يزور هذه الايام المفكر والإعلامي العربي المقيم في باريس والمدرس في "سوربونها" الدكتور عيسى الايوبي العاصمة السورية دمشق حيث التقى عددًا من الفعاليات فيها وكانت له اطلالة اعلامية وضع فيها رؤيته وتحليله لما يجري من احداث .." الصنارة " تربطها علاقة حميمة بالدكتور الايوبي منذ سنوات التسعين من القرن الماضي اذ ارتبط الراحل لطفي مشعور بعلاقة طيبة معه . كما كان لي شخصيًا حظ التقائه عام 2006 .. امس وامس الاول اجرينا مع الدكتور الايوبي هذا اللقاء الخاص وما كان بالامكان ان ننهي لقاءنا معه دون التفاتة الى المقابلة الصحفية التي اجرتها فضائية الاخبارية السورية مع الرئيس بشار الاسد والتي وضع فيها رؤيته لسوريا ما بعد الازمة الراهنة .. عن ذلك سألنا الدتور عيسى الايوبي فقال :" إن هذه المقابلة هي جزء من سلسلة مقابلات للرئيس بشار الأسد، وقد أوضح فيها موقفه مما يجري في بلاده، وركز على ثلاث أو أربع نقاط أساسية. مَن هو العدو الذي يواجهه، والمسألة الكردية، ومسألة هوية الدولة اي هوية سوريا والحفاظ عليها كما يراها هو. وفي مسألة هوية الدولة أكد الرئيس بشار الأسد على علمانية الدولة ووَضَع هذه العلمانية المؤمنة كما قال في مواجهة واضحة مع برنامج ومشروع التكفيريين ودعاة إقامة دولة دينية في سوريا. هذه المواجهة هي واضحة المعالم على الأرض، ولكنها ليست واضحة لدى بعض المعارضين، خاصة أولئك المسلحين الذين يقاتلون جنباً الى جنب مع التكفيريين والنُصرة والقاعدة، حاول الرئيس الأسد أن يعطي صورة لموقفه ودعوة الذين ما زالوا يؤمنون بالدولة العلمانية في سوريا أن ينفصلوا عن المشروع التكفيري في سوريا."

وتابع الدكتور الايوبي :" إضافة الى تأكيده ( اي الرئيس الاسد ) على موضوع الخارج في الأزمة وليس الداخل فقط واغفاله موضوع الإصلاحات الداخلية وتركيزه على الحرب الخارجية على سوريا، ورؤيته أن هذه الحرب قاسية وحرب تكفيريين. ثم رأينا تركيزه على الموضوع الكردي بجانبين، الأول كونه الموضوع الإستراتيجي المستقبلي في المنطقة ككل فالمسألة الكردية في الشرق الأوسط الكبير هي الأزمة الإستراتيجية المقبلة،اي أكثر مما كان في السابق حتى اليوم, موضوع اسرائيل والإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، سينتقل مركز الثقل الجيواستراتيجي للصراع في المنطقة الى الصراع حول الموضوع الكردي... وفي هذه المسألة أوضح الرئيس الأسد مكانة ووضع الأكراد السوريين وموقعهم في الدولة السورية ولفت الى مهاجمة اردوغان واحتمالات حرب مقبلة يعتقد السوريون انها ستكون أكثر شراسة مع الأتراك في حكم اردوغان، و"تركيا اردوغان" ممكن تسميتها بهذه الطريقة لأنها تحمل مشروعاً دينياً وآخر استعمارياً بالنسبة لسوريا أو معاودة الهيمنة والإمبراطورية والسلطنة الى محيط تركيا عموماً وسوريا بشكل خاص، لذلك ركز الرئيس الأسد أكثر على أردوغان مما على غيره من القادة العرب الذين يدعمون العناصر المسلحة والمعارضة المسلحة في سوريا".

