنا التأمل أيضا، فهل يمكننا تخيل وجه آخر لا يحمل هذا النوع من التقلب الذي يتركنا دائما في مساحات التحدي؟! فنحن أمام الصور المرسومة أمامنا نهرب من نشرات الأخبار والمؤتمرات الصحفية، وربما نترك ذاكرتنا على قارعة الطريق، ونعيد تشكيل أنفسنا وكأننا موجودون دائما ذروة الأزمة.. فهذه سورية التي تتأنق ثم تنقلب فجأة على نار أو تتوارى أحيانا من الخجل لكنها تبقى أنثى نعرفها في تماثيل عشتار المزروعة في كل بقعة منها، ومن آلهة الينبوع أو الخصب أو حتى في قدرة تموز على الموت والتجدد ليحيا من جديد، لكنه سيبقى يحلم بعشتار.

هي لي ولكم ولكل من يستطيع أن يدخلها ثم يعرف أنه لن يستطيع الخروج منها، فهي تجعله أميرا عاشقا يتباهى بفرحه وألمه وربما بجرحه الذي يزين تاريخها الطويل... هي سورية رغم الوجع الطويل و "المدن البائدة" وأعمدة تدمر، وزهو دمشق... فعز الشرق أوله دمشق....