لكن المبادرة تزامنت مع تحرك أمريكي باتجاه موسكو، فهل كان توقيتها خاطئ أم أنها بالفعل مثلت ذروة الأزمة؟ السؤال في النهاية يضعنا أمام الاحتمالات المتعددة لكل طرف دولي أو إقليمي
لا بد من سيناريو ما حتى تصل الأزمة في سورية إلى مرحلة "التفكيك"، فما حدث منذ عشرة أشهر أقحم دولا وسجل مواقف حادة، واحتدم الصراع على التراب السوري وسقط ضحايا من كل الأطراف، ثم جاءت المبادرة العربية لترسم خطا حديا يصور حالة من "الانتصار" التي تخالف الوقائع القائمة على الأرض، أو على أقل تقدير فإن هذه "المبادرة" اتجهت نحو المواقف المتنازع عليها دوليا بشكل مباشر بغض النظر عن الوضع الميداني في سورية.
لكن المبادرة تزامنت مع تحرك أمريكي باتجاه موسكو، فهل كان توقيتها خاطئ أم أنها بالفعل مثلت ذروة الأزمة؟ السؤال في النهاية يضعنا أمام الاحتمالات المتعددة لكل طرف دولي أو إقليمي متورط في النزاع إلا أن المؤشرات تعطينها:
•أولا المعرفة المسبقة بأن مثل تلك "المبادرة" لن تقبلها دمشق، فظهورها جاء من خارج السياق السياسي الذي سارت عليه الأمور منذ دخول الجامعة العربية على خط التعامل مع الحدث السوري، لكن بالتأكيد فإن دول الخليج بالتحديد لا يمكن أن يقوما بمثل هذه الخطوة دون "مشاورة"، إن لم نقل اتفاق، مع الولايات المتحدة، فواشنطن أرادت على ما يبدو الدفع باتجاه أقصى التصعيد، لكنها في نفس الوقت كانت تتباحث مع موسكو من خلال أهم دبلوماسيها في الشرق الأوسط جيفري فيلتمان.
•الثاني أن موسكو هي أيضا ذهبت بعيدا باتجاه تركيا، والموقف في أنقرة وإن لم يسجل تحولا ميدانيا لكنه على الأقل أوضح تراجعا في دعم القرار العسكري بشأن دمشق، فمن الصعب على أنقرة التعامل بشكل خاطف والانسحاب بالملف السوري، فهي تريد أيضا مساحة سياسية بعد كل المواقف التي اتخذتها خلال الأشهر الماضية.
•الثالث أن تركيا تباحثت بالأمس مع السعودية بشأن سورية، وكان واضحا "الحذر" الدبلوماسي في مسألة التعامل مع الخيارات الحدية، فتم نفي الاعتراف بالوقت الحالي بمجلس اسطنبول، ولكن على الطريقة السعودية التي تحاول عدم إعطاء أبعاد سياسية لمثل هذا الموضوع.
عمليا فإن خلط الأوراق أصبح سمة الحراك الدبلوماسي خلال الأسابيع الماضية، في وقت بدأت في دمشق حملة ضد المسلحين، وأعلنت ذلك بوضوح وصراحة ودون أي مواربة ميزت الحديث حول هذا الموضوع خلال المراحل الماضية، فهي على ما يبدو على علم مسبق بتفاصيل الوضع الدولي وبشكل يتيح لها التحرك لاستعادة "الوضع الأمني" على الأقل.
في النهاية فإن الترتيبات الدولية لا يمكن أن تضعها "دول الهامش" أو "الحزام النفطي"، والترتيبات أيضا هي "عملية" وليست خطة سريعة يتم إنجازها بشكل يكسر المنطقة، فالعملية الدبلوماسية على ما يبدو بدأت منذ اللحظات الأولى للقاء جيفري فيلتمان مع السياسيين الروس في موسكو.