واشار الدكتور الايوبي الى :" مسألة لافتة جداً فلأول مرة يلفت رئيس بعثي أو عروبي أو قومي عربي الى موضوع الجامعة العربية والحكام العرب واجتماعات الجامعة، وهذه الإلتفاتة لأول مرة تخرج من سوريا بأن الجامعة العربية لم تكن في يوم من الأيام تمثل أو الحكام العرب يمثلون الشعوب العربية وتطلعاتها ولم تكن تمثل القضية العربية عموماً...و بالإجمال يمكن القول ان هذه المقابلة الصحفية للرئيس الاسد تشكل الرواية السورية المستقبلية للصراع القادم في الشرق الأوسط عموماً، لا جامعة عربية بعد اليوم وهذا واضح في كلام الرئيس الأسد، الصراع مع تركيا مستمر والموضوع الكردي موضوع تفجيري في تركيا وليس في سوريا، وموضوع علمانية الدولة المؤمنة التي لا تتعارض مع الأديان، والتأكيد عليها، هذه هي ثوابت الهوية السورية المقبلة".

وعن زيارته هذه الى الشام والمتغيرات التي رصدها على الساحة السورية قال الدكتور الايوبي : "قبل ثلاثة أشهر زرت الشام، وها أنذا أعود إليها اليوم. وبالمقارنة ممكن القول إن الوضع اليوم أفضل مما كان من الناحية الأمنية، حيث لا خطر محدق وهناك نوع من التقدم الميداني للقوات النظامية وهذا ينطبق على حالة العاصمة دمشق وعلى المناطق الأخرى أيضاً.

أما المأساة الإنسانية فهي باتساع، ويظهر للعيان أن الحرب تلقي بآثارها وأوزارها على المواطن العادي، وحالة الناس الإجتماعية صعبة.. ولك مع ذلك وفي ظل هذا الوضع يمكن أن نلحظ أمرين هامين الاول ان سعر الدولار اليوم هو 110 ليرات سورية أي ضعف ما كان عليه قبل الأحداث، في حين أن الأسعار بشكل عام ارتفعت بما معدله 10 ٪ فقط خلال نفس المدة. هذا الأمر مستغرب علمياً، فاقتصادياً يجب أن يكون ارتفاع الأسعار موازياً لارتفاع سعر صرف الدولار أي الضعف. لكن ما حصل هو أن الإنتاج المحلي لا يزال عنصراً أساسياً وحاسماً في السوق السورية ومن حصة استهلاك السوريين، فكل دولة تنزل قيمة عملتها 100٪ المفروض أن ترتفع الأسعار فيها أوتوماتيكياً ً100 ٪ .. هذا الأمر لم يحصل في سوريا، خاصة في دمشق التي لا تزال المدينة الأرخص في العالم العربي من حيث المواد الإستهلاكية رغم عامين من الأزمة.

وسياسياً، واضح أن هناك حالات اصطفاف جديدة في المجتمع السوري وهذا الاصطفاف ناتج عن استمرارية الحرب وعن غموض المواقف وعدم تلبية المبادرات. ففي بداية الأزمة كان بالإمكان رصد ملاحظات وانتقادات من قبل المثقفين والإعلاميين والثوريين موجهة الى النظام. اليوم تشعر أن حدة الإنتقادات خفّت، وبشكل واضح، والسبب الأساسي يعود الى أن هناك قناعات متولدة الآن بأن من يرفض الحوار ووقف الحرب ليس السلطة، السلطة تقبل بالحوار وتدعو اليه في حين يرفضه الآخرون، إضافة لذلك فإن ظهور الإسلام المتطرف عن طريق "النصرة" و"القاعدة" بشكل واضح بين صفوف المعارضة أنتج نوعاً من الخوف لدى المواطن السوري العادي، خاصة أن المعارضة لم تأخذ مواقف عملية على الأرض لوقف الصورة البشعة للثورة. وقد استفاد النظام جداً من هذا المظهر.

