تشهد الحدود السورية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا معارك بين فصائل التمرد المسلح، فيما يحدث تحول نوعي على مستوى خارطة هذه الفصائل وبشكل يوحي أن الصراع القائم لم يعد ينظر إلى "النظام السياسي" بل إلى مشهد مختلف يقدم على الأقل التصور الدولي لسورية ما بعد الأزمة، ومهما قللنا من أهمية هذا الاقتتال أو وضعناه ضمن التراجع داخل الحدث السوري لكن المعارك الحالية ستفرض شكلا مختلفا للعلاقات الإقليمية، وربما ستضع دمشق ضمن أضيق دائرة داخل هذه المعادلة الجديدة.

في المشهد العسكري هناك "تجميع للفصائل" وتشتيت للعملية السياسية، فبالقدر الذي خسر فيه "الائتلاف الوطني" من قدرته على التحكم ليصبح ضمن مجال ضيق، فإن "القادة الميدانيين" يظهرون اليوم ليس ضمن الفاعلية فقط بل أيضا في صورة "الوكيل" الحقيقي لضمان "الأدوار الإقليمية" داخل سورية، فالقتال اليوم يترك حالة من الفوضى على كافة المعابر الحدودية، والصراع عليها الذي يتخذ في الظاهر شكلا للسيطرة على طرق الامداد ربما ينتهي نحو إعادة رسم هذه المعابر وفق ثلاث خطوط أساسية:

التمرد المسلح
وكلاء الأدوار الإقليمية

الأولى – هو الانتقال في الملف السياسي السوري من الموضوع المركزي الحالي المتمثل بـ"الكيميائي" إلى ضمان أمن حدود دول الجوار من تسرب الإرهاب، فتركيا التي تغلق حدودها مع سورية، والأردن التي اتخذت إجراءات أمنية مشددة على البوابات الحدودية في "الرمتا" ستتعامل مع هذه الإجراءات في إطار "الحل السياسي"، ففتح المعابر أصبح يحتاج لعملية سياسية ربما تسبقها عمليات عسكرية لضمان الأمن في هذه المناطق.

الثاني – إعادة رسم مفهوم "المناطق الخضراء" التي ظهرت كفكرة في أول الأزمة كجغرافية محمية دوليا لتصبح اليوم موضوع المساوامات الأساسية مع الحكومة السورية، فالمسألة بالنسبة لتركيا والأردن مرتبطة بإعادة رسم التفاهمات مع دمشق، فرغم أن عمان وأنقرة كانتا عصب الدعم اللوجستي للتمرد المسلح لكن المعطيات اليوم هي في إغلاق هذا الدعم وفق تصور سياسي آخر يفرض علاقات مختلفة مع دمشق، فإذا كانت الحدود السياسية لن تتغير لكنها في نفس الوقت تتطلب أدوارا إقليمية من دول الجوار كي يتم إعاد الاستقرار لتلك المناطق.

الثالث – هو ما ستطلبه دول الجوار كي تدخل في العملية الكلية لإنهاء حالة الإرهاب، ولعودة اعداد كبير من "اللاجئين" محتجزين على الحدود في مخيمات هي أشبه بـ"المعتقلات"؛ لا شك بأن صفقات كبرى يمكن أن تظهر على خلفية الاتفاقات السياسية، فالتوازن الإقليمي القادم سيمر عبر تلك البوابات الحدودية وما ستحمله عواصم الجوار الجغرافي من "إجراءات" لضمان أمنها ولقبولها أيضا في الدخول بالعملية السياسية الكبرى.

مسألة داعش والنصرة والألوية الأخرى لم تعد تنقل "انهيار" التمرد المسلح بقدر ما تحمل بداخلها من انعكاس لـ"اقتسام" سياسي وسط حديث عن بدء التنقيب عن النفط في الساحل اللبناني، إضافة لحديث عن احتمال ظهور صراع بشأن النفط على الأخص أن "إسرائيل" متقدمة على باقي الدول يمراحل طويلة، فالصراع على الحدود السورية سينتهي سياسيا بتوزيع الأدوار الإقليمية من جديد وربما إزاحة الأزمة السورية باتجاهات أخرى، اقتصادية بالدرجة الأولى، دون أن يعني هذا