كانت مفاجأة نهاية الأسبوع القرار المزدوج بالفيتو من قبل روسيا والصين معا في مجلس الأمن
الدولي، وللمرة الثانية بهذه الصيغة فائقة الشدة والدلالة. فرادة اهميته السياسية هي العزم المشترك للدولتين بالتصدي للغرب في بسط هيمنته على المنطقة العربية على الرغم من تواطؤ النظام الرسمي العربي معه، ودعم سورية في تصديها لمؤامرة تقسيمها وانتهاك سيادتها، وحرمان الولايات المتحدة من المضي بسياسة القطب الواحد الآيلة للسقوط، ومن الاستفراد ايضا بروسيا وحدها على صعيد التحركات والاستقطابات العالمية. ومن المتوقع تناول الامر من قبل مراكز الابحاث الاميركية بالتفصيل الاسبوع المقبل.
استمر الاهتمام بالملف السوري على خلفية المناقشات الحادة التي شهدها مجلس الأمن الدولي، وتنافست المراكز المختلفة لازداء النصح وتقديم الاقتراحات للادارة الاميركية لما رأته حلولا مناسبة واستراتيجيات معقولة للولايات المتحدة المضي على هديها حفظا لهيبتها ومكانتها الدولية؛ وفي سياق مواز، تناولت ايضا اثر وفعالية العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران. اما الاهتمام بالملف الفلسطيني فكان فاترا بعض الشيء وتراجع في اولوية الاهتمامات؛ بينما أتت مصر متقدمة عنه في ضوء منع السلطات المصرية لبضعة مواطنين اميركيين من مغادرة اراضيها، وشاءت المراكز ان توجه عدة رسائل قوية اللهجة عشية زيارة الوفد العسكري المصري لواشنطن والتهديد بقطع المساعدات الاميركية السنوية المقررة.
Brookings Institution
تناول معهد بروكينغز بشكل مكثف الموضوع السوري عبر عقده سلسلة ندوات تنوعت مواضيع بحثها بين تهميش وتصغير الدور الروسي من ناحية، الى تصاعد وتيرة النداءات المطالبة بتنحي الرئيس الاسد. وقال في احدى ندواته "الاسراع في الاطاحة بالرئيس الاسد، عدا عن كونه الاسلوب المفضل، سيصب ايضا في صلب مصالحنا القومية،" الى جانب الاعراب عن اعتقاده بأن "نظاما ديموقراطيا" في سورية سيخدم المصالح الاميركية في المدى البعيد. وبالرغم من تحذيره اللجوء "المبكر" للتدخل عسكريا، الا انه طالب "المجتمع الدولي البدء في تناول عدد من الخيارات العسكرية (على غرار) انشاء "مناطق آمنة" ... "
واستضاف بروكينغز ندوة لبحث الازمة المزدوجة في سورية وايران، اشار فيها الباحث دوران انه من المرجح ان يتم التدخل العسكري الاجنبي في سورية عبر الاراضي التركية، مستدركا ان تركيا تبدي تراجعا في عزمها السابق للتدخل خشية تطور الامور بين الجارتين الى الاسوأ. وعلى الرغم من التحذيرات المتضمنة في الندوة، كرر دوران الاجماع السياسي في واشنطن بأن سقوط النظام السوري يخدم المصالح القومية الاميركية، وينبغي الاستفادة من الدور الحيوي الذي تقدمه الجامعة العربية في هذا الشأن لناحية اضفاء شرعية على اي تحرك دولي ضد سورية.
Carnegie Institution
بينما حذر معهد كارنيغي من فرط توقعات سقوط الرئيس الاسد قريبا وذلك نظرا لتماسك النظام داخليا و"ندرة الخيارات المتاحة لخصومه الدوليين ... (وفي ظل غياب قرار التدخل العسكري) ستبقى سورية غارقة في "حالة قاسية من الجمود" والتي قد تستمر لبضعة أشهر."
Washington Institute
وزعم معهد واشنطن ان ما يسمى "الجيش الحر" يسدد "ضربات موجعة وخسائر كبيرة لسورية، في المعدات والارواح ... (وطالب) القوى الخارجية الراغبة في ازاحة الرئيس الاسد الاعتراف بالجيش الحر .. والذي من شأنه التأثير على مجريات الصراع في سورية." كما زعم المعهد المذكور ان سياسة الولايات المتحدة تعتمد على "دعم القوى الساعية للتغيير بوسائل غير عنفية،" متسائلا عن الحكمة في الاستمرار بتلك السياسة المعلنة التي لم تؤت أكلها باسقاط النظام بعد طول انتظار، ومتسائلا بأنه هل يتعين على الادارة الاميركية التخلي عن تلك المهمة "لصالح اطراف محلية ومن المتعهدين ايضا" لتنفيذ مهمة التدخل العسكري.
Council on Foreign Relations
وفيما يتعلق بمداولات مجلس الامن الدولي، حذر مجلس العلاقات الخارجية من الافراط في التعويل على "قدرة مجلس الامن او رغبته التدخل في الشأن السوري." وقال "في المنظار التاريخي، ينبغي تخفيض مستوى توقعاتنا من مجلس الامن وترويض بعض مشاعر الاحباط" من عدم سرعة تحركاته وفعاليتها في الوقت المناسب. واضاف، انه وعلى الرغم من تلك القراءة لدور الهيئة الدولية، فان "مجلس (الامن) لا يزال يشكل اداة باستطاعتها انجاز بعض الاهداف، كما اثبت في موضوعي كوريا الشمالية وايران، بتبنيه عقوبات قاسية عليهما
..."