الصنارة: ما سبب أن المعارضة لم تتنصل من "جبهة النصرة"، هل خوفاً أم لأنهما شركاء؟

الأيوبي: لكليهما مصدر مشترك. فالواقع أن الثورة كانت مشروعة في بداياتها لكنها لم تكن سوى مجرد شعارات. اليوم لم يعد شيء إسمه ثورة من أجل الإصلاح أو تغيير النظام. ما يحصل على الأرض السورية هو بصراحة عملية تدمير لكل البنى التحتية السورية. وحتى نفهم تصرف المعارضة يجب ان نحلل هذه المعارضة. فهناك على الأرض والواقع ثلاث معارضات سورية. هناك معارضة تاريخية وعندما نستعرض أسماءها وحركتها نرى أنها معارضة دخلت السجون وتعرضت للمنافي ونشطت كمعارضة حقيقية للنظام وهذه المعارضة غير "الإخوان المسلمين"، هذه هي المعارضة المدنية الأخرى، لم تلتحق بالمعارضة المسلحة وهي لا تزال موجودة في الشام وتنشط كمعارضة تنتقد النظام وتعارضه وتطالب بالاصلاحات.وهناك معارضة التحقت بالمجموعات المسلحة وهؤلاء هم مَن حصلوا على تمويل خارجي مباشر من قطر والسعودية، اللتان تمولان حالتين، واحدة مدنية موجودة في الخارج لكنها ليست معارضة وأقول ذلك من خلال مراجعة الأسماء ومعرفتي الشخصية بهم وكنت التقي البعض منهم في دمشق كأعضاء في السلطة، هؤلاء المعارضون موجودون اليوم في دبي والخليج والعديد من العواصم كانوا حتى الأمس القريب مستشارين في بعض الوزارات، انا أتحدث عن مثقفين كانوا في السلطة وصاروا بقدرة قادر معارضة وقادة معارضة. فلنسأل مثلاً برهان غليون متى كان معارضاً... أو بسمة قضماني التي كانت آخر مرة في دمشق يوم 8 آذار 2011....متى وكيف أصبحت معارضة؟ نحن أمام تركيبة ضعيفة وهشة لم ولا تقنع المواطن السوري. ومَن أقنع المواطن السوري بالمعارضة كان تصرفات السلطة السورية وليست تصرفات المعارضة.

أما المعارضة الثالثة فهي المعارضة العسكرية، وكل معارضة الخارج ما عدا المعارضة التي ينتمي اليها هيثم مناع وهيئة التنسيق هي معارضة مرتبطة مادياً بتركيا وقطر والسعودية، وهي لا تزال محافظة على موقعها السياسي. اما الباقون بالأسماء والأشخاص والتنظيمات والمؤسسات فقد ارتبطوا مادياً بالتمويل الخارجي المعروف قطر والسعودية وجغرافياً تركيا، هؤلاء مصلحتهم ان لا تنتهي الحرب، فماذا سيعملون ان انتهت الحرب بالمصالحة والتوافق؟!

الصنارة : أنت لست محايداً في الوضع السوري لكن وجودك في فرنسا يجعلك محايداً أكاديمياً.

الأيوبي: أنا محايد بسبب واحد أنني ديمقراطي وضد النظام السوري بطريقة تعامله، أنا أتحدث اليك الآن من الشام... انا ضد طريقة تعامل النظام السوري مع شعبه لأن الشعب السوري يستحق تعاملاً أفضل، لكنني لم أعد أرى أن هذا الموضوع يؤدي الى إصلاح في النظام السوري. فما يحصل هو تدمير لسوريا وليس إصلاحاً للنظام. ما أراه اليوم هو عناصر في السلطة السورية هي التي ترغب في الإصلاح وتريده وتدعو اليه ومنفتحة على أي اقتراحات تبقي على الهوية السورية وعلى موقع سوريا في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي.

