سها مصطفى

بدا أن الحكومة السورية الحالية لاتزال تتخبط في سياستها الحكومية رغم مضي أكثر من عشرة أشهر، على بدء الأزمة والأحداث في سوريا، مر السوريون بأزمة المازوت والغاز التي اعترفت شركة المحروقات بأنها "أزمة سوء توزيع"، ومؤخرا الليرة السورية، فيما طالعنا وزير الإقتصاد من على شاشة التلفزيون السوري بإصلاحات عجيبة قامت بها هذه الحكومة، فالحكومة فتحت استيراد الأسمدة الزراعية، أسمدة لم نعلم ما الفائدة منها سوى ربما مؤخرا صناعة العبوات الناسفة!

ورغم ذلك سيطالب وزير الاقتصاد ومن على شاشة التلفزيون السوري بتعويم الليرة، القرار الذي تم طيه عن طاولة التداول الحكومي بعد إصداره ورقيا دون تصديق، وأكثر طالب بإعادة توحيد السياسة النقدية مطالبا بعدم استقلالية المصرف المركزي، ليطالعنا على غلاف مجلة الاقتصادي في تصريح لم يكن الفارق بالتوقيت بينه وبين تصريحه على التلفزيون السوري سوى أيام معدودة، ليعلن لاحقا وزير الاقتصاد السوري "فشل الحكومة السورية الحالية"...إذن على أي أساس كانت المطالبة بالتعويم؟

الليرة اليوم وحملة 2005

في عام 2005 وفي عز الحملة الإعلامية والسياسية ضد سوريا، بدا أن سعر الليرة سورية مستقر، لكنه فجأة قفز قفزات مهولة خلال بضعة أيام مع اقتراب إعلان تقرير ميليس الأولي، اليوم السعر وهمي والطلب وهمي لكن الارتفاع مستمر، الحملة عادت مجددا، لكن الطروح الحكومية بدت مجددا قاصرة، وفرق سعر الصرف بين شتورة في لبنان ودمشق بات أكثر من واضح،...ثمة كوماندوس اقتصادي يواكب تحرك الجماعات المسلحة على الأرض.

نبيل الخوري"عميد معهد الإقتصاد والتنمية الإقتصادية والاجتماعية سابقا" يرفض تعويم الليرة مباشرة، ويقول لسوريا الغد "تكمن خطورة قرار من هذا النوع في أن الاقتصاد السوري لا يحتمل حاليا تعويماً لليرة، والمفترض العمل والبقاء على نظام المرونة المقيدة، الذي يحمل شقين، الأول سعر صرف ثابت تحدده الدولة وتكون في هذه الحالة بائعا ومشتريا"، غير أن الظرف اليوم يغدو غير طبيعي، فالظرف الطبيعي يقتضي القطع الأجنبي من أجل المبادلات التجارية، فيما اليوم ثمة طلب على القطع دون مبادلات تجارية...

يبين خوري"اليوم نعيش حالة استثنائية، العرض والطلب يؤثر فيه حالات نفسية وعسكرية وأمنية وسياسية"، بل ويضيف"وتآمرية" من مدخل المؤامرة!

يوضح"إن كان على الأرض جماعات مسلحة فهناك أيضا لوبي اقتصادي يعمل على ضرب الاقتصاد السوري"، التصريح الأخير لا ينطلق فقط من مطالبة حمد بـ"تشديد العقوبات على الاقتصاد السوري" في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن "وذلك على حد تعبير حمد"من أجل المواطن السوري"!

نظرية الدردري: الدولار يقابل 200 ل س

يقول خوري موضحا"هناك بعض التجار وأصحاب رأس المال الذين يحاولون ألا يجعلون العرض على الليرة متاحا، أي تحتكر العرض وترفع السعر"، ويربط عميد المعهد السابق الهدف من ذلك بما سبق وأن حاول فعله حصان طروادة عبد الله الدردري النائب الاقتصادي السابق، ويقول "نظرية الدردري قامت على أن يصل سعر الصرف إلى خط سبق وأن أعلنه سابقا، على أساس أن الاقتصاد السوري يتحمل حتى ما قبل الأحداث وصول سعر صرف الليرة 200 ل س سورية للدولار!".

