في دمشق أصدرت المعارضة مواقفها من الفيتو الروسي، وهي أيضا تحدثت عن المشروع العربي – الغربي ووجدته مناسبا، وذلك دون شرح مفصل لهذا الموقف أو تفسير لمسألة بنود مشروع القرار الذي عرض على مجلس الأمن، اما مندوب روسيا فشرح مفصلا الأسباب الداعية لاستخدام الفيتو مستندا إلى البنود التي يحملها القرار، وهذه المقاربة هي فقط لطرح طرفي المعادلة اليوم وذلك دون نسيان الحكومة في دمشق التي عبرت عن موقفها من خلال كلمة مندوبها قبل وبعد التصويت على القرار.

عمليا فإن الأطراف السورية لا تقدم توازنا داخل المشهد السوري، فهي ومن خلال ما حدث في مجلس الأمن عبرت بأشكال مختلفة بدأت بالتصعيد العسكري وانتهت بمسألة الأسف، وهي قدمت صورة لمخاطبة الآخر خارج سورية لأنها اكتفت فقط بتسجيل الموقف دون أي اعتبار لشرح الظروف التي أملت عليها مثل هذا الموقف، ويبدو أن جملة التصريحات التي سبقت أو عقبت الفيتو الروسي – الصيني تعطي مشهدا سياسيا جديدا بالنسبة لسورية لأنه يقدم:

التوقف عند نقطة "الاحتجاج" الذي ظهر عليها الحدث السوري، فالمعارضة وحتى عدد من الحزاب الكلاسيكية أو التي ظهرت مؤخرا ماتزال تبحث ضمن ظرف الاحتجاج رغم تبدل العوامل التي تتحكم بمجريات الحدث بشكل عام، فهناك انهماك بالحديث عن "النظام السياسي"، وذلك خارج إطار الواقع القائم الذي يؤكد أن المسألة اليوم تحتاج إلى التفكير بالوضع السوري كجزء من صراع دولي نشأ مؤخرا وعنوانه العريض سورية، لكنه في نفس الوقت يتجاوز الجغرافية السورية ليطال حزمة من المسائل الدولية.

الأداء السياسي على مستوى التيارات والأحزاب لم يدخل مرحلة المواءمة ما بين صورة سورية المستقبلية والتوازنات الدولية التي بدأت تظهر، فحجم العلاقات الروسية – السورية تغير كليا منذ العام الماضي وحتى اليوم، وبالتالي فإن الدول المساندة لحركة الاحتجاجات لم تعد تملك نفس القوة، فسورية أصبحت في لحظة حاسمة نقطة للاشتباك على المستوى الدولي، وحساسية وضعها الحالي ربما تدفع لقراءة جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحول الديمقراطي والتأثيرات الخارجية على هذا التحول.

إشكالية التوازن الإقليمي أصبحت جزءا من معادلة الحدث السوري منذ اللحظة التي ظهر فيها السلاح بكثافة بيد المعارضة، وهو أمر لا يقلق السلطات السورية بل أيضا الدول الكبرى سواء تلك التي تراهن على وجود السلاح أو تلك التي تريد إجراء حاسما من الدولة تجاه المسلحين، فالتمرد المسلح يؤثر على المنطقة ككل وعلى نوعية المصالح الدولية فيها، وهو ليس مجرد "دفاعا" عن النفس كما تطرح بعض التحليلات "ببراءة" مبالغ فيها.

ربما على السوريين حسم أمره تجاه صورة سورية في المستقبل، لأنهم في هذه اللحظة يمرون في أخطر تحول منذ نصف قرن، وإضاعة الفرصة في رسم المستقبل ستترك أثرها مهما كان الطرف المنتصر في الصراع الدولي القائم حاليا، لأن الخيار الداخلي مازال متاحا حتى اللحظة، لكنه في المرحلة اللاحقة ربما يتحول إلى أمر صعب إن لم نقل مستحيل.