الصنارة : في ظل ما تقول هناك تقاطعات عالمية وبصفتك مقيماً في فرنسا، هل فرنسا تريد العودة الى وصاية على سوريا؟

الأيوبي: المشروع الفرنسي ليس مشروع فرنسا. المشروع الفرنسي قُدم من ساركوزي لاعتبارات إقتصادية مالية تخصه هو وحده كما فعل في ليبيا. فلماذا تورطت فرنسا في ليبيا وحدها وكانت رأس الحربة هناك بينما كان ساركوزي صديقاً للقذافي، والقذافي موّله وأعطى الفرنسيين المليارات، ومع ذلك انقلبوا عليه، لماذا؟! ما حصل هو أن شركة "توتال" الحكومية الفرنسية التي حصلت على العقد الأكبر لاستثمار النفط والغاز الليبي وقعت إتفاقية مع الشركة القَطَرية للنفط على أن تقوم الاخيرة بالإستثمار من خلال العقد الفرنسي، لكن الليبيين رفضوا هذا الموضوع، رفض القذافي ذلك لاعتبارات علاقته السيئة بأمير قطر، لكن ساركوزي أصر على تنفيذ المشروع والإطاحة بالقذافي لضمان هذا العقد بينه وبين القطريين، فالمعركة الليبية ليست ولم تكن في يوم من الأيام معركة على الديمقراطية.

الصنارة: وما علاقة الفرنسيين بالملف السوري؟

الأيوبي: لا توجد أي قضية ديمقراطية في الملف السوري تخص العلاقة مع الغرب والمعركة الديمقراطية فيه معركة كاذبة من أولها لآخرها، وهذا الغرب هو نفسه الذي سكت على النظام السوري سنوات طويلة وكان حليفاً له. فما الذي تغيّر في النظام السوري ليصبح عدواً للغرب في نقطة الديمقراطية؟ ! النظام السوري اليوم في عهد الرئيس بشار الأسد هو أفضل بما لا يقاس من عهد والده حافظ الأسد في قضية الديمقراطية والحريات.. فلماذا لم تقم السعودية الديمقراطية والإمارات الديمقراطية في الخليج، بتمويل المسلحين السوريين لإسقاط النظام عندما كان فعلاً دكتاتورياً زمن حافظ الأسد وليس زمن بشار الأسد المدني الطبيعي.؟؟ هناك علامات استفهام كبيرة حول قضية الديمقراطية في الأزمة السورية.. فآخر همّ للغرب والولايات المتحدة الأمريكية هو إقامة أنظمة ديمقراطية في العالم لأن حلفاء أمريكا والغرب في العالم كلهم دكتاتوريات... هل من دكتاتورية أكثر من الدكتاتورية السعودية في العالم كله دكتاتورية دينية والخليج وحلفاء الغرب في أفريقيا، لماذا تحظى هذه الدكتاتوريات بالرعاية الأمريكية...؟؟؟ الولايات المتحدة الأمريكية, وهذا شأنها, ليست مهتمة ولا يعنيها موضوع الحريات والديمقراطيات وحريات الإنسان. إنها تهتم بمصالحها ومصالح شركات رأس المال الكبرى. الغرب يهتم بمصالحه، وأنا لست ضد هذا الإهتمام ولكن شرط أن لا يؤدي ذلك الى حالات كما رأيناها في ليبيا من صعود التطرف الإسلامي والعصابات التي تحكم ليبيا. واليوم في سوريا الوضع نفسه.. فمن سيحل محل النظام إن سقط في سوريا.. النصرة؟! والظلاميون...؟؟

الصنارة: الجنرال عاموس جلعاد مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية قال إن النصرة والقاعدة أفضل بالنسبة لهم من نظام بشار الأسد؟

