بدأ الحدث السوي قبل عام برسم مساحة للشك، فالصورة التي ظهرت منذ الأيام الأولى سعت لكسر نمطية الصورة الخاصة بسورية ولو عبر عمليات التكثيف الإعلامي،
بدأ الحدث السوي قبل عام برسم مساحة للشك، فالصورة التي ظهرت منذ الأيام الأولى سعت لكسر نمطية الصورة الخاصة بسورية ولو عبر عمليات التكثيف الإعلامي، وربما علينا عدم المراهنة كثيرا على بعض المصطلحات مثل "الاحتجاجات العفوية" أو "الشعبية"، لأن الأمر اعقد بكثير من مجرد حدث رسم تداعيات متنقلة داخل المدن، فبعد عام لا بد من رسم الكثير من الملاحظات، وربما قراءة واقع تبلور تدريجيا مع كل يوم من الاضطراب.
عمليا فإن "مسرح الحدث" في سورية لم يكن يملك مواصفات يمكن مقاربتها بأي بلد عربي "ضربه" الربيع حسب تعبير البعض، فالمنظومة السورية المعقدة لا يمكنها تقبل سياريو سريع وجاهز، وفي نفس الوقت فإن النظرة الأولى للحدث كانت توحي بتحولات استراتيجية أكثر منها سياسية، فسقوط النظام في مصر لم يشكل أي عبء استراتيجي على المنطقة، بينما يبدو أن سورية سارت في منحى آخر، فملامح الاحتجاج كانت تحمل معها تحولا في البنية العامة، وفي ما يمكن أن نسميه "منظومة" الشرق الأوسط، ويمكن الإشارة هنا إلى نقطتين أوليتين ظهرتا سريعا:
الأولى – عمليات الانقلاب الإقليمي، فدون سابق إنذار وربما مقدمات سياسية تحولت دولتين من كبرى حلفاء سورية إلى موقع مختلف، وبغض النظر عن اللغة الدبلوماسية التي تحمل معها كلمات مثل "النصائح"، إلا أن المعارضة السورية تجمعت سريعا في تركية وقطر وذلك منذ الأيام الأولى للاحتجاج.
هل يمكن تفسير ما حدث بالموقف الأخلاقي تجاه الشعب السوري؟! هذه العبارة التي تتجاوز المنطق السياسي كسرتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عندما مزجت ما بين "الديمقراطية" والابتعاد عن إيران مقدمة تلك النصيحة إلى السلطة السياسية السورية، فالاحتماء بالموقف الأخلاقي كان أقرب إلى المنطق إلا أنه في نفس الوقت لم يكن قادرا على تبرير التحضير المسبق للحدث، أو التعامل معه بأسلوب يختلف جذريا عن الحذر الذي ميز تعامل نفس الدول مع "عواصف الربيع" في دول أخرى، فإذا كانت قطر سباقة في "التورط المباشر" بالحدث، فإن تركيا بما تملكه من "عراقة" داخل مؤسساتها السياسية كانت أكثر هدوءا في التعامل مع الملفين المصري والتونسي.
الثاني – تكوين المعارضة السورية التي بدت وكأنها مهيأة للحدث، وإذا ما تجاوزنا الحملات الإعلامية، فإن المؤتمرات السريعة التي عقدت في اسطنبول تحديدا كانت تحمل رسالة واحدة هي: "البديل السياسي" الجاهز والقادر على التوافق الإقليمي، وهذا البديل كان يتنقل ويحاول "تمثيل" المحتجين في وقت كانت "لعبة الدم" سيناريو أساسي داخل سورية.
بالتأكيد فإن الكثير من الاتهامات تصدر اليوم، وظهرت سابقا، في تحميل طرف دون آخر حالة التدهور أو انتقال مسار الحدث السوري باتجاه العنف المسلح، لكن هل "الحدث" بذاته كان بعيدا عن احتمالات العنف؟! هذا السؤال هو الذي يدفع مجددا لقراءة المسار عبر عام من أجل تحديد الصراع القادم الذي أوجدته الأزمة السورية بكل مفاصلها.