البعض منتشرين في أنحاء العالم من أجل الاحتفال بالجلاء، وهي صورة طالما لازمت سورية لكنها أصبحت أكثر نفورا خلال عام كامل، فالمسألة ليست "واقعا احتفاليا" لأنها تدخل في إطار خلق العصبية باتجاه دولة ظهرت منذ أكثر من نصف قرن، فالاتجاه السابق كان يحمل معه تأكيدا على السيادة، وهو اليوم يحمل معه انتشارا نحو قيم رمادية.

مشكلة الجلاء أنه ظهر كقفزة سريعة باتجاه "المواجهة السياسية"، فهل تبدل الأمر كثيرا منذ عام؟ هذا السؤال ينطلق من مجموعة اعتبارات مرتبطة "بدفع" المجتمع نحو الاشتباك السياسي مع القيم التي يمكن أن تتبناها "الدولة" تجاه "المواطنة"، فهذا الاشتباك الذي حدث قبل عام بالتأكيد لا يذكرنا بعمليات الاستقلال بقدر ما يحملنا على التفكير بمجموعة العلاقات التي ظهرت خلال عام وربما وضعها في مقاربة مع عقود كانت بالفعل بحثا عن "هوية الجمهورية" التي ظهرت مباشرة بعد الاستقلال.

البعض يرفع اليوم "علما" مختلفا البعض يقول إنه "علم الاستقلال" رغم أنه وضع في زمن الاستقلال، والمهم هنا ليس الروايات أو المواجهات بشأن "مرجعية العلم" بل في القدرة على احتكار الشرعية وتبديل الرمز العام للجمهورية، في المقابل فإن تبديل العلم في تاريخ سورية كان فيه "علاقات" مختلفة تماما عن السابق، فالعلم السوري لم يتغير إلا في مراحل الوحدة والانفصال، وربما ظهور "اتحاد الجمهوريات العربية".

رفع علم مختلف هو مثال عن الابتعاد باتجاه تفاصيل دون إيجاد قاعدة يمكن الاستناد إليها، فالجلاء يحمل في النهاية "رموز سيادية" هي اليوم تخض لاستبدال بالبرامج التي تبقى أكثر من ضرورية لكنها لن تكون رموزا، فابتداء من "العلم الوطني" ومرورا بالارتكاز على مؤسسات وطنية وانتهاء بالبقاء على مساحة الوطن سواء بالحوار أو الاتفاق أو الاختلاف، هي أمور اليوم مطروحة للبحث على حساب "مجد إعلامي" يسجله البعض من الفضائيات.

"الجلاء" لم يشكل ثورة سيادة لكنه أتاح الفرصة لها، وما يحدث اليوم ربما يشكل "ثورة" هيمنة، يلعب بها بعض السياسيين باستخفاف لكنها في النهاية يمكن أن تحدد مستقبل أي سوري، فالموضوع ليس دعوة الناتو فقط للتدخل، بل أيضا في طريقة التعبير التي لا تنظر إلى "المخاطر" بل تحصر نفسها بزاوية واحدة فقط متعلقة بـ"السلطة السياسية"....