بالتأكيد فإن الأزمة ليست مجرد "خطاب سياسي" قادر على تحديد الملامح القادمة، ولكن الأزمة على ما يبدو انطلقت من قواعد "لانمطية"
الخروج من إطار الاحتمالات التي تطوق الأزمة السورية يحمل إشكالية أساسية تنطلق وتنتهي عند حدود التوافقات الدولية، فبعد عامين لم يعد الخطاب السياسي قادرا على رسم ملامح جديدة، بينما انحصر الحراك الداخلي وفق خارطة محددة لا تملك هوامش واسعة لتحرك الأطراف الفاعلة أو حتى تلك التي تنشط لجذب "الأغلبية" غير المستقطبة.
بالتأكيد فإن الأزمة ليست مجرد "خطاب سياسي" قادر على تحديد الملامح القادمة، ولكن الأزمة على ما يبدو انطلقت من قواعد "لانمطية" بينما ظهرت عناوين اعتيادية وربما تعود لأربعة عقود مضت من تاريخ السياسة السورية، فلا نمطية الأزمة تظهر في أمرين:
– الأول هو الانقلاب على القواعد السياسية التي تحكم الشرق الأوسط منذ قرن تقريبا، أي أن الأزمة كانت تحمل بذاتها تحولا حتى على الخرائط الجغرافية التي وضعها الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى.
عمليا فإن بداية الأزمة لم تحمل في شكلها على الأقل إمكانيات "التحول العميق" في البنية الشرق أوسطية انطلاقا من سورية، وضمن التفكير الذي برز في تلك المرحلة فإن "التحول الديمقراطي" كان نموذجا واحدا يبدأ بالتغير للنظام وينتهي بصناديق الاقتراع، لكن الواقع بأن الديمقراطية بذاتها هي مجال احتمالات في المنطقة، وبعد عامين ستظهر الديمقراطية خيارا مفتوحا على مسألة "الهوية" بالدرجة الأولى، وعلى طبيعة المصالح داخل الدولة وإمكانيات خلق إرادة لتحقيق تلك المصالح، ومن هذا المنطلق فإن خارطة المصالح تشتت بشكل واضح، وبرزت جغرافية الدولة السورية بشكلها الخطر والقابل للاختراق.
– الثاني بناء النموذج الشرق أوسطي على حروب "ما بعد الحداثة"، أي تلك التي ترتسم بشكل داخل وتوسع الخيارات بشكل غير مسبوق. ومن الصعب تحديد السلوك السياسي لحروب "ما بعد الحداثة" لأنها تعتمد على ديناميكيات اجتماعية داخلية، وليس على التدخل العسكري المباشر.
في المقابل فإن المعارضة السورية في الداخل وبعد عامين مازالت تتعامل على أساس أن الحوار الذي سيقوم ستحدد نتائجه "توازن القوى السياسية" داخليا ودوليا، ورغم أن انعقاد الحوار قائم على التفاهم الدولي، لكن لعبة عدم التوازن تبدو الأمثل بالنسبة لحروب ما بعد الحداثة المليئة باحتمالات توالد قوى جديدة تفرض المزيد من العوامل والآليات.
بالتأكيد لم تظهر حتى هذه اللحظة فكرة عن نوعية الصراع القادم، وعلى الأخص أن أطراف المعارضة على اختلاف أطيافها تعتقد أن الحوار سيكون "صراعا سياسيا" مع كتلة النظام السياسي والقوى التي تدعمه، بينما يبدو أن هناك احتمالات كثيرة لتشتت أوسع سواء في كتلة النظام السياسي أو حتى لأطياف المعارضة، لأن ما يتم بحثه الآن ليس عملية سياسية بل التكوين الاستراتيجي القابل اليوم للتعديل في كل لحظة، ومن هنا فإن الحوار الذي سيقوم سيستند اليوم على خطاب تقليدي في مفهوم "المعارضة السياسية"، بينما تجري في العمق تحولات داخل البنية الاستراتيجية السورية لا نعرف إلى أين ستقودنا، فالاحتمالات ليست مفتوحة فقط، بل تقفز من سوية أخرى، بينما تبقى العملية الديمقراطية على هامش التحولات الكبرى.