قبل عام كانت مساحة من الشك تجتاح دمشق، وكانت الجمعة الحزينة صوت لا يكاد يصل الآذان، لكنه انطلق فجأة وأراد الإيحاء بأن عيد الفصح سيسبقه حدث مختلف، وبالفعل استطاع البعد جعل الجمعة "حزينة" بكل المقاييس، واستطاع "الحدث السوري" أن يغير من إيقاع الأحياء لأسبوع من الأعياد.

كان هناك أكثر من قلق... كانت الساحات التي تمتلؤ بجمهور يعيد رسم رموز الخصب والحياة خالية، أو ربما أُخليت لجمهور آخر حاول اقتحام تفاصيل الحياة وقام بـ"غزو" المساحات الخاصة للعيد الذي لوح بالأفق وغاب، ورغم وعود "الغزو" هذا العام لكن هذا الفعل حدث قبل عام وليس بالأمس.

الجمعة الحزينة أشرقت من جديد، وحملت معها الرموز التي تآلفنا معها، وظهرت الساحات بانتظار "الغزو" الموعود، لكن "غزوة سورية" ربما تكون أكبر من تسمية يطلقها البعض على صفحات التواصل، فمن يجهزون "غازيا" يقومون بالتسرب دون حاجة لحملات التسليح التي تكتسب صورة مختلفة، و "الغازي" اليوم يمتطي بعقلية القبيلة أجهزة اتصال تنشر الشعر الجاهلي، وربما أكثر من ذلك لأننا "نظلم الجاهلية" بأسقاطاتنا المعاصرة، لأن ما قدمه البعض من تفاصيل في الحدث السوري لا يوجد أي صورة له في زمن الجاهلية.

تشرق الجمعة الحزينة وتنطلق بنا نحو الفضاء الذي يعرفنا وربما يفرح بنا، ويبقى القلق حاضرا لكنه لا يوقفنا عن مسيرة الشمع التي نرفعها في لحظة تحمل رمزية الاستمرار، والقدرة على العطاء، وتشرق الجمعة أيضا بالرغبة في الحياة وسط مساحات مهشمة وعطش لخصب مختلف، ولعشق أيضا يذكرنا بأن القسوة التي شهدناها قبل عام لم تكن سوى "شح" في الحب الذي لا يحتاج لـ"دراجات" كي ينتقل من الريف إلى المدينة أو بالعكس.

تشرق الجمعة العظيمة مثقلة بذكريات لم نعد قادرين على الاتفكاك منها، ولكنها أيضا تجعل الحنين إيقاعا مختلفا عن أي وقت مضى، فالإبداع هنا هو سلسلة الحياة فقط... الإبداع في الصوت والصورة التي تصل كل عام بانطباع مختلف، وربما في شكل الشوارع التي تبدو مذهولة بقوة الحياة... بحجم الوفاء لـ"الخلاص" الذي انهى رمزيته وأصبح تفاصيل في حياتنا اليومية.

المسيح قام لأن مسيرة الخصب لا يمكن ان يوقفها "الغزو" ولا "الغزاة".. والمسيح قام من صلب المدينة ومن بيت لحم إلى القدس، وهو يحمل معه تفاصيل أريحا ودمشق وحلب وحيفا، فالمدن التي ترتمي على جسده هي نفسها ترتمي اليوم على أجسادنا.