الأيوبي: بالطبع، هناك مسألة بسيطة جداً، النصرة والقاعدة بالنسبة للإسرائيليين أفضل من بشار الأسد بالتأكيد، لأن النصرة تعطي المبرر لإسرائيل أن تكون كما هي، تريد دولة دينية دولة اليهود... النصرة تريد أن تقيم دولة شريعة إسلامية، وبالتالي فهي الوجه الآخر للدولة اليهودية، وليست هناك مشكلة مصيرية أو وجودية ما بين دولة دينية يهودية ودولة دينية أخرى في المنطقة ...بل على العكس,, هذا من مصلحتها، وساعتها يصبح السلام مع إسرائيل مجرد فتوى ولا حاجة فيه لمفاوضات وتنازلات. هذا هو الإسلام الذي يريدونه هم .. اليوم، لا سلام بدون مفاوضات وتنازلات، وكل التفاوض يجب أن يمر عبر التنازلات. أما في ما يخص السلام بين المتطرفين الإسلاميين وإسرائيل فلا حاجة للتنازلات لأن موضوع الأرض والحقوق لا يهمهم وليس من مشاغلهم، ولا يعنيهم. هم لا يعترفون بحدود ولا يعترفون بحقوق قومية أو وطنية، إنهم يعترفون بإيمانهم الميتافيزي، كما كل الأديان.

الصنارة: هناك ضجة في بلجيكا بالنسبة للمسلحين الأوروبيين الذين يقاتلون في سوريا، الى أي حد ممكن أن يؤثر هذا الموضوع على حقيقة مواقف الدول الأوروبية؟

الأيوبي: أولاً أود أن أؤكد أن هناك مبالغات كبيرة في الأعداد... هناك مسلحون من أصول عربية وإسلامية يحملون الجنسيات الغربية أرسلوا بتآمر وموافقة من الأجهزة الأمنية والإستخباراتية في الدول الغربية والأوروبية وهي التي سهلت لهم هذا الرحيل ووصلوا الأراضي السورية بحجة الجهاد . الأعداد مبالغ فيها جداً، هي ليس بالألوف، بل لا تتجاوز المئات. أقصد من أتوا من الغرب ويحملون جنسيات مزدوجة عربية غربية أو باكستانية غربية. والعدد الأكبر من هؤلاء من مجاهدي الدول الغربية الذين جاءوا مباشرة عن طريق تركيا، العدد الأكبر التاليهم الذين جاءوا من دول آسيا الوسطى والدول الإسلامية في الإتحاد السوفييتي السابق، وهذه هي الأعداد الضخمة التي تعد بالآلاف إضافة الى الأفغان العرب من الخليج.

أعتقد أن مصلحة الأجهزة الإستخباراتية الأوروبية أن يأتي هؤلاء ( ذوو الجنسيات المزدوجة غربية عربية) الى سوريا، الذين هم أساساً متعاونون مع هذه الأجهزة الإستخباراتية الغربية، وهم أصبحوا عيون هذه الأجهزة داخل التنظيمات المتطرفة كالنصرة وغيرها, والمصلحة أن تبقى هذه الأجهزة على علم بما يحدث وسيطرة على ما يحدث على الأرض السورية، لذلك فإن هذه الأجهزة الغربية ليست بعيدة عن مساعدتها لهذه العناصر في الذهاب الى سوريا. إضافة الى أنهم، في حال شكلوا خطراً فإن أجهزة الإستخبارات هذه قادرة على قمعهم وعدم السماح لهم بالذهاب الى سوريا، هذا إذا لم نقل مثلاً أنهم أوكلوا الى القوات النظامية السورية مهمة تصفيتهم والتخلص منهم داخل الأراضي السورية والتخلص منهم وأن لا يعودوا نهائياً الى بلادهم الغربية التي جاءوا منها، لأن تسهيل مرور مواطنين الى مناطق خطيرة يعني التضحية بهم...

