غرابة طهران نموذج لا يمكن قراءة تفاصيله، لأننا كنا نحيا دقائق نعرف كم هي ثقيلة وبطيئة، وهي أيضا محاولات لفهم التشابك الذي يلف الأزمة السورية، فيدعها على حافة منسية ويدفع الجيع لرؤية مشهد لا يتكرر، وغرابة طهران حملت معها "مساحة" الضغط المتواصل من أجل "الحوار" أو "النقاش" أو حتى النحت داخل السياسة السورية، وفي تلك التفاصيل تظهر الحياة وكأنها تركيب متناقض ما بين البحث عن الذات أو التواجد في مساحة الضوء، فإذا نجح "ملتقى الحوار" في طهران فلأنه قدم لوحة تخلق تكوينها وتكشف الذات ثم تُطلق إشارات استفهام وعلامات تعجب.

وطهران قدمت "أنشطة معارضة" داخل لوحة الدم السورية، وفي الساعات التي كانت الكلمات تُسكب من على المنصات فإن اللون الحقيقي لتجربة المؤتمرات بدء بالاختباء خلف جبال طهران وخارج أروقة الفندق الذي تحول إلى "فراغ" هائل، لكن الحلول لم تكن يوما مجرد نقاش أو "صفع" الحضور بالمواقف، إلا أن المشهد يستحق أن نتلمس تضاريسه بشكل متدرج، لأن نسيج النشاط المعارض لا يحتاج لفرز بل لبناء مختلف على "جغرافية" القفز من "فكرة" لأخرى ومن معركة إلى سلام مؤقت.
هناك نقاش "طهراني" تحوم فوقه دخان السجائر وعدم القدرة على تفكيك تلك الأزمة الوطنية، وربما الجميع يلهث وراء الأسباب والتداعيات، ويحاولون إحصاء المؤشرات، لكن على ما يبدو أننا مدعوون لفهم الظاهرة السورية في لحظة انكسار المكان ما بين طهران ودمشق:

  • لا أهمية لنوع الحضور، أو لتشعب اتجاهات التفكير لديهم لأن هناك فقط "حلم" بلحظة سابقة، أو "لُهاث" نحو زمن قادم، بينما يتم ذبح اللحظة الحاضرة، فمهما كان مستوى التمثيل فإنه في النهاية يعالج ظاهرة خارج الزمان والمكان المطلوبين طالما أننا لا نرى الزمن الذي نعيشه.
  • اللحظة الحاضرة هي "صدام احتمالات"، ولكل احتمال تجلياته، لكن الغريب أن الخيارات هي من خارج هذا المجال فما تريده الأطراف مختلف تماما عما هو مطروح على أقل ضمن دائرة الاحتمالات المتوفرة.
  • من يعارض فهو لا يرفض الزمن السابق لأنه يريد ذلك الأمان المفقود والقوة الاستراتيجية وحالة الريادة في مسألة الصراع، لكنه يريد نسف شروط الماضي، لكن عتبة الزمن انتهت نحو "ارتجاج" مختلف... لا عودة في الزمن وشروط الماضي سقطت في مساحة الأزمة، فعلى من يطلب الأمن والأمان أن يعيد تعريف كل العوامل المكونة لهما وذلك وفق ظاهرة سورية تتشكل سورية وفق تموجاتها وتناقضاتها.
  • في طهران تعددت المواقف وبرزت التوافقات، وكان الأمل يحلق مثل الوهم في هلوسات من يرتكس إلى الماضي أو يتدحرج نحو المستقبل، ولكن الصورة محمولة في أروقة الاجتماعات وفي ملامح الدبلوماسيين وهم يخوضون أصعب معركة لأنها تمثل تجاوزا للعوامل والشروط والتداعيات.