اكثر الدعوات رمادية تلك التي تقف في نصف الطريق، متمترسة في "الجغرافية التي تحوي إشارات استفهام تائهة لا يسعى أحد للتفكير بها، فمن منا لا يحلم بوقف القتل! ومن يطرح هذه الشعارات ليسوا فلاسفة كما حصل في الستينات، لكنها ربما تنطلق من "مجموعات الشباب" الذين كانوا منذ البداية في الأزمة السورية يحملون آمالهم ويضعونها في منتصف الأزمة.
إيقاف القتل لا يحتاج ليافطات مرفوعة، أو حملات على الفيس بوك، فالقتل الموجود في سورية هو ما يطفو على سطح علاقات مجهولة داخل مجتمع مدفوع نحو السياسة، فوقف القتل هو عمل سياسي بامتياز، ومعقد أكثر من كلمتين تحملان معهما صراعا مريرا مختلط ما بين سورية ومحيطها.

عندما نرفع "أقفوا القتل" فعلينا عدم الاكتفاء بما يسميه البعض جرأة التحرك، أو الاعتراض بشكل قاطع على الحدث السوري، فهناك "بيئة قتل" لم يحاول أحد أن يتعامل معها، فظهرت أحزاب وانطلق مسلحون في مناطق مختلفة، واعتقل الكثيرون وأفرج عنهم أو بقوا قيد الاحتجاز، وظهرت مبادرات واتجه املف السوري نحو مجلس الأمن، وفي نهاية يأتي شعار "أوقفوا القتل" وكأنه يخرج من طرف أو آخر...

الدعوات التي تحمل معها ملامح البراءة لا تعفي أصحابها من التفكير بأن العوامل التي ترعاها بيئة القتل؛ تحتاج لفعل يخترق البيئة وهي مهمة لا تقتصر على من رفع هذا الشعار، بل من كل الأطراف التي مهتمة بعودة السلام... للتذكير فقط فإن بداية الحرب الأهلية اللبنانية شهدت تحركا مماثلا، فقام الشباب بتوزيع الورود ما بين طرفي بيروت... وبعد أشهر كان بعض من وزع الورود منخرطين بالحرب.

من يريد وقف القتل ربما عليه الانتقال نحو موقع جديد، لأن الشعار يحمل معه نفس المساحات المفتوحة لما تم إطلاقه في البداية، فالحرية وصلت باتجاه تدويل الأزمة والسلمية انتهت بالحديث عن "وقف إطلاق النار"... والأمر لا يتعلق بمن هو مسؤول لأن المعارضة التي تتهم السلطات بهذا الأمر يمكن رد التهمة باتجاهها بتبريرات مقنعة جدا أيضا، فكل الآطراف مسؤول عن الموضوع وهو أيضا يملك الأدوات للخروج.

وقف القتل ليس شعارا بل هو كلمات تضيع في المساحة الرمادية لأنها تقفز على "بيئة القتل"، ثم تعود في النهاية للعودة إلى هذه البيئة.