حادثتين أساسيتين يمكنهما الإضاءة على نوعية الصراع على سورية، الأول مرتبط بمحاولة التسلل البحري، والثانية إيقاف باخرة من قبل السلطات اللبنانية محملة بالأسلحة والذخائر، ومعظم المعلومات تؤكد انها كانت مخصصة لدعم "التمرد المسلح" في سورية، وفي الحادثتين مؤشرات على أن خطة كوفي عنان لم تعد كافية لخلق تهدئة وتهيئة مناخ للحوار، فالمواقف الدولية لا تعني أن هناك إرادة للتعامل بشكل مختلف مع نوعية الصراع القائم.

والتطورات خلال اليومين الماضيين دفعت موسكو للحديث من جديد عن ضرورة "التصدي للإرهاب"، والواضح أن رسم الحدود الدولية في الشرق الأوسط مازال مفتوحا، وبالتالي فإمكانية تحرك الصراع نحو حرب إقليمية متوفرة، لكنها في نفس الوقت مازالت تحتاج إلى ظرف مختلف، وربما بسبب الظروف الأمريكية والسنة الانتخابية التي تحد نوعا ما من التحرك القوي، لكن هناك مؤشرين أساسيين في التطورات الأخيرة:

الأول طبيعة الصراع "النوعية"، فحتى اللحظة هنا رهان كامل على خريطة الشرق الأوسط، فالبحث هو عن المكسب الكبير وليس على اقتسام المصالح، وهو ما يفسر تورط كافة دول الشرق الأوسط بالصراع.

الثاني أن سورية هي جغرافية كسر التحولات الدراماتيكية على الأقل على المستوى الذي ظهر منذ احتلال العراق، فالموضوع ليس في "الربيع العربي" حتى ولو كانت حركته تدخل ضمن تداعيات ما جرى خلال عقد كامل.

عندما انتقل الصراع إلى سورية في شهر آذار من العام الماضي، تحولت مسألة "الربيع العربي" إلى بحث عن خارطة مختلفة قادرة على "التعويض" او ربما خلق ظروف يمكنها أن ترسم "الشرق الأوسط" خارج "المسار المغلق" الذي ظهر مع انهيار عملية السلام وتطور الأدوار الإقليمية دون حدود، فالحدث السوري الذي ظهر إعلاميا كصراع داخلي لم يكن يحمل في مكوناته نفس العوامل التي كانت موجودة في مصر او تونس أو ليبيا، فالعنوان العريض ربما يكون مشتركا، لكن في سورية هناك جغرافية – سياسية مختلفة سواء على مستوى "النظام السياسي" أو التركيب الاجتماعي او حتى الموقع الجيوستراتيجي، وربما لم يكن مطلوبا من المحتجين النظر فهذا الموضوع بشكل عميق، إلا ان القيادات السياسية المعارضة التي ظهرت بشكل كثيف منذ بداية الحدث، دفعت الامور نحو مزيد من التأزم وربما التصادم مع "الشرط السوري" إن صح التعبير.

اليوم تتضح حدود التعامل الدولي، ففي سورية لن تحسم معركة الحرية أو الديمقراطية، بل تحت هذين العناونيين سيتم حسم مظهر النظام العالمي للعقدين القادمين، فالمواجهة الدولية تتجاوز التفاصيل الذي تطرحها المعارضة في الخارج على وجه الخصوص، لتصبح معركة مفتوحة تحمل معها "حرب ظلال" تدخل فيها الدول الإقليمية بشكل مباشر او حتى من خلال "حروب المخابرات" والصراعات السرية.

الموافقة على خطة كوفي عنان والإبقاء على "التسليح" و "احتضان المسلحين" يعني في النهاية أن التوافق الدولي هو مجرد كسب وقت لجميع الأطراف ولا يحمل معه إلا احتمالات متعددة وربما متناقضة.