يمكن نبش كل الأوراق، وخلق حالة حفر معرفية، ويمكن الاستمتاع بالبحث وسط أزيز الرصاص أحيانا أو حمى التصريحات السياسية، فإذا لم تورثنا الأزمة الرغبة في إيجاد مساحة إضافية ومعرفة لم تُكتشف بعد، أو على الأقل فهما مختلفا لكل المصطلحات، فإننا سنخلق خيبة لكل الأجيال اللاحقة، وربما لن نتمكن من التحليق خارج العنف والفوضى التي بدأت تكون ثقافة داخل مجتمعنا.

زمن البحث ابتدأ مع اللحظات الأولى للاضطراب، ومع المفاجآت التي أزعجتنا أو جعلتنا نبحث في المجهول عن مصير وطن تموج بشكل سريع، فالبعض أصابه الذعر وآخرون تمازجوا معه، لكننا في النهاية لم نفهم بعد كل تفاصيل هذا "التابع" الذي أراد اللحاق بـ"الربيع العربي" لكنه أظهر "خللا رياضيا" أو ربما كسر كل المعادلات الخاصة بعلوم التحليل الرياضي.

وفي زمن رسم التحولات، أو حتى الصراع عليها، نكتشف نوعية الجهل التي ضربتنا فجأة، فتلونت ثقافتنا دراميا، وأصبح التاريخ والتراث "حبيس الحارة" والإبداع مؤطر بسيناريو لا يمكن الخروج عنه، فالحدث السوري اليوم يملك إرثا تلفزيونيا لا تغذيه "المحطات الإخبارية"، بل الصورة الذهنية التي رسمت دراميا وتطورت على شكل صراع يرى العالم من "شاشة التلفزيون" فقط، فهل يمكن أن تحدد الكوادر الفنية لأي محطة مستقبل المجتمعات؟!

المسألة ليست فراغا ثقافيا أو فكريا أوحتى سياسيا، وربما يكمن جزءا منها في نوعية التراكب الثقافي الذي يجعلنا قادرين على التلاعب البصري بالعقول، ولكن بذهنية الخيمة والقبيلة، وبأحسن الأحوال بـ"رؤية" الحارة وبواباتها أو حتى وهم الجمال بقيم هي في النهاية "تصور درامي".

خلال عام كامل أصبح الجميع في سوريا أبطالا في "التواصل الاجتماعي"، وفي الوقوف أمام وخلف الكاميرا، ومحاكاة الخيال الهوليودي في صنع الأبطال والنجوم، وفي سنة من الاضطرابات اكتشفنا أن أي فرد قادر على "خلق هيكل تنظيمي" وإلباسه مصطلحات ومسميات، لكنه يبقى إما افتراضيا أو حالة توثيقة يتم استخدامها في نشرات الأخبار، وعبر أشهر من "الدماء" لم تظهر سوى بوادر البحث في زمن يحتاج للجرأة ولمعرفة مختلفة تماما.