النقاط الست التي طرحتها خطة كوفي عنان لم تتطرق لتفاصيل الآليات السياسية التي يمكن أن تنطلق منها "العملية السياسية"، وهذا الأمر ليس جديدا لأن الأزمة السورية تمت مجابهتها بعناوين مطلقة مثل "الحوار" الذي لم يجسد ضمن "سياق واقعي" قابل للتنفيذ، بل على العكس أصبح شرطا يبرر "المقاطعة" و "التصعيد" والعنف"، فهل يمكن الخروج من "العناوين المطلقة في مجابهة الأزمة السورية باتجاه تفاصيل مرتبطة بالعملية السياسية؟ ومن جانب آخر هل يمكن للانتخابات التشريعية كنموذج لعملية سياسية أن تلعب دورا في تثبيت خطة كوفي عنان التي تركز أساسا على وقف العنف وخفض التوتر والبدء بعملية سياسية؟

عمليا فنحن نتعامل مع الأزمة بمنطق العارف بمكوناتها، وذلك من خلال وقوفنا مع "أحد الأطراف"، لكن تفكيك هذه الأزمة ربما يقودنها إلى مجموعة من الأسئلة توضح على الأقل أن أطرافها ليسوا بالوضوح الذي نعتقد، وكلما طال أمد العنف مع توقف العملية السياسية زاد الخلط داخل الأطراف وتشعبت العوامل الفاعلة داخل الحدث السوري.

من جانب آخر فإن الانتخابات التشريعية التي أثارت جدلا منذ البداية حول "ضرورتها"، أو إمكانية نقلها لتمثيل اجتماعي حقيقي إلى مجلس الشعب، هي في النهاية جزء من العملية السياسية، أو حتى رد سياسي من قبل الدولة لضمان استمرار عمل المؤسسات والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في ظل محاولات جعل العنف هو المسيطر أو "البديل" عن الدولة وشرعيتها.

مراقبون
وانتخابات

فالانتخابات ربما ترتبط اليوم بخطة كوفي عنان حتى ولو تمت مقاطعتها من قبل طيف معين من الشارع السوري، فكيل الاتهامات لتلك الانتخابات ربما يحمل جانبا من الموضوعية لكنه بالتأكيد لا يبرر إلغائها لأنها ستشكل "اختبارا" سياسيا وباتجاهات متعددة:

• فهي أولا اختبار لقانون الانتخابات الذي يرى البعض أنه بحاجة لتعديل، لكنه بالتأكيد لا يمكن مناقشته دون إخضاعه لتجربة حقيقية يستطيع بعدها ممثلو الشعب أو القوى الاجتماعية التعامل مع صيغة جديدة له.

• الأمر الثاني أن الانتخابات لن تعكس نجاحا سياسيا لأحزاب معينة بقدر كونها حالة من المعرفة لقدرة القوى الاجتماعية على فرض نفسها من خلال مؤسسات قادرة على رسم رؤية ومهام وأهداف، فبالتأكيد ستشعر الأحزاب الوليدة بمعاناة وألم، بينما ستجد بعض الأحزاب أنها قادرة على رسم تحالفات سريعة وفرض مرشحيها وتأمين وصولهم إلى "مجلس الشعب"

الانتخابات في النهاية هي عملية سياسية مهما كانت الانتقادات الموجهة لها، لأنها ستشكل المنطفة الوحيدة التي يمكن عبرها النظر إلى الحدث السوري من خلال "عمل معين" يتم فيه معرفة مدى نجاح "البرنامج الإصلاحي" من جهة، ومن جانب نوعية القوى القادرة على التأثير حتى ولو لم تستطع الوصول إلى "مجلس الشعب" لأن المهم هو التأثير في المعادلة السياسية وليس فقط كسب المقاعد.

خطة كوفي عتان تحتاج لهذه التفاصيل ولجدل القوى السياسية مهمات بدت ضعيفة أو حتى عاجزة في بعض الأحيان، لأن وضع آليات للحوار لا يمكن أن يتم وفق افتراضات يمليها الإعلام أو حتى "التخمين" بل لا بد من عملية سياسية، ربما لا ترضينا شروطها، لكن ترسم خارطة سياسية بشروط فرضتها أحداث الأزمة السورية.