م. محمود عنبر
في عالم اليوم لايمكن لأي أمة أن تتمكن من اللحاق بركب التنمية دون مجتمع مدني فعال، وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الوسيلة الأنجع لتنظيم المجتمع بشرائحه المختلفة، ولهذا فإن ظاهرة إدراك بعض الجهات الخارجية لأهمية هذا التوجه، وقيامها بمحاولة إخضاع بعض منظمات المجتمع المدني لها من خلال دعمها بتمويل خارجي، لاتعني أن نأخذ موقفاً سلبياً من هذه المنظمات، بل على العكس علينا أن نضمن أن هذه المنظمات منيعة ضد عمليات الاستقطاب الخارجية.

مسودة قانون المنظمات غير الحكومية.

طرحت مسودة قانون المنظمات غير الحكومية للنقاش العام منذ بضعة أيام، والحقيقة التي لابد من الإشارة إليها هي أن هذه المسودة تشكل قفزة نوعية على القانون الحالي، ولو أنها طرحت في 14 آذار عام 2011 لما كان هناك من نقاش حول أهمية التغيير الذي ستحدثه هذه المسودة، حيث أنها تجيب على معظم المطالب التي كان يعاني منها المجتمع الأهلي، كما أنها تضع أسساً مقبولة لتنظيم النشاطات المجتمعية، أما بعد أحداث السنة ألأخيرة، فنعتقد أنه كان من الضروي إحداث تعديل في الرؤية المرتبطة بهذا القانون، فالمطلوب الآن هو تمكين المنظمات التي سيتم إنشاؤها وفقاً لهذا القانون من لعب دور مكافئ إن لم يكن بديل للتجمعات الافتراضية التي تنشأ والتي من الواضح أنها لن تكون مقيدة بالقيود التي وضعت ضمن مسودة القانون، مما يجعل من المواجهة غير متكافئة على الإطلاق. وسنبين فيما يلي مجموعة من النقاط المرتبطة ببعض بنود المسودة المذكورة، و التي نعتقد أن تطويرها يلعب دوراً في تمكين المنظمات غير الحكومية من لعب الدور المبين سابقاً.

المادة 27

"د- يُحظّر الجمع بين عضوية مجلس إدارة أي جمعية وبين العمل لدى الهيئة، ولا يسري هذا المنع على الجمعيات التي تقتصر العضوية فيها على العاملين في الهيئة

قوة أي قانون تكمن في عدم استنسابية تطبيقه، ومن الواضح وجود استثناء في الفقرة السابقة، فقد يكون مفهوماً أن يتم استثناء جمعية محددة، ولكن أن يشمل الاستثاء (جمعيات) ستنشأ لاحقاً، فهذا يضع الهيئة في موقف مريب قبل أن تباشر عملها، وبالتالي لن يكون ممكناً أن تدعي الحياد بعد أن تكون لها جمعياتها التي تحصل على تبرعات وتطلق مشاريع وغيره. وهنا يجب أن يكون لنا عبرة في أداء غرف الصناعة والتجارة في السنوات السابقة ومدى تأثير هذا النوع من تضارب المصالح.

المادة 30

أ- يتولى رئيس مجلس الإدارة الإشراف على إدارة العمل في الجمعية، وهو عاقد النفقة وآمر الصرف فيه
من المستغرب أن تركز مسودة القانون الجديد على مفاهيم الحوكمة ثم تضع نصاً قانونياً يتعارض مع أبسط مفاهيم الحوكمة، فالحوكمة وضعت لتمكين مجلس الإدارة ( وليس رئيس مجلس الإدارة) من الوصول بشفافية إلى المعلومات المطلوبة، وبالسرعة والدقة الملائمتين، ومثل النص السابق الذي يجعل من رئيس مجلس الإدراة هو نفسه مشرفاً إدارياً وآمراً للصرف وعاقد للنفقة يحيد فعلياً باقي أعضاء مجلس ألإدارة عن دورهم، حيث يفترض أن تكون هذه الصلاحيات من مسؤولية مدير عام ( أو مدير تنفيذي) مسؤول أمام مجلس الإدارة كاملاً.

المادة 34

أ- يحدد النظام الداخلي حالات وشروط وكيفية حل مجلس الإدارة من قبل الهيئة العامة، وآليّة تعيين مجلس إدارة جديد أو ترميمه

كما هو معلوم فإن النظام الداخلي في الجمعيات، وبشكل خاص في الجمعيات السورية تتأثر عملية وضعه بشكل كبير بما يريده مجلس الإدارة، وبالتالي فإن ترحيل شروط حل مجلس الإدارة من القانون إلى النظام الداخلي سيعني تمكيناً لمجالس الإدارة الحالية، وهو تغير في الاتجاه المعاكس لما هو مطلوب.

