تلك الوجوه لا تحمل لي الكثير، وهي تجتمع أو تفترق مثل الصدفة فلا نشعر بها أو لا تعنينا، فكل المؤتمرات كانت "قمة" وكانت لفحة رمل وغبار، ثم تحولت باتجاهات جعلتنا بلا ملامح، فلا "القادة العرب" قادرين على تحويلنا إلى تماثيل، ولا مقعد سورية يمكن أن يلتحق بركب يثير الموت ويستفز العصبيات حتى يسترجع أيام داحس والغبراء.

في "الحدث العربي" يمكن رسم السيناريوهات ببساطة ككتابة أرقام متسلسلة دون رابط، ثم يُترك للمجتمعات كي تجد علاقة مستحيلة، فهو حدث يحفظه الجميع عن ظهر قلب، وهو قادم من التاريخ والمخطوطات الصفراء، وهو في النهاية "حدث" يعشق السكون وصمت القبور، ويتكئ على الأرض دون أن يرفع عينيه للسماء.

ما لا يعنيني بالقمة العربية هو كم الأخبار القادمة، أو كيف سيرى المحللون مسار الأمور، فأنا المهتمة بالشؤون الصغيرة وبمنمنات اللون الذي يتداخل مع وجوه الرجال، وأنا المأخوذة بقلق كون وجوه الرجال على مدى عامين فأصبح الشيب ملمحا عاما، وتجاعيد الوجه انعكاس لانكسارات الوطن، وأنا التي لا أرى منفذا يستطيع استيعاب جسدي داخل أي قمة عربية أو اجتماع يفوح برائحة الذكور، فكيف يمكنني أن أجد بقعة أستريح بها؟

تمر القمة ويسير الحدث نحو نفس النقطة، ونتعلم في النهاية أن "قدر الإعلام" هو الذي يشكل رؤوسنا التي أصبحت مربعة اليوم، وبداخلها خطوط كانت في يوم من الأيام عينين وأنف وفم، وكانت أيضا ترسل ابتسامات، لكنها بعد أن أصبحت "نسخة إعلامية فإننا لم نفقد ملامحنا فقط، بل أيضا ضاعت الكلمات من فمنا، وإنتهت الأفكار إلى ألوان رمادية يستطيع أي شخص تمييزها عندما ينظر إلينا.

هي تلك القمة الرمادية... هي أيضا خلافات ممدودة... كلمات كسوط مصرة على جلدنا كي نتعود القسوة والألم، لكننا ربما نتحول عن الإعلام إلى التفكير وعن المسلسلات إلى الخيال الروائي، وبدلا من عشق العدسات المسلطة علينا ندخل في تجربة لا نهائية في عشق النسمات البحرية وأشكال "الجبال" التي تشكل ملمحا لجغرافيتنا، ونقتحم امتداد السهول والسهوب التي أنتجت الحضارات.

حكاية سورية لا تبدأ بقمة... ولا تنتهي بمقعد فارغ أصبح هواية إعلامية يُسكب فيها أشكال من القصص والتحليلات... إنها قمة لا تعنينا.