أبدى ما يسمى "الجيش السوري الحر" التزامه بوقف إطلاق النار، لكن مثل هذا التصريح لا يعني شيئا على الصعيد الميداني، فـ"التمرد المسلح" نادرا ما يكون قادرا على "القيام بذاته"، وخياراته السياسية مرتبطة بشكل عام بنوعية "الاضطراب" الذي أوجده وبالتوازن الذي يمكن أن ينهي أعماله، وعندما يُبدي بعض أطراف التمرد المسلح في سورية "إلتزاما سياسيا" فهذا يعني أن البيئة التي تحتويه هي التي دفعنه نحو هذا الموضوع، ولكن السؤال هل ظهر توازن يفرض تحول التمرد إلى حراك سياسي فعال؟

في تطورات الساعات الأخيرة ظهرت تصريحات من "رياض الأسعد" و "رياض سعد الدين" حول التزام "فصائلهم" بوقف إطلاق النار، لكن الخارجية السورية طلبت ضمانات خطية رفض الأسعد القبول بها، ورغم ان الخارجية السورية لم تحدد الجهة التي تريد منها الضمانات، لكن الأمر صب باتجاه "الجيش السوري الحر"، فسارع "الأسعد" إلى رفض الطلب، رغم أن رفضه لا يشكل الكثير بالنسبة لـ"دمشق" التي كانت تنظر إلى التزامات إقليمية بشأن "وقف إطلاق النار"، فطلب الضمانات هو اختبار سياسي إقليمي يتم فيه سبر عمق الدول التي تدعم التمرد المسلح او تقدم له خدمات لوجستية.

الاختبار أعطى مؤشرات فقط، فدفع "طرفا مسلحا واحدا" لتأكيد التزامه من جديد، لكن المسألة بالنسبة لدمشق أكبر من مسألة تصريحات لعناصر في التمرد، لأنها وفق السياق العام لتعاملها مع مبادرة كوفي عنان، المبعوث الأممي إلى سورية، تنظر إلى ثلاث أمور أساسية:

الأول – نوعية ردود الفعل من ثلاث دول أساسية هي تركيا وقطر والسعودية، والتركيز بالنسبة لسورية على تركيا كونها دولة ينطلق منها التمرد ويستخدمها كحديقية خلفية لنشاطاته، لكن أنقرة أبدت تشددا وركزت على التزامات الحكومة السورية متجاهلة تماما دورها في إيواء المسلحين، وهذا يعني في أحسن الأحول إبقائهم كورقة ضغط يمكن استخدامها في حال البدء بالحل السياسي، أما السعودية وقطر فهم مصدر التمويل الأول وهما أساسا رفضا استقبال كوفي عنان.

الثاني – الموضوع الثاني الذي يشغل دمشق هو نوعية الخطوة الثانية التي تعني التحكم بالأزمة، فمسألة الضمانات تعني عدم العودة إلى حمل السلاح، وبالتالي التحول حتى بالحملات الإعلامية عن هذا الموضوع، فالتحكم بالأزمة يقتضي على الأقل التزامات بفتح المساحة السياسية بدلا من "التعبئة" التي تقوم بها معظم الفضائيات، ومن هنا فإن أي طرف معارض في الخارج لا يمكنه ضمان مثل هذا الموضوع ولا تقرير نوعية "التحكم بالأزمة" طالما أنها تدار إقليميا.

الثالث – تبحث سورية أيضا عن توازن سياسي يكفل الانتقال من الاضطراب باتجاه عملية سياسية، والضمانات المطلوبة تؤمن على الأقل موقفا بتحييد العامل الإقليمي من موضوع الاضطراب، دون الممانعة من كونه مساعدا في العملية السياسية، لكن الأطراف الإقليمية لا تبدو متحمسة في هذه اللحظة للتعامل مع دور جديد لها، بل تسعى لتحسين شروط دورها القادم.

في النهاية فإن "وقف إطلاق النار" ليس عملية سياسية بذاته بل هو إجراء ضمن عملية متكاملة من المفترض أن تكون إقليمية، حيث من المفترض تحول "العلاقات الإقليمية" من أجل حل الأزمة، بينما يأتي التأكيد فقط على "وقف إطلاق النار" كنوع من التعامل مع العنف كشرط للضغط من أجل تحقيق حل سياسي يرضي طرفا على حساب طرف.