الصنارة: ما إمكانيات الحل عبر إنفراج دولي وعقد "مؤتمر يالطا 2"؟

الأيوبي: المسألة السورية انتقلت اليوم من مسألة إصلاح النظام وتطويره وتغييره وهي باتت مطلباً سورياً داخلياً، الى مرحلة إعادة صياغة موازين قوى عالمية. ومسألة تقسيم سوريا صارت من ورائنا، فنحن أمام محاولة بناء وصياغة عالم جديد ثنائي ومتعدد القطبية، ولن تحل المسألة السورية بإصلاحات داخلية، وليس بحوار داخلي فقط وهو أمر ضروري لإعادة البناء الداخلي، والمشكلة السورية تحل أولاً بوقف منابع التسليح والتمويل للمسلحين وجلبهم الى طاولة التفاوض والحوار، وفي ظل استمرار التسليح والتمويل، ليس من مصلحتهم ان يكونوا على طاولة حوار، لأنهم يعرفون تماماً أن طاولة الحوار تعني نهاية دورهم ونهاية مصالحهم الإقتصادية والمالية، وأنا أتحدث عن قيادات مالية كبيرة تحرض السوريين على التمرد وعدم قبول طاولة الحوار. كذلك في النظام هناك قوى ليست لها مصلحة في وقف الحرب. هناك أناس لهم مصلحة باستمراريتها وبالإبقاء على سلطتهم العسكرية على المواطن السوري. ففي الجانبين هناك متطرفون ولكن كيف يتم الحل... لا تستطيع دولة ان توقف عقود تسليح أبرمت بين سلطتين شرعيتين، ولكن تستطيع أن توقف النزف عن طريق وقف التسليح للمسلحين غير الشرعيين وعن طريق وقف التمويل العسكري الضخم الذي يأتي عن طريق قطر والسعودية والإمدادات اللوجستية من تركيا، هذه تؤدي الى الحوار. لكن الحل هو في الإتفاق الروسي الأمريكي على حل في المنطقة، والإتفاق لا يعني سوريا وتركيبة نظامها، بل يعني مناطق النفوذ وطريقة توزيعها في العالم ككل وفي الشرق الأوسط.الصنارة: هل من الممكن أنيسلم أوباما بأن سوريا هي في منطقة النفوذ الروسية؟

الأيوبي: أوباما رجل براجماتي جداً ويعرف مصالحه، وقد حقق ما يريد ان يحققه في سوريا، وليس من مصلحته أن يعادي الروس أكثر في المنطقة.. فقد كانت سوريا العائق الكبير والدولة الكبرى الإستراتيجية في المنطقة. اليوم سوريا بلد جريح يلزمه الكثير من الوقت ليستعيد قوته ونفوذه ودوره. على الأقل عشر سنوات، ومهما كان السوريون قوميين ومعادين ومشروع مقاومة، هم سينشغلون بإعادة بناء ما تهدم من بنيان اقتصادي واجتماعي وسياسي في بلدهم، أي أن سوريا اليوم عليها أن تعيد بناء نفسها قبل أو تتطلع الى نفوذ كما كان يحصل في الماضي.

الصنارة: انت تعني أن هدف الإدارة الأمريكية وإسرائيل، إخراج سوريا الدولة من دائرة الصراع الإسرائيلي العربي قد تحقق ؟

الأيوبي: بالضبط، هذا ما تحقق لهم الآن. والولايات المتحدة حققت ما تريد دون أن تدفع أي شيء، لا من جنودها ولا من اقتصادها، بالعكس جنودها انسحبوا من العراق، واقتصادها آخذ بالنمو، وليس هناك من خطر أو مساءلة أمريكية لأوباما نفسه، لن تجد أمريكياً يسأل أوباما، ماذا فعلت بولدي؟!هم حققوا مبتغاهم مجاناً، وكذلك إسرائيل التي حاولت كثيراً ضرب سوريا وجرها الى حرب لكنها لم تستطع، ودفعت كثيراً جداً من اقتصادها ومن أبنائها لكنها لم تستطع جر سوريا الى أتون حرب مدمرة، اليوم حصلت اسرائيل وامريكا على ذلك اخرجتا سوريا من دائرة الصراع وهما مرتاحتان وبأموال عربية...