المادة 34

ج- يجوز لرئيس مجلس الإشراف إذا ثبت للضابطة العدلية في الهيئة ارتكاب مجلس الإدارة مخالفة أحكام الفقرتين ( أ و ب ) من المادة / 11 / من هذا القانون وقف عمل مجلس الإدارة وتكليف لجنة ثلاثية من أعضاء الجمعية أو من خارجها بشكل مؤقت لتسيير أمور الجمعية لحين صدور حكم قضائي أو انعقاد اجتماع استثنائي للهيئة العامة لإنتخاب مجلس إدارة بديل، أيهما أسبق

قد يكون مقبولاً أن يقوم ( مجلس الإشراف)، وليس رئيسه فقط باتخاذ قرار بوقف عمل مجلس الإدارة لأسباب معللة، ولكننا نعتقد أن تكليف لجنة من قبل رئيس مجلس الإشراف ( أو من قبل المجلس) بتسيير أمور الجمعية هو إجراء غير مقبول، ويعتبر تدخلاً في أعمال الجمعية، ويفضل أن يدعو المجلس إلى اجتماع هيئة عامة، وفي حال فشل الاجتماع عندها يمكن تعيين أعضاء المجلس ( وليس ثلاثة أعضاء) من قبل مجلس الإشراف، على أن يكونوا أعضاء في الجمعية ممن يحق لهم عضوية مجلس الإدارة.

المادة 51

د- لا يحق لأعضاء مجلس الأمناء تقاضي أي أجر أو تعويض لقاء عضويتهم في المجلس
تعتبر هذه الفقرة تشدداً في غير محله، فمجالس الأمناء أو الإدارة يفترض أن تحصل على تعويض لقاء اجتماعاتها التي تقوم بها، فالاجتماع هو ليست فترة تواجد العضو في الاجتماع ولكنه يحتاج لفترة سابقة لدراسة ما سيتم عرضه، او للاطلاع على التقارير، وبالتالي فإن عدم حصول عضو المجلس على أي تعويض هي دعوة للبعض للسيطرة على المجلس على حساب الآخرين.

المادة 53

ويقوم رئيس مجلس الأمناء بالإشراف على إدارة العمل في المؤسسة، وهو آمر الصرف وعاقد النفقة فيه.
طبعاً الملاحظة هنا مشابهة لتلك المتعلقة برئيس مجلس الإدارة في الجمعيات، فهنا أيضاً رئيس مجلس الأمناء يصبح مديراً تنفيذياً مما يفقد المؤسسة طابعها المؤسسي وتصبح مؤسسة الشخص الواحد. وهنا ربما يجب أن نبدي استغرابنا من أن نعتبر أن رئيس مجلس الإدارة أو رئيس مجلس ألأمناء هو مشرف إداري وآمر صرف وعاقد نفقة، ولايمكنه الحصول على أي تعويض لقاء كل هذه المهام!!

المادة 66

ب- لا يحق للنوادي تنظيم أنشطة رياضية تحت مسميات أو اعتماد مسميات تتعارض مع قانون الاتحاد الرياضي العام
لاندري لماذا يعتقد المشرع هنا أن النوادي ستكون رياضية فقط، فالنوادي يمكن أن تكون رياضية او ثقافية أو فنية أو فكرية أو غيرها، وبالتالي المادة السابقة هي لزوم ما لايلزم، فأي منظمة غير حكومية لن تخرق القوانين المعمل بها في أي بلد، وإن كانت تعمل في مجالات تتقاطع مع القوانين التي تنظم الرياضة فعليها الإلتزام بها دون هذه المادة التي تلمح إلى محدودية دور النوادي واقتصارها على البعد الرياضي.

المادة 71

لا يحق للتجمعات التعاضدية أن تفرض تصنيفات أو اعترافات بالكفاءة لأعضائها أو تعطيهم حقوق حصرية بمزاولة المهنة أو غير ذلك من الحقوق الحصرية فيما يتعارض مع قوانين النقابات والتعاونيات والاتحادات والغرف كافة
من المستغرب أن تمنع التجمعات التعاضدية من وضع تصنيفات لأعضائها أو منحهم اعتراف بالكفاءة ( اعتمادية)، فهذه المهمة هي في صلب مهمات التجمعات التعاضدية، ولكن مدى أهمية هذا النوع من الاعتراف أو التصنيف سيرتبط بقدرة هذه الجهة وموضوعبة ودقة تصنيفاتها، ولن تكون محمية بغطاء قانوين مثل حال النقابات والتعاونيات والاتحادات.

المادة 92

ج- تسري تعرفة الاشتراكات المنزلية على اشتراكاتها في الكهرباء والمياه مع تعديل تعرفة آخر شريحة إلى النصف
أيضاً لانعلم ما هو مبرر أن يتم دعم المنظمات غير الحكومية في مجال استهلاك المياه والكهرباء طالما انه هناك آليات لدعم هذه المؤسسات، مع الإشارة غلى إمكانية التداخل بين نشاطات المنظمات غير الحكومية وفعاليات مشاريعها الربحية.
المادة 93 - الإعفاءات

‌د- الإعفاء من رسوم تسجيل مركباتها وآلياتها لدى دوائر النقل المختصة

‌ط- رسوم الإنفاق الاستهلاكي وأية رسوم أو ضرائب عن القيمة المضافة عن خدماتها ومنتجاتها ونشاطاته
أيضاً من المستغرب استمرار الدعم غير المباشر لهذه المنظمات، بطريقة قد تؤدي لتأسيس منظمات وهمية هدفها الاستفادة من أنواع الدعم المختلفة ( شركات التأجير السياحي السابقة كمثال)، أو استقطاب بعض المنتفعين لمؤسسات قائمة للهدف نفسه.
إضافة إلى أن هذا النوع من الدعم قد يكون متعارضاً مع مفاهيم التنافسية بين المشاريع الربحية.

