من موسكو إلى بكين وطهران ونيويورك، وصولا إلى ما "مخيمات اللاجئين" في لواء اسكندرون، بدت الأزمة السورية ضمن استعراض سياسي لم ينقل سوى التباين في الرؤية الدولية تجاه مهمة المبعوث الأممي إلى سورية كوفي عنان، المؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية الروسي والسوري أعادت تثبيت المواقف لكلا البلدين، بينما قطع وزير الخارجية التركي زيارته إلى بكين، نتيجة الوضع حدود بلده مع سورية، حيث برزت خلال المباحثات تباين في المواقف بين تركيا والصين.

دفع روسي لعنان

الموقف الروسي سجل دعما متزايدا لمهمة كوفي عنان وذلك عبر تجديد الاتصالات مع كافة أطراف المعارضة، واكد غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي أمس ان روسيا مستعدة للمفاوضات مع كافة ممثلي المعارضة السورية، سواء الداخلية او الخارجية، أن موسكو على اتصال بالمعارضة السورية في الخارج، إلا ان لقاءات مع ممثليها في موسكو لم تعقد، لكنه جدد الدعوة لهم لمباشرة الاتصالات السياسية.

واعتبر غاتيلوف أن المشكلة الآن تتمثل في المعارضة بالذات فهي مشتتة وغير موحدة، و "من الصعب التحديد من الذي يجب اجراء الحوار معه"، وبين في نفس الوقت أن الملاحظات بشأن ان الحكومة السورية بدأت باجراء الاصلاحات تحت الضغط وتأخرت بالشروع فيها، هي ملاحظات صائبة، لكنه أكد أيضا أن "الجزء الأكيد من الشعب السوري" لا يزال يؤيد الرئيس بشار الاسد"، مضيفا انه لا يجوز الحديث عن "عزلة الاسد عن شعبه".

لافروف والمعلم
على المعارضة الالتزام بالخطة

وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عقد مؤتمرا صحفيا أمس مع نظيره السوري وليد المعلم، بعد مباحثات بشأن سير مهمة كوفي عنان والحوار الذي يمكن أن تمهد روسيا إليه، وبين أن موسكو منذ بداية الأزمة في سورية دعت إلى وقف العنف وترك مسألة تقرير المصير للسوريين أنفسهم، ولفت لافروف إلى ان الجانب الروسي خلال المحادثات شرح تقييمه بأن تصرفات السوريين كان يمكن لها أن تكون أكثر نشاطا وحزما حيال تنفيذ المسائل المتعلقة بالخطة، مشددا في الوقت ذاته أن موسكو لا يمكن أن تتجاهل واقع أن اقتراح عنان لم يحظ بموافقة أكثرية المجموعات المعارضة ومن بينها المجلس الوطني، موضحا إن شركاء المجلس الوطني السوري على الساحة الدولية وقبل أن يبدأ عنان بوضع خطته حكموا عليها بالفشل، داعيا المعارضين والدول التي تؤثر على المعارضة، وخاصة المسلحة منها، أن تستخدم هذا التأثير لوقف اطلاق النار على الفور، كما تنص عليه خطة عنان.

أما وزير الخارجية السوري فأوضح أن دمشق سحبت بعض وحدات الجيش من بعض المحافظات، وسمحت لأكثر من 28 وسيلة اعلامية بالدخول الى سورية منذ 25 آذار، واستقبلت ايضا رئيس منظمة الصليب الأحمر الدولي وتم التفاهم بشأن ايصال المساعدات إلى المحتاجين بالتعاون مع الهلال الاحمر السوري، كما تم الافراج عن عدد من المعتقلين بعد اعمال شغب قاموا بها. واضاف أنه رغم هذه الخطوات الايجابية إلا أن المجموعات الارهابية المسلحة تصاعد عملياتها وتزيد انتشارها في محافظات اخرى.

وشدد المعلم على أن من مصلحة الحكومة السورية التوصل الى وقف مستدام للعنف من اي طرف كان وبكافة اشكاله، مؤكدا على أن دمشق، واشار الى ان وفدا فنيا أمميا جاء الى دمشق واجرى مباحثات مكثفة وصولا الى بروتوكول ينظم عمل بعثة المراقبين الدوليين، على اساس ان يكون لسورية رأي في اختيار الدول التي سيأتي منها المراقبون وان يعملوا في اطار احترام السيادة الوطنية.

وأكد المعلم ان دمشق لم تطالب عنان بأن يوافيها بضمانات مكتوبة من قبل الجماعات الارهابية، ولا من قبل من يدعم هذه الجماعات من الاطراف الاقليمية، بل طلبت رسالة تتضمن نتائح اتصاله مع الجماعات المسلحة والدول الداعمة لها، كما أكد أن تركيا جزء من المشكلة، وأنها لا تستضيف لاجئين بل مسلحين وتقيم لهم معسكرات تدريب، وتسمح لهم بخرق الحدود وتهريب السلاح من اراضيها.. "وهذا يتعارض مع مهمة عنان".

واشنطن ولندن تصعدان

أما على المحور الآخر فأعلنت سوزان رايس، المندوبة الامريكية الدائمة لدى الامم المتحدة، ان اعضاء مجلس الأمن اعربوا عن قلقهم العميق من مدى التزام الحكومة السورية بوقف اطلاق النار، وقالت أمس للصحفيين بعد جلسة مغلقة للمجلس، أن مواجهة "لحظة حقيقة" ربما تظهر قريبا، عندها سيتعين البحث في زيادة الضغط على الحكومة السورية التي "لم تظهر اي أدلة على التزامها بسحب القوات المسلحة من المدن" حسب ادعائها.

وتأتي تصريحات رايس متزامنة مع ما قاله مدير المكتب الصحفي في البيت الابيض بواشنطن، جاي كارني، الذي اعتبر ان السلطات السورية لم تنفذ التزاماتها، واوضح ان الولايات المتحدة تنتظر تقييمات الوضع في سورية التي يجب ان يسلمها اليوم كوفي عنان لمجلس الامن الدولي و"بعد ذلك سنستمر بالعمل مع شركائنا حول الخطوات اللاحقة ازاء دمشق".
وكان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أوضح أمس ان بريطانيا على استعداد للتوجه الى مجلس الامن الدولي، في حال فشلت جهود المبعوث الدولي كوفي عنان لتسوية الوضع في سورية، وبين أن بريطانيا "تواصل دعم جهود كوفي عنان لتطبيق الخطة التي وضعها"، مؤكدا استعداد بريطانيا لزيادة دعم المعارضة السورية، وان بلاده ستسعى الى نقل الملف السوري الى المحكمة الجنائية الدولية.

من جانبه اعتبر عنان أن مهمته لم تفشل بعد، ولا بد من انتظار النتائج قبل الحكم عليها، وأوضح خلال زيارته لمخيمات اللاجئين في تركيا أمس قبل توجهه إلى طهران انه من السابق لاوانه الحديث عن فشل خطته للتسوية وان الوقت لا يزال متوفرا لكي يتم وقف العنف في سورية، كما أكد في رسالة إلى مجلس الأمن ان الفرصة لا تزال سانحة امام الحكومة والمعارضة لوقف القتال مع حلول يوم الخميس القادم. ونوه بانه "من الاهمية بمكان ان تظهر في غضون الـ 48 ساعة المقبلة دلائل ملموسة لتغيير فوري وغير مشكوك فيه فيما يخص نشر القوات المسلحة الحكومية في كافة ربوع البلاد".