لا طاقة لـ"جنيف" أو "باريس" على استيعاب "نفس" حار يطلقه سوري يلهث في شوارع مدنها المتعبة، وربما لا تسمح كل العقلانية التي تبدو في "برنامج" مؤتمر جنيف من أجل سورية ديمقراطية بالتعامل مع رائحة الحرائق المنتشرة،وصرخات التكبير التي تعلن "الهزيمة" بعد أن كانت رمز انتصار، ففي عواصم العالم يجتمع المترفون كي يشرحو بهدوء رغباتهم، بينما نخفي أمنياتنا داخل قلوب يكسرها القلق.

المسألة ليست حوارا ومعارضة وموالاة، فما يحدث في هذه اللحظة سيرسم مساحة كل مواطن، وسيكتب للمستقبل أن البرد السويسري وروائع بحيرة ليمان لم تعد قادرة على استيعاب "الحلم السوري"، وأن من ارتحل إلى تلك العاصمة سيستمتع بروعة التنظيم وبالشوكلاته السويسرية، وربما سيبتسم كثيرا لعدسات التلفزة وهي تلاحق المؤتمرين، بينما يبقى الوميض في عيون السوري المرتحل داخل وطنه وهو يبحث عن لحظة يقول فيها أنه متعب لكنه قادر على البقاء.

أما في باريس وبنفس التوقيت السويسري سيبدأ اللحن القادم من البارات بملاحقة الحاضرين، وربما يصبح النبيذ الفرنسي حراما لكن جميع الحاضرين سيستمتعون بأنواع "الجبن" التي يقدمها موظفون يتمتعون بأناقة تضاهي أي شوق سوري لتمتع بلحظات شبابه أو كهولته وسط أزمة تربطه بأجهزة التلفاز، فالصورة المضحكة والرسوم الكاريكاتورية ستبدو في المخيلة وهي تعيد رسم الوجوه القادمة من أصقاع الأرض لتحظى بـ"رفعة" اللكنة الفرنسية، وبلفحة برد داخل شوارع الشانزليزية، ثم تستريح في مخزن لبيع العطور ببائعاته المغربيات القادرات على الاقناع، لكن كل عطور "كاشاريل" لن تستطيع مسح رائحة شواء اللحم البشري التي تجري على مساحات مؤتمرات العلاقات العامة.

لا أريد أن أسأل كيف ولماذا أصبحت أزمتنا قضية مؤتمرات، فالمسألة بالنسبة لي ليست عمليات اقناع وتبادل للرؤية حول "سلمية التحرك" من أجل عزل "المسلحين"، فعندما تحترق المدن ويملك البعض القدرة على حضور مؤتمرات للعلاقات العامة فإننا أدرك أن الجحيم الذي ينتظرني لم يرد في الكتب السماوية، ولم يخطر على بال "ربٍ" يجلس في عليائه ليحاسب البشر.

المناع
مؤتمرات مابين باريس وجنيف

وأما بعد .... فلكل المؤتمرين القادمين ليشهدوا الأحداث من خلال "المداخلات" والمناقشات والملفات، فإنني لا أملك أكثر من دفقة حب لوطن يلفنا رغم احتراق المساحات، فإذا استمتعم باللون الأبيض في الجبال السويسرية فربما عليكم أن تتذكروا أن بحيرة ليمان لم تساعد "الآخرين" على رسم وطنهم.

ما بين فرنسا وسويسرا يتوزع سوريون يرون "خيالا" للوطن، ويتنقلون عبر أشرطة الفيديو والقدرة على اقناع أنفسهم بأن الإعلام هو الذي يقرر الحدث، ولكن الصورة ستنهار فجأة فنبدو مجردين من كل التعابير المريضة، وتتشكل سورية على إيقاع من يعشقها من وسط الحريق.

أما بعد.... فلتنسوا أن عواصم العالم مغرمة بكم.