لذلك أقول إن الحل هو بالإتفاق الروسي الأمريكي القريب. لكن هذا الحل يلزمه حوار سوري لإعادة بناء سوريا.. لأن الأمريكان والروس لن يعيدوا بناء الدولة والبنى التحتية والمجتمع، وقد استمعنا اليوم لما قاله لافروف في اسطنبول والخلاف الكبير الذي لا يزال قائماً مع الأتراك.. وهنا يجب أن ننوه ان الخاسر الأكبر من الحل ستكون تركيا، لأنها خسرت موقعها الكبير في المنطقة، وهي اليوم تبتز حلفاءها للتعويض عليها مما حدث. السعوديون لن يعوضوها لأنهم ليسوا مع تركيا ولا يهمهم أن تكون تركيا قوية، بل على العكس هم يريدون تركيا ضعيفة كي لا تحل محلهم أو تهدد مكانتهم في المنطقة، ولم يبق لتركيا حلفاء الا قطر... لأن قطر تريد ان تستند الى دولة كبرى في المنطقة جغرافياً واقتصادياً... فهي اشترت قطعة من تركيا لتنفيذ مشروعها الغازي .

الصنارة: رغم الجراح والدمار،هل نرى ملامح بان تخرج سوريا النظام والرئيس بشار الأسد شخصياً، اقوياء في المنطقة؟

الأيوبي: أود أن أوضح أمراً غاية في الأهمية، نحن لا نبحث اليوم في قضية أو شأن النظام السوري.. فهذا النظام الذي كان قبل سنتين، انتهى... ولن يعود الأمر كما كان، وهناك نظام جديد تكوَّن وحصل في سوريا. ومن يزور دمشق اليوم ويلتقي مسؤوليها وقياداتها السياسية والأمنية والعسكرية يشعر أنها ليست هذه دمشق التي كان يعرفها سابقاً. مَن يستمع الى المواطن السوري اليوم في انتقاداته وفي حياته الديمقراطية ومساحة حرية التعبير في دمشق، لا يظن أن هذه هي دمشق التي كان يعرفها منذ عشر سنين، هناك تغيير واضح في ذهنية المواطن والمسؤولين في الدولة السورية، أي أن هذا النظام الذي كان سائداً قد تمّ التخلي عنه، ولكن ظروف الحرب الحقيقية الموجودة في سوريا تجعلنا لا نرى هذا الأمر، الا من زار دمشق واحتك بأهلها، وناسها وقياداتها. وبناء نظام جديد في سوريا، يتوافق ويشبه ويتناسب مع سوريا اليوم، يحتاج الى حوار كبير وعميق بين مكونات المجتمع السوري السياسي، وهذا بالإمكان القيام به وتنفيذه فقط في حال وقف الحرب. المطلوب اليوم وقف الحرب والنزف اليومي، هذا النزف اليومي لدى المواطن السوري والجيش السوري لا بد أن تكون له تأثيراته النفسية والإجتماعية على المجتمع السوري.

الصنارة: وستكون له تأثيرات على لبنان ودول الجوار الأخرى؟

الأيوبي: بالتأكيد.. فلبنان هو جزء من سوريا وسوريا جزء من لبنان اجتماعياً وسكانياً وشعبيًا هناك 60 ٪ من اللبنانيين يصاهرون للسوريين، وعائلات كاملة منقسمة بين سوري ولبناني، وأنا أُكبر بلبنان أنه الى الآن لا يزال صامداً أمام الأزمة في سوريا، رغم التبعيات، ما نشاهده من تداعيات الأزمة السورية في لبنان هو جزء يسير مما كان يجب ان يحصل.

