سيناريو التدخل الدولي مازال يعوض عن غياب استراتيجية واضحة، أمريكية على الأقل، في التعامل مع الأزمة السورية، فرغم تراجع احتمال هذا السيناريو نتيجة الانقسام الدولي في مجلس الأمن، لكنه يُترك لتفاعلات الأزمة وما تنتجه من بيئة إقليمية ظهرت يوضوح من خلال أحداث العنف في طرابلس.

عمليا هناك "جغرافية هشة" تمتد اليوم ما بين حمص وطرابلس، بكل ما يحمله تداخل المنطقتين من أبعاد تاريخية أو حتى سياسية حديثة، فالحدود السورية - اللبنانية هي مثار الجدل في اللحظة الراهنة، بكل ما تحمله من إحتمالات مفتوحة للتطور، فحتى لو اعترض رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، على رسالة مندوب سورية في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، حول تلك الحدود، إلا أن كل ما يحدث لا يبدو بعيدا عن اقتراح فرنسي سابق مرتبط بالممرات الأمنة.

بالتأكيد فإن ما يجري يمكن تبريره بـ"التداعيات"، لكن الملاحظ أن الأزمة السورية كانت تعني أيضا تشكيل المشهد السياسي اللبناني وحتى الإقليمي بالكامل، فزج أطراف لبنانية "إفتراضيا" في الأزمة، قابله من الطرف الآخر حدود مفتوحة لدعم لوجستي تطور سريعا على المدن التي شهدت توترا ملحوظا وشكلت نقاط تماس أيضا، والعنف الذي ضرب طرابلس "ليس تداعيا" للحدث السوري بقدر كونه "تثبيت" لخيارات ماتزال موجود عند بعض الأطراف السورية للمعارضة، ابتداء من التدخل العسكري وانتهاء بالمناطق الأمنة.

والتوقف فقط عند مسألة "النأي بالنفس" التي قدمها لبنان كسياسة، لا يعطي تفسيرات لكل ما حدث، فهناك تركيز إعلامي وسياسي على التنظيمات الإسلامية التكفيرية، وعلى "التحرك السلفي"، وهو موضوع بقدر كونه إبرازا لخطورة الوضع لكنه بوابة لظهور تدخل دولي ولو بآليات أخرى، فهذا التركيز يستند أساسا على "تقوية" العامل الدولي ودوره في التعامل مع الأزمة السورية – اللبنانية، وذلك على حساب الحوار الداخلي ومحاربة الإرهاب من خلال المؤسسات العسكرية الداخلية.

قبل انفجار الوضع في طرابلس كانت المدينة تشكل بالفعل "ملاذا آمنا" للتمرد المسلح في سورية، وكانت أيضا قاعدة خلفية لتقديم الدعم اللوجستي، لكنه اليوم تسعى لأن تكون "ممرا سياسيا" أكثر من كونها خزانا بشريا لعمليات العنف في سورية، الأمر الذي سيشكل ضغطا متزايدا على دمشق، لكنه في المقابل سيمنح بعض الدول الإقليمية هامشا مهما لتقديم السلاح وتسهيل انتقال الإرهاب باتجاه سورية.