الاستقالة لا تعني عدم إلقاء كلمة سورية في الجامعة العربية، وهي بالنسبة للسيد معاذ الخطيب مرتبطة بالمواقف الدولية وليست بهيكلية الائتلاف فقط، ورئيس الائتلاف الذي رُفضت استقالته ظهر في موقف متنقل ما بين التشدد والوسطية، بينما كان المسار السياسي لا يعبر سوى عن افتراقات واضحة داخل المعارضة السورية، فهي ليست "غير مستعدة للحوار" حسب بعض التصريحات، بل غير قادرة على تصور "الحوار المطلوب" مع سلطة سياسية طالبت على مدى عامين بإسقاطها.

بالتأكيد هناك الكثير من التفاصيل الغائبة بشأن خطوات الخطيب منذ أن ظهر على قمة الائتلاف، لكن كل هذه التفاصيل لا تلغي خيوط المشهد العام ما بين المعارضة والسلطة، وبغض النظر عن كافة العوامل الدولية التي تتفاعل مع المشهد السوري لكننا نستطيع تمييز أمرين:

الأول – أن السلطة السياسية تتعامل مع أمر واقع هو "معارضة الخارج"، فهي مهما كان شكلها أو درجة تمثيلها لكنها تمثل الجانب الخطر من الأزمة السورية، وهي المسؤولة عن درجة التوتر التي وصلت إليها العلاقات بين سورية والعالم، فالتعامل معها هو في النهاية ليست اعترافا بها بقدر كونه محاولة لحل الأزمة مع الأطراف الدولية التي تراها دمشق الأساس بالأزمة الحالية.

الثاني – أن المعارضة في الخارج تملك في واقع الأمر تكوينا لاينقل "توازن القوى" على الساحة الإقليمية والدولية، فهي تعبر بالفعل عن "مشروع ديمقراطي" منسجم مع تكوين للشرق الأوسط لم يظهر بعد، أو حتى لم تكتمل صورته وربما يطرأ عليه تعديلات جذرية، فالمسألة السورية لم تعد اقتسام نفوذ أو تبادل مصالح بين قوتين، بل أيضا اختبار للقوى السوري وقدرتها على التعامل مع المشروع الأوسطي، وبناء على هذا الاختبار ربما ستقوم واشنطن وموسكو برسم استراتيجيات مختلفة تجاه الأزمة في سورية.

عمليا فإن رئيس الائتلاف المستقيل يعكس تماما التداخل في المعارضة الخارجية، ومحاولتها لفرز قوى تصبح على درجة من "الثقة" كي تصبح قادرة على التعامل مع الاستراتيجيات الدولية في المنطقة، فالتضارب في المعارضة السورية ليس انقساما إنما افتراق كامل في كل المفاهيم، وهي حتى اللحظة لم تجد لنفسها الأرضية الاستراتيجية لاستمرارها وبقائها، وهذا الأمر ليس خطرا عليها بل على سورية بأكملها، لأنها اليوم "معارضة مغامرة" لأبعد الحدود ومستعدة لإعطاء الشرعية لأي تحرك يضعها في مقدمة الحسابات بالنسبة للدول العظمى، ومن هذه النقطة يمكن فهم انتقال الخطيب من موقع الآخر محاولا كسب التوازنات باتجاهه، فهو يعرف تماما أن الحسابات الدولية لم تحسم بعد وبالتالي لا بد من تسجيل مواقف متعددة حتى تستقر الأمور باتجاه محدد.