الصنارة: وماذا ستكون إسقاطات المستقبل السوري على القضية الفلسطينية؟

الأيوبي: عندما تخلت القيادة الفلسطينية عن سوريا لم تعد هناك قضية فلسطينية، وبقيت قضية بعض الفلسطينيين أي تفصيل صغير، للأسف نقول ذلك، القضية الفلسطينية تلقت ضربة قاضية في أوسلو ثم انتهت هذه القضية ب"حماس"، وبعكس ما يقول بعض المحللين إن "حماس" هي التي أعادت إنتاج القضية الفلسطينية في العالم، أنا أقول لا. فالقضية الفلسطينية ليست قضية أديان ولا قضية طوائف. "حماس" صنيعة إسرائيلية لتحويل القضية الفلسطينية من قضية قومية إنسانية عامة الى قضية صراع ديني على منطقة جغرافية . أعتقد أن الفلسطينيين, وهذا كلام مؤسف وجارح ، الفلسطينيون خسروا كثيراً جداً بسقوط تحالفهم مع سوريا. كان عليهم أن يبقوا على تحالفهم مع سوريا لتبقى لهم قضية. لقد اختاروا تحالفاً آخر فاختاروا مساراً آخر لن يؤدي الى استرجاع الفلسطينيين لحصتهم في فلسطين، بل يؤدي الى استرجاع بعض الأفراد الفلسطينيين لبعض حقوقهم في السكن والعيش داخل أراضهم ليس كشعب حتى محتل، ولكن كأفراد تحت سلطة محتلة.

الصنارة: ألا ترى أنك متفائل جدًا بان يخرج من كل هذا السواد المارد السوري من جديد؟

الأيوبي: أنا أثق بالشعب السوري جداً وأحترمه جداً وعلمياً هذا الشعب يستطيع ان يخرج من الأزمة لكن ذلك يلزمه وقتاً طويلاً. فما تمّ تخريبه خلال سنين يلزمه عشرات السنين لكي يعود. وبالتأكيد انه لن يعود مثلما كان لأنه ليس مطلوباً ان يعود كما كان. اليوم الشعب السوري بحاجة ويفعل ذلك بكثير من الأفكار لإعادة بناء دولة، وليس إعادة إنتاج الدولة مثلما كان بل إعادة بناء دولة حديثة قوية قادرة وواضحة نابعة من الهوية الأصلية السورية وليست نابعة من هويات وهمية.. السوريون اليوم واقعيون أكثر في تعاطيهم مع بناء دولتهم العصرية الجديدة، وهو أمر بيد السوريين.

الصنارة: تتحدث برومانسية الثوري وعاطفته، ام بتجرد الباحث الأكاديمي... الى هذا الحد صدمتك الحالة السورية؟

الأيوبي: قلت قبل يومين على التلفزة السورية انني كثوري فقدت الأمل بهؤلاء الثوار، أقصد المعارضة، وأنا أستجدي الثورة الآن من الرئيس بشار الأسد، لأن الرئيس بشار الأسد ومَن حوله من قيادات واعون جداً للأزمة التي حصلت والجرح الذي حصل، وهم الأقدر اليوم على صناعة ثورة تقدمية حقيقية للشعب السوري، وعندهم الأفكار التقدمية التي تشبه كثيراً الأفكار التقدمية والثورية العالمية والتي أدت الى بناء دول كبرى واقتصاد قوي ومجتمع قوي متجانس وعلماني، أما الآخرون من "الثوار" حتى لا أقول "دعاة الثورة" فليست لديهم أي فكرة خلاّقة، ليست لديهم إلا النصرة بديلاً عن النظام العلماني ولا يستطيع أحد أن يقبل إطلاقاً أن يعود بنا الى زمن النصرة، فزمن حافظ الأسد وبشار الأسد هو زمن الثوار، وأشباه الثوار الآخرين يرفضونه. فكيف لنا أن نعود الى زمن ما قبل التاريخ!! ما يعرضه علينا اليوم القطريون والسعوديون هو العودة الى زمن التخلف، ويعتبرونه ثورة وصحوة وما الى ذلك. لا.. نحن نستجدي الثورة من بشار الأسد. نستجدي الثورة من إبن الحركة التصحيحية الذي تربى على حب بلاده وعلى العلمانية والمجتمع الحديث وان كان لا يطبقه كما نريد. لكن هذه أفكاره ونحن ندعوه أن ينفذ هذه الأفكار... نحن نعلم أن بشار الأسد بعثي وعروبي ووووو.. تعال ونفذ بعثيتك أنت كما تطرحها نظريات حزب البعث، لكن ماذا سيقول لنا أبو عبيدة الجولاني والزرقاوي وكل الأبوات الذين ملأوا الساحات؟؟؟؟.