لليبرالية الأخيرة تداعيات خطيرة على الاقتصاد السوري، يقول خوري محذرا "نحن في الحالات العادية لم نلجأ للتعويم ولنظام سعر الصرف الحر، فكيف نلجأ له في هذه الحالة الاستثنائية؟!، مشيرا إلى التوجه الحكومي الأخير، فاليوم تراجعت المبادلات التجارية السورية بفعل العقوبات الاقتصادية على سوريا، علما أن خوري يؤكد على أن حجم التجارة معروف بكمياته وقيمه وزيادته ونقصانه معروفة في الحالات العادية بكميات وهوامش بسيطة سنويا، واليوم الطلب على العملة الخضراء نتيجة لعوامل نفسية، والأكثر "نتيجة لعمل احتكاري لبعض الأشخاص وبعض شركات الصرافة، في احتكار إرهابي بهدف خفض سعر الصرف والمس بالاقتصاد كسلاح إقتصادي ضد سوريا".

للتدليل على ذلك، يؤكد خوري أنه في عام 2005 وفي أواخر العام وقبل صدور تقرير ميليس قفز سعر صرف الليرة من 51 ليرة إلى حوالي 62 /64 ليرة دفعة واحدة، وينوه إلى أن الدولة طرحت عندها كميات كبيرة من الدولارات في السوق السوداء لموازنة العرض والطلب ولتغطية العامل النفسي، عندها طرحت 200 مليون دولار.

أما اليوم، فإن الطرح الحكومي والعلاج كان بالمزاد، يقول خوري منتقدا الإجراء الأخير"الدولة من يحدد سعر الصرف بالتالي لايفترض بيعه في مزاد".

ونظم المصرف المركزي مزادا طرح دولارات بقيمة 47 مليون ل س، غير أن ماجرى في المزاد كان احتكارا، يقول الخوري"المفترض أن الدولة تساهم كبائع وتشتري وتطرح الدولارات من خلال كوات الصرف، والمصارف الخاصة تطرح كميات معينة وترى ردات الفعل، وليس أن تبيع بمزاد لشخصيات قد تلعب دور الاحتكار الاقتصادي السياسي، وهو ما نخشاه واعتقد أن ذلك ما حصل في المزاد الأخير الذي احتكره شخصان".

البعثيون الليبراليون!

على الساحة السورية مجموعة من شركات الصرافة المرخصة أصولا، ويقابلها بيوت للصرافة غير مرخصة، الأخيرة يقف خلف البيوت والشركات شخصيات سورية اقتصادية معروفة، يقول خوري" يقف خلف سحب الدولار شخصيات لها ارتباطها في الخارج، من مطلع الأحداث والمحاولات مستمرة، لسحب الدولار والقطع الأجنبي من السوق لرفع السعر بين العرض والطلب، فعندما يكون العرض والطلب متاحان تحدد نقطة توازن عند سعر معين، ولكن عند احتكار اي سلعة يرتفع سعرها، والهدف من احتكار الدولار خفض قيمة الليرة السورية وحكما الحل ليس بالتعويم أو المزادات، والمطلوب هو المرونة المقيدة الذي تحدد فيه الدولة سعر الصرف وتسمح لشركات الصرافة على الساحة ان تبيع وتشتري ووتعامل بالقطع الاجنبي وفق هامش ونسبة ربح 3%، وتكون الدولة وفق النظام بائعا ومشتريا حتى تتحكم بسعر الصرف، ويلزمها توفر احتياطي كبير بالعملات".

حتى الآن نظام الصرف غير واضح، لا بل إن السياسات الاقتصادية الحكومية لاتزال غير واضحة، فكما في عهد الدردري ظهر مصطلح جديد للسوريين وهو اقتصاد السوق الاجتماعي، خرج علينا وزير الاقتصاد بمصطلح اقتصاد سوق موجه، ذلك أن البعثيون الليبراليون لم يحسموا أمرهم بعد فهل هي اشتراكية أم اقتصاد سوق؟

يقول الخوري "هذا مصطلح جديد، وما نعرفه اقتصاديا أن هناك إما اقتصاد سوق وإما اقتصاد موجه، أما العمل على خلق اقتصاد هو مزيج بين الاثنين....فنرجو الترجمة"!

