يتنقل السوريون على مساحة رمادية من الحلول السياسية، فرغم كثرة التصريحات لكن ما حدث ربما يرتبط بآليات التفاهم الدولي، وليس فقط في التوازن القائم حاليا وعلى الأخص الموقفين الروسي والصيني في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا، فما قامت به موسكو هو الضغط على طريقة التعامل مع الأزمات، ولكننا حتى اللحظة لم نصل إلى "التفاهمات" الجديدة، وربما على العكس من ذلك، فهناك رهان دائم على تحولات في المواقف من الجانبيين.
وربما ليس مهما في هذه اللحظة الحديث عمن أوصل الأزمة السورية إلى هذه النقطة، فالقضية اليوم متعلقة بوقف التداعيات الحاصلة لأنها ستشكل نقطة البداية باتجاه العمل السياسي، وهذا الوقف لن يظهر في الظل التوقف فقط عند قدرة الدول الكبرى والإقليمية على التأثير، فالتوازن القائم لن يساعد ما لم يتم إدخال عامل داخلي سوري، لأن الاستقطاب الدولي يملك مساحة واسعة لا تقتصر على سورية، وفي لحظات التسوية ربما تبرز مسائل عالقة ضمن "حزمة الحلول" التي تتفق عليها الدول الكبرى، وما لم تبدي المعارضة السورية أيا كانت، داخلية أو خارجية، استقلالا في رؤيتها فإن الأزمة السورية ستبقى متقلبة خلال المدى المنظور على الأقل.
عمليا فإن المعارضة السورية تملك "شروطا" للحوار، إلا أن ما سيحدث في أول مرحلة قادمة لن يكون "اقتسام سلطة" أو حتى "مشاركة سياسية"، لأننا سندخل في زمن استيعاب النتائج، وتحديد حدود التشابك ما بين العامل الدولي الذي دخل في عمق الأزمة السورية وبين طبيعة "السيادة السورية" التي تم الضغط عليها بقسوة خلال الأشهر الماضية.
والغريب أيضا أن المسارات السياسية الإقليمية التي ضغطت بقوة على الأزمة السورية، لم تكن تملك سيناريوهات بديلة، فهي دخلت ضمن خيار نهائي يبدو اليوم أنه صعب التحقيق، أو ربما سقط من أي حل قادم، وفي المقابل فإن دولا مثل السعودية وقطر لن تكون قادرة على خلق "انسجام إقليمي" في ظل الوضع الحالي، أو حتى مع وجود أطياف من المعارضة داخل السياسة السورية لأنها كسرت كل الحواجز مع سورية ودفعت مسار الحدث باتجاه حدي.
في ظل هذا الشكل من التنافر فإن "العامل الداخلي" يضعف تأثيره، وهو أيضا لا يعطي أي مرونة أو قدرة على التحرك داخل تعامل "الدول الكبرى" مع الأزمة السورية، وإذا كانت مهمة بعض الأطراف الإقليمية، وحتى الدولية، الصراع على المعارضة السورية لكسب أطراف فيها، وامتلاك أوراق داخل الأزمة، فإن الحراك السياسي السوري بالإجمال ربما عليه كسر هذا الاحتمال، لأن أي "تسوية" قادمة ستؤثر على مستقبل سورية وسيادتها، فكل ما يحدث اليوم هو مسؤولية متكاملة على جميع الأطراف إدراكها والتعامل معه بعقلانية.