البعض لا يملك إلا الدعوة للتظاهر والاعتصام، وآخرون بضلون كل الأشكال الكلاسيكية للحديث عن الجلاء، فعلى امتداد 66 عاما حفظت أجيالا كاملة الأغاني الوطنية، بينما يجهل البعض ممن ينتمون لزمن "الاضطراب" ما يعنيه هذا التاريخ، وهم تعفوا عليه قبل عام كيوم لـ"التشييع" أو لإطلاق الشعارات التي استمرت حتى اللحظة.

في الجلاء هناك ذاكرة مثقوبة تتسرب منها الأحداث لتعيد رسم الصورة السورية، وفيه أيضا "أنماطا" جاهزة يمكن استخدامها، فهي يحمل معه آليات تعيد "الرواية" لكننا منذ عام بدأنا نعيد التفكير بهذا اليوم ولكن كل حسب قياسه، فهل يمكن أن نصف الجلاء بيوم جامع ولكن على "رؤى" مختلفة؟!

أسئلة فتحها الجلاء منذ البداية وأغلقناها لأن سورية دخلت المعادلة الإقليمية من بوابة الأزمات، فأصبح الجلاء صورة نحتفظ بها في الذاكرة، والبعض فضل بعد عقود طويلة أن يثقبها بأشرطة ملونه وبشعارات تحمل معها صورا باهتة، متجاوزا الزمن وربما محاولا جعل ثقب الزاوية بحجم العنتريات التي يتحلى به أصحاب الاضطراب.

ففي الجلاء من المقبول أن يظهر التحرك الشعبي بشكل طبيعي، وأن يتحرر من "قوالب الشعارات المسبقة"، ومن الطبيعي أيضا أن يتحرك على مساحة من المحبة وأن يدفع نحو "الرؤية" التي تكرس السيادة، بدلا من الاحتجاج في شوارع باريس، أو الاجتماع مع "مدراء" خارجية دول تلتقي في باريس أيضا من أجل سورية.

عندما تم ثقب الذاكرة أصبح عدد الأبطال بتفوق على رمل الصحراء، وصار من الممكن كتابة تاريخ الجلاء من "وزارات" مبعثرة من الشرق للغرب، ومن واشنطن إلى الدوحة، وصار من الممكن أن يتحرك الأمين العام للجامعة العربية على سطح أصبح واحد لأمير تفوح منها رائحة العطور الباريسية لكن لسانه يتلعثم لأن مخارج الحروف معلقة على طرف خيمة في الصحراء.

الاستقلال رمز سيادة لمواطن ووطن... رمز لدولة قادرة على البقاء رغم أن رياح الأزمات تملك "ممرات إجبارية" في سمائها، والجلاء في المقابل تكريس لهذا الاستقلال الذي انتهك من نفس العواصم التي تجتمع اليوم لتحتوي وجوها لم يألفها السوريون أبدا.

سورية لك السلام.... والمجد لسورية