لا يمكن التعرف على "الإخوان المسلمين من خلال وثيقة "عهد وميثاق" تم تدقيمها في مؤتمر صحفي، فـ"الجماعة" لا يمكن فصلها عن واقع سوري متشابك، ولا يمكن أيضا القفز فوق اعتبارات تجربتها التاريخية، فإطلاق وثيقة "عهد وميثاق" قبل الدخول في المعترك السياسي لا يمكنه أن يشكل "طمأنة" للمجتمع السوري عموما، هذا دون أن نسأل لماذا هم يحتاجون لمثل هذا الأمر أو لأإقرار الحقائق" حسب تصريحات صدر الدين البيانوني إلى إذاعة مونت كارلو.
المشكلة الأساسية التي تواجه أي مراقب لحركة الإخوان لا تتعلق بما أحاط بها من "إعلام" يحاول "شطينتها"، إنما في نوعية المرجعية المعرفية التي تعتمدها، وإلى كم التنظيرات التي ظهرت خلال صراع المرير في العديد من دول الشرق الأوسط، فحركة الأخوان لا يمكن النظر إليها وفق "تحول سياسي" لأنها في النهاية "حركة عقائدية"، وعمليات التحول التي تخوضها لا تحتاج إلى "وثائق" بقدر كونها تتطلب "مرجعية" محلية بالدرجة الأولى، وبتحديد مواقف صريحة وواضحة تتناول "التنظيرات" المعتمدة من قبلها، ابتداء من مبدأ "الحاكمية" وانتهاء بتحديد مفهوم "المدنية" التي تخضع لتفسيرات مختلفة وفق البلد أو الظرف السياسي.
لكن الناحية النظرية لا تكفي أيضا، فالحركة عندما تنتقل باتجاه حزب سياسي فإنها ستعبر عن "شريحة دينية" ربما تكبر أو تصغر، لكنها لا تخضع لشرط تحولات تاريخية تعيد صياغة مفهوم المواطنة، وربما علينا البدء في التعامل مع "الدولة" وفق تطبيقات حركة الإخوان، بما فيها تعاملها الحالي مع الأزمة السورية، على الأخص أن مراقبها له باع طويل في الأحداث سورية مطلع الثمانينات، فقضية الأخوان ليست مجرد حزب دخل في صراع مع السلطة، بل تشكل ظاهرة على مستوى المنطقة ككل.
وعندما تطلق الحركة اليوم وثيقة "عهد وميثاق" فإنها تضع الأخرين عند استحقاق النظر إليها، لكنها لا تطرح تقييما شاملا لمسألة "الممارسة السياسية" التي ستباشر بها باستثناء مقارعة "النظام السياسي"، فـ"العهد والميثاق" (والعنوان بذاته يعبر عن نوعية في الخطاب) هو إدانة بطريقة سلبية، بينما من المفترض على "حركة" لها إرث في تاريخ سورية الحديث أن تتطرق إلى "مساحات استراتيجية" مرتبطة برؤية سورية وسط محيط ضاغط، وربما التحدث عن نوعية العلاقة القادمة مع دول دفعت حركة الأخوان إلى جذوة الصراع داخل سورية.
موضوع حركة الإخوانيتجاوز الوثائق والمبادئ، وهو يحتاج إلى التحول في التعامل على الأخص مع خصوم تاريخيين مكونين من أحزاب علمانية وقومية فهل فعلا حسمت حركة الأخوان موقفها منهم؟!