Brookings Institute،
وحذر معهد بروكينغز، في الشأن الايراني من مغبة الانجرار وراء الاطراف المتحفزة للتدخل العسكري في ايران "بمعزل عن الحرب الدائرة حاليا في افغانستان؛ انه لخطأ كبير، الدخول في حرب ثانية قبل الانتهاء من التبعات الراهنة، الامر الذي يشكل وصفة لكارثتين مزدوجتين." موضحا ان الولايات المتحدة ليست في وضع "يساعدها على شن حرب اضافية راهنا، والتي سينتج عنها عواقب مدمرة وآثار ليست في الحسبان من شأنها ان تنعكس سلبا على مجمل المنطقة، وتؤدي الى تضعضع مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط."
Rand Corporation
كما اعربت مؤسسة راند عن شكوكها في صلاحية انتهاج الولايات المتحدة سياسة تغيير النظام في ايران مؤكدة انه ليس بوسع "الولايات المتحدة التأثير في العوامل التي ستؤدي الى تغييرات سياسية في ايران، بخلاف ما سعت اليه في الانقلاب الذي جاء بالشاه مجددا الى السلطة عام 1953." وشكك المعهد ايضا في نجاعة سياسة العقوبات التي "لن تؤدي الى اسقاط النظام بشكل مباشر ... وينبغي على الولايات المتحدة عدم المضي بانتهاج سياسة العقوبات بغية تغيير النظام، بل التركيز مجددا على انتهاكات حقوق الانسان وندرة عقد انتخابات ذات مصداقية ..."
Council on Foreign Relations
وطرح مجلس العلاقات الخارجية على لسان رئيسه ريتشارد هاس ما اسماه بـ "الخيار الثالث" بالنسبة لايران، موضحا انه يمثل "الخيار الامثل .. وهو عبارة عن نموذج يمزج بين عناصر السياسة الراهنة، الهادفة لتكثيف الضغط الاقتصادي باكبر قدر ممكن على ايران، والتي لن تدفع قياداتها الى التخلي عن البرنامج النووي، بل لحملها اعادة حساباتها والاقرار بأن كلفة المضي قدما بالوتيرة الراهنة ستكون باهظة جدا وغير مجدية مما سيؤدي الى تغيير توجهاتها."
واستضاف المجلس احد الخبراء في العلاقات الاميركية الايرانية، تريتا بارسي، تمهيدا لكتابه الجديد الذي اوضح فيه انتقاداته لسياسة اوباما الايرانية، بالقول انها تعتمد على عدد من الاساليب غير المجدية، وهي: "لم يقدم اوباما على اعطاء فسحة سياسية ضرورية للمضي بحل ديبلوماسي للخروج من الطريق المسدود في الازمة الايرانية؛ الولايات المتحدة على حافة مواجهة عسكرية وشيكة اقرب من اي وقت مضى منذ عهد ادارة بوش نظرا للسياسة المتبعة ... لا سيما لعدم توفر آليات للحوار المباشر منذ اربعة عقود من الزمن؛ قصر النظر المتبع راهنا المقتصر على رؤية الازمة الايرانية من منظور قانوني مرده البحث في آليات عدم انتشار الاسلحة والذي من شأنه اضاعة الفرص الحقيقية لوأد الازمة والتوجه بها نحو مزيد من التصعيد ..." وحث بارسي الادارة الاميركية على فتح المجال لنقاش موسع وتوضيح مغزى المفاوضات مع ايران ... كما عليها الاقدام على خطوات تشيع الارتياح لدى الايرانيين وتعويلهم على جني فوائد جراء المضي في المفاوضات وتقديم التنازلات.
Middle East Institute
وفي الشأن الفلسطيني، اعرب معهد الشرق الاوسط عن اعتقاده بأن المناخ الجديد في الشرق الاوسط ينذر باوضاع صعبة مقبلة لمستقبل حركة حماس، نظرا لان نتائج الاضطرابات السياسية الاخيرة والتي برز فيها دور الحركات الاسلامية قد "اسهمت في حرمان الحركة من دعم اصدقائها القدامى، وبالمقابل عززت مواقف خصمها (حركة الجهاد الاسلامي) على حسابها." وزعم المعهد ان كل من "اسرائيل وحماس تتشاركان في عدائهما لايران" في اعقاب حركة الاحتجاجات العام الماضي، حاثا الولايات المتحدة على اعادة النظر باستثنائها حماس من المفاوضات، لا سيما وانها انخرطت من جانبها في الحديث المعمق مع "الاخوان المسلمين في مصر" لدفع عجلة التسوية قدما.
Brookings Institution
في الشأن المصري، حث معهد بروكينغز المجتمع الدولي على زيادة الاستثمار والمساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر، محذرا في الوقت عينه بانه لا يجوز اعتبارها مجتمعة كجسر عبور مضمون للقيادة العسكرية المصرية، بل "اشتراط استمرار المساعدات بتحقيق مصر بعض الانجازات المحددة وفق جدول زمني تتضمن ارساء الديموقراطية وعدم التدخل العسكري في الشؤون المدنية واستقلالية السلطة القضائية وضمان صحافة حرة." وحث المعهد المجتمع الدولي الانضواء تحت لواء زعامة الرئيس اوباما، لاسيما الاوروبيين والاتراك والبرازيليين ودول الخليج، وتقديم المساعدات المختلفة لمصر وزيادتها لمستوى يبلغ نحو 5 مليار دولار على الاقل.