المادة 93

ص – يحسم 50% من الضرائب المترتبة على مشاريع المنظمات غير الحكومية الإستثمارية. وعلى أن تحول 50% من الضرائب المستحقة للدولة عن هذه المشاريع إلى صندوق دعم المنظمات غير الحكومية
أيضاً هنا يبدو أن مثل هذه الإعفاءات ستؤدي لإضعاف القدرة التنافسية للمؤسسات والشركات الربحية، وهذا الأمر لايساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.

المادة 99

يجوز للجهة العامة إبرام عقود تشاركية مع المنظمات غير الحكومية مقابل بدل يُتفق عليه أو تقاسم الإيرادات، أو تغطية تكاليف الإدارة بمقابل أو بدون مقابل، وتحدد هذه العقود حقوق وواجبات كل من الطرفين

المادة 101

أ- تضع الهيئة بالتشارك مع الجهات المعنية نماذج لعقود التشاركية والمبادئ والقواعد التي تحكمها وأسس الإشراف على حسن تنفيذه

نعتقد أن هذا البند شديد الخطورة، فهو أولاً في غير محله، كونه يتعلق بطرق عمل الجهات العامة، ومن غير المنطقي تحديد ما يجوز وما لايجوز للجهات العامة في قانون المنظمات غير الحكومية، ومن ناحية أخرى فهناك مسودة لقانون الشراكة يفترض أن تعالج هذا الموضوع، ومن أهم ما ستعالجه شفافية عمليات التشاركية، وهي نفاط تغفلها الفقرة المذكورة. بل تذهب إلى أبعد من ذلك حين تكلق الهيئة وضع نماذج عقود الشراكة وألأسس التي تحكمها.

المادة 107

ب- تصدر الهيئة موافقتها أو رفضها المعلل على طلب الشراكة خلال فترة لا تزيد عن ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع الطلب في ديوانها ولا يعتبر عدم صدور الرفض عن الهيئة بعد مضي المدة المذكورة موافقة ضمنية على الطلب.
تساهم المادة السابقة في زيادة غموض الموضوع، فمن غير المنطقي وضع مدة زمنية لمعالجة الطلب، ثم تتنصل الهيئة مما قد يحصل، وربما تترتب عليه التزامات تعاقدية ومالية، لذلك نعتقد أن هذا البند ( الشراكة) مقحم دون مبرر في المكان الخاطئ.
المادة 113
مما تم منعه:

ه- تدخل كمنظمة في العمليات الانتخابية للترويج أو لمعارضة أية أحزاب أو مرشحين للمناصب العامة أو الحزبية

لاندري سبب منع أي منظمة غير حكومية من إبداء موقف محدد ( إن صدر عن هيئتها العامة بقرار)، خاصة وأن التجمعات الإفتراضية ستدلي بدلوها شئنا أم أبينا، فلماذا لاتلعب المنظمات غير الحكومية دوراً إيجابياً في هذا المجال طالما أنها لم تخرق قانون الانتخابات من حيث حجم التمويل لمرشح محدد. إذ علينا توقع ان تكون برامج المرشحين مع أو ضد بعض توجهات الجمعيات، ويفترض أن تأخذ مواقفها

تقوم كل وزارة أو جهة عامة صاحبة اختصاص بالاشراف التقني على عمل المنظمات غير الحكومية التي تمارس أنشطة ضمن مجال اختصاصها وتبلغ الهيئة عن كل مخالفة تقوم بها المنظمات المذكورة للقوانين والأنظمة الناظمة لعمله
نعتقد أنه لايجب أن يتم تحديد أداء الجهاز الحكومي في قانون خاص للمنظمات غير الحكومية، فهذا التكليف يعني تحميلاً للمسؤولية وعبئ على الخزينة قد لايكون مجدياً.

ختاماً لابد من الإشارة إلى أن الملاحظات السابقة لاتنتقص من الخطوات الواسعة التي خطتها مسودة القانون، ولكن هذه الخطوات لاترقى في الشكل الحالي إلى مستوى التحديات، ومن هنا نضع ملاحظاتنا التي يمكن أن تساهم في إنتاج مسودة قانون قادر على تفعيل المجتمع المدني السوري في مواجهة مؤسسات عابرة للحدود لم يعد من الممكن إيقافها أو الحد من تدخلاتها دون تفعيل المجتمع المدني السوري ومده بالوسائل المناسبة لذلك.