لماذا يبدو الإعلام وكأنه مهووس بإنطاق الصورة؟ المسألة تبدو من حمص أكثر انفعالا من الأحداث التي جرت في غزة، رغم أن الطيران السوري لم يقصف أحياء حمص، ورغم أن الاتصالات والشبكات، على الأقل حسب التصريحات التي تأتي من حمص إلى قناة العربية، متوفرة، لكن الانفعال على ما يبدو شرطا سياسا في هذه اللحظة وليس مجرد محاولات استيلاء على بعض الأحياء أو اشتباكات بين قوات حفظ النظام والمسلحين.

الانفعال اليوم يبدو السلاح الأساسي لتعبئة عناصر بيئة الاضطراب، فهناك بلا شك دم وضحايا وهناك عائلات خرجت من المدينة وطرق مغلقة وغياب لسلطة الدولة عن بعض المناطق، لكن القنوات الفضائية لديها مخططات تعرضها على الشاشة لتوزع المناطق والقدرة على شرح معركة كاملة وربما متكاملة ولكنها على الشاشات فقط لأن ما يحدث ربما وصل لذروة العنف لكنه يعبر عن "عنف عشوائي" ولا نعرف مدى قدرته على التحكم بمدينة متسعة مع ريفها بحجم محافظة حمص.

اشتعال حمص ودرجة الانفعال تحمل معها أوراق ستظهر مع زيارة وزير الخارجية الروسي إلى سورية، وستتضح أيضا في الجهد الدبلوماسي الذي انطلق عشية استخدام روسيا والصين للفيتو ضد المشروع الغربي – العربي، لكنها أيضا في المقابل محاولة لكسر كل ما هو متوقع على صعيد السياسة الداخلية، فالحوار الذي يتم طرحه اليوم يبدو وكأنه بناء فوقي يقوم على أحداث تجري على الأرض، بينما ينقل الإعلام الرسمي في سورية رغبة المواطنين بالحسم وملاحقة الإرهابيين.

سيناريو حمص اليوم سيطفو على السطح على حساب أي عمل آخر، فهناك محاولة لبناء "انفعال" جديد من أجل تعبئة حركة شارع يريد البعض تجديدها رغم أنها فقدت عناصرها، فالمسألة ليست إحكام قبضة أمنية على الشوارع والمدن، بل هي أيضا فقدان القدرة على رسم أهداف حقيقية بعد أن تعقد الوضع السياسي أكثر مما كان يتوقعه المحتجون أو حتى الذين تبئوا بالحدث السوري وقادوه في هذا الاتجاه.

ما يجري هو البحث عن انفعال يقود باتجاه "المسألة الإنسانية"، فادعاء "الرقابة" وفقدانها لم يعد واضحا أو حتى مبررا طالما اعترف الجانبان بوجود عناصر مسلحة، والصراع قبل الفيتو الروسي الصيني كان على اكساب هذا التواجد المسلح شرعية، أما اليوم فهو على إعطاء "شرعية إنسانية" لأي تصرف دولي ربما يصعب على روسيا التصدي له بشكل سريع.

ذروة جديدة من العنف، وهي ذروة واضحة المعالم وتملك مبررات عند "المعارضة المسلحة" وليس عند أي طرف آخر حتى ولو قالت كل الفضائات بأن الجيش يقصف أو يقتل، فكل الأحداث اليوم توحي بأن الغاية هي خلق الاشتباك أولا وأخيرا وبعدها ليتصرف المجتمع الدولي بالطريقة التي يريدها.