وضع مجلس الأمن "الالتزامات" داخل الأزمة السورية، بينما أبلغت دمشق أنها بدأت بتنفيذ بنود خطة كوفي عنان، المبعوث الأممي الى سورية، وبقيت حدة التوتر مستمرة رغم "الآلية السياسية" التي تظهر وكأنها لا تملك إلا شرطا واحدا هو قدرة السلطة السورية على تخفيف "مساحة العنف" المنتشرة، فـ"عنان" تباحث مع كل الأطراف القريبة من دمشق، بينما بقي المعسكر الآخر في الرياض والدوحة وأنقرة بعيدا عن محور الاتفاق الذي تمت بلورته بإرادة دولية وفق التصريحات على الأقل.

عمليا فإن مأزق مهمة كوفي عنان تبدو في الرهانات المختلفة التي ظهرت منذ لحظة ظهوره في دمشق، فموسكو بالتأكيد لا تبحث فقط عن حل للأزمة السورية فقط، والجهد الدبلوماسي المبذول من قبلها لا يقنع بأنه يتوقف عند طاولة الحوار التي تسعى إلى عقدها بين الأطراف، فالرهان الروسي هو على شرط إقليمي كامل يستطيع تأسيس قاعدة لحليف متجدد في المنطقة، وهذا الأمر جوهري بالنسبة لموسكو لأنه يغير من قواعد اللعبة الدولية، فهي تقوم بهذا الأمر لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الرهان على مهمة عنان مختلفة تماما، فهي بالتأكيد أخفقت في تحقيق السيناريو الأساسي لكن هذا الأمر لا يعني أنها غير قادرة على الاستمرار في التأثير وحتى في إدارة الصراع، وحتى اللحظة لم يصدر عن واشنطن ما يوحي باستراتيجية مختلفة عن "إسقاط النظام"، ويبدو أن الرهان الأساسي هو الحفاظ على سقف للأزمة السورية وإدخال عوامل جديدة لها، حيث لا يعني عدم القدرة على خلق اختراق عجز مطلق بالنسبة للإدارة الأمريكية.

في المشهد الإقليمي اليوم إصرار قطري وسعودي على مسألة "الدعم المسلح" للمعارضة، بينما ترفض واشنطن هذا الأمر، ولا يمكن فهم هذا التناقض في ظل العلاقات الأمريكية – الخليجية عموما إلا من زاوية إبقاء ضغط دائم يربك أي حل سياسي، وهو ما يجعل مهمة كوفي عنان تدور في فلك طرف واحد، بينما يتم تحييد الدول الإقليمية التي طورت الحدث السوري، وتعاملت معه على أنه حرب مكشوفة.

السؤال الأساسي اليوم هو عن قدرة كوفي عنان على توفيق بين الإرادات المختلفة، في وقت يبدو فيه الجانب الأمريكي معني بانتخابات رئاسية ستغير من "وجهات النظر" فيما لو فاز مرشح جمهوري بالرئاسة، فواشنطن لن تستخدم حتى نهاية العام أوراقا إضافية يمكن أن تصبح عيئا على البرنامج الانتخابي للرئيس باراك أوباما، ومهمة كوفي عنان ستبقى عند مستوى محدد من الأزمة وهو ما يجعلها "مهمة خلق شروطا" جديدة للأزمة أكثر من كونها حلا لها.