مطلوب: حكومة موسعة عاجلة

المحلل الاقتصادي فراس حداد ينطلق من أن "الآلية الموجودة أنه لدينا تحديد مسبق من البنك المركزي بغض النظر عن العرض والطلب، ويكون عبر سلة عملات تم تعديلها من خلال حقوق السحب الخاصة، وهذا الشيء غير منطقي لانه غير مقابل لسعر الطلب والعرض في السوق، لذلك في الخمس سنوات الماضية كانت الليرة تقوى بالمقابل كان هناك عجز بالميزان التجاري، المعادلة الأخيرة تتطلب ان تنخفض قيمة الليرة لا ان ترتفع، مايعني وجود طلب على العملة الاجنبية اللازمة للمستوردات اكثر من العرض الذي يؤمنه تصدير المنتجات السورية من هذه العملة الاجنبية، وعليه كان السعر فيه نوع من عدم المنطقية"..

أما عن التعويم يقول حداد" الأخير يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار سعر العرض والطلب والسوق يحدده، بمعنى ما لاسيطرة ولا آليات للسيطرة على العرض والطلب، لأن الادوات النقدية لدينا ضعيفة جدا وتبين فشلها من خلال الازمة الحالية، والتعويم هو مرحلة نهائية تتم بعد توفر كل الادوات للسيطرة على السوق وليس العكس أن نبدأ بالتعويم ولا أدوات لدينا للسيطرة على السوق، حاليا هذا الكلام كله نظري، العملة الأجنبية تتمحور حول تمويل المستوردات وثانيا الحوالات والثالث عدم الثقة بالعملة المحلية، يمكننا تناول الأول والثاني فعندما أوقف المركزي تمويل المستوردات، صار التاجر والصناعي يضطر لتأمين الدولار من مصادر أخرى أي السوق السوداء لتمويل مستورداتهم، وبالتالي تمت شرعنة السوق السوداء".

يضيف عن ألف باء هذه السوق السوداء"السوق السوداء هم تجار يتعاملون بالعملة الصعبة وهؤلاء يعملون بطريقة غير شرعية رغم أن وجودهم شرعي، وعلى رأسهم الصرافين الذين يفرضون سعر الدولار كل يوم بالسوق السوداء، الحل الامثل كان بتمويل المستوردات بسعر البنك المركزي من البنك المركزي وهو ماكان متوقع الشهر الماضي، لكن مازاد الطين بلة أنهم سمحوا للمصارف الخاصة المشاركة بالسوق السوداء وهو موضوع غير منطقي للغاية، طالما أننا لا نسيطر على الصرافين، أضفنا إليهم المصارف الخاصة الذين أصبحوا يحددوا السعر الشرعي وبوجود شبه شرعي ماجعل سعر الدولار شبه ثابت بين 70 إلى 75 ليرة، ومضاره تمثلت برفع تكلفة المستوردات بمايعادل 50% ، ما أدى لرفع أسعار المنتجات بنسبة 50% ، أيضا لكل من المستورد والمحلي بسبب عدم السيطرة على الأسواق بمعنى ما مشكلة نقدية أدت لمشكلة مالية وتضخم وغلاء ومن دفع ثمنه المواطن بالنهاية، ونحن نشعر أن اديب ميالة وهذه الحكومة لم تقم بذلك بشكل عبثي وليست مصادفة، وإنما بالترابط مع الضغوط الإقتصادية والحكومة للآن تسير على خطا الدردري مايتطلب الإسراع في إيجاد حكومة موسعة التي من أهم الملفات عليها الملف الاقتصادي والنقدي بما يحمله من سعر الليرة وأيضا موجة الغلاء".

وأمام صيحة حمد وزير خارجية قطر في مجلس الأمن عن الاقتصاد السوري والعقوبات عليه والرهان على انهياره، يضحي من معطى سياسي، الأزمات التي تختلقها الجامعة العربية من مدخل الإلهاء عن الأزمة الاقتصادية السورية، بقضايا السياسة والتدويل، استحقاقات الليرة وسعر الصرف وموجة الغلاء ومافاقمه تأجيل المؤتمر القطري الذي ينتظر من خلاله السوريون حكومة جديدة تتقن إدارة الأزمات وليس افتعالها...