هروب إلى الأمام... إنها العبارة التي أضحكت أجيالا سابقة في معركة مع "إسرائيل" أو غيرها، لكنها في النهاية عبارة أمل يمكن أن نطلقها كي نعرف أن الحياة لا تحمل مسارا واحدا ولا صورة مشتقة فقط من صراع الخير والشر، فمن هذا الذي أوجد جدلية صراع حدي، وجعل الوهم يركبنا كي يحولنا إلى مجرد أشخاص يمكن أن يتمترسوا في موقع دون آخر.

هروب إلى الأمام في عنوان عريض: لا أزمة... وليست إخفاقا ولا تمردا ولا حتى ثورة، فنحن في النهاية نختبر أنفسنا في مرحلة زمنية، وكل منا يحمل قناعات مختلفة عن الآخر، وكل هذه القناعات نجحت، فمن نظر لما يجري كحرب أهليه سيجد ما يكفي من الوقائع كي يؤكد وجهة نظره، ومن ينظر إليها مؤامرة يملك أيضا معطيات كافية كي يكرس هذا التوجه، ومن يراها ثورة هو أيضا مسلح بمجموعة من الروايات التي تؤكد وجهة نظره.

لا أزمة نعيشها اليوم!! فنحن في النهاية نطرح قناعاتنا ولكن بشكل حدي، ثم نضعها على طرفي نقيض ما بين الخير والشر، ونسير نحو شيطنة الآخر

لا أزمة نعيشها اليوم!! فنحن في النهاية نطرح قناعاتنا ولكن بشكل حدي، ثم نضعها على طرفي نقيض ما بين الخير والشر، ونسير نحو شيطنة الآخر، ولكننا بالفعل لا نملك إطارا للقناعات التي نؤكدها بالوثائق أحيانا والروايات أحيانا أخرى، فالخطوة الثانية باتجاه الوطن تحمل ترددا رغم أن الجميع يطالب بقبول الآخر، والجميع يحلم بالتعددية فهل هناك أية أزمة في قناعاتنا؟!

كل ما حملته لنا الأحداث ربما لا يشكل سوى نوعا من اختبار الذات، وتأكيد القدرة على الانكماش نحو ذات لم تتعود الانطلاق نحو الآخر، فهي تتعامل مع الآخرين بحكم العادة وليس من الإيمان بضرورة وجوده كي يتحقق وجودنا، فهل هناك حقا أزمة؟!

سأزعم انني أنتقل من زمن للآخر فأرى أن تلك الأزمة جعلتنا على الأقل نرى أنفسنا، وأنها "أفق حدي" جعلنا نتسلح بأدوات تتلمس عتبة الخطر التي كنا نقف عندها ربما منذ الاستقلال، فأقبح ما نملكه رميناه خلال الحدث الحالي، بينما ربطتنا أشكال من الرؤية للوطن تختلف عن أي لحظة أخرى.

الأزمة أن كل يوم مر ترك آثارا عام على وجهي أو وجوه من اقتنعوا بأن ما يجري ليس أزمة بجدول زمني، بل جدلية لكي نبني علاقات جديدة.. علاقات تحمل معها احتمالات مختلفة، و علينا في النهاية أن نخوض تلك التجربة مهما كانت قناعاتنا.