في مدينة حمص اختبار معقد، لم تلعبه بعض الأطراف فقط، بل هو استحقاق سوري بامتياز، وفي حمص أيضا مناخ مختلف علينا قراءته بعناية، فالمسألة لا ترتبط فقط بإخراج المسلحين بل بنوعية الحياة القادمة بعد أن يهأ ازيز الرصاص وتشتعل معركة التفاعل من جديد، فمن هذه المدينة يمكننا قراءة التكوين الذي يقفز إلينا على أطلال الأزمة السورية.

والمسألة لا ترتبط فقط بالتنوع، لأن سورية بهويتها تنوع، وربما بشخصيتها مزيج لا يمكنه أن يصعد إلا وفق الصورة التي تجعل جميع مؤمنا بالأرض وبخق إرادة جامعة، ولكن مدينة مثل حمص يمكن النظر إليها بعين مختلفة، أو حتى بكونها النافذة التي تجعل الجميع ينتهي إليها ثم يبدأ بها، والموضوع لا يحتمل شاعرية أو عواطف إضافية، لأن شطر سورية، أو التدرج في التنوع يسير نحو حمص ثم ينطلق منها شمالا.

وليس مستغربا أن تكون نقطة الاختبار، سواء في خلق التحول أو في هدم المساحات التي صاغتها الدولة السورية منذ الاستقلال، فعندما نتحدث عن مدينة مفتوحة المساحات، فغننا نقدم سمة ربما لا تعرفها المدن التاريخية في سورية رغم وجود التنوع فيها، ورغم أن كل المساحة السورية تعيش تراكم الحضارات منذ فجر التاريخ، لكن في حمص مفتاح التعامل مع "الدولة" بالمعنى العصري، وربط الكيان السياسي رغم حداثة تجربة الدولة مقارنة بدول أخرى عاشت التحولات وأنهتها منذ القرن السابع عشر.

هل يمكننا قراءة حساسية التجرية التي تعيشها مدينة حمص بالنسبة لسورية بأكملها؟ هذه المهمة برسم المستقبل، لأننا اليوم وبمواقفنا أو حتى تحركاتنا نساعد على صياغة مفهوم متطور لدولة قادرة على التعامل مع جغرافيتها مهما كانت صعبة ومع مجتمعها مهما كان مركبا، فعندما يمر خبر سريع في الفضائيات عن "عمليات تهجير"، ندرك سريعا خطورة التجربة التي تعيشها وحمص وريفها، ونعرف أيضا أن تلك المنطقة عاشت تاريخيا مراحل مشابهة، وربما أنجبت حالة يعرفها السوريون عندما ينتقلون إلى حمص ومنطقة الغاب ووادي النظارة وصولا إلى الساحل السوري.

هذه الصورة يجب أن تبقى مغروسة في أذهان السوريين، فكل الأزمة بتفاصيلها لا تحمل إلى معركة أساسية مرتبطة بهوية ارتبطت بظهور سورية تاريخيا وسياسيا وهي اليوم على محك البقاء والاستمرار وأماما استحقاقات رياح "غير مواتية" هبت لتحمل معها ألوانا ربما لا تنسجم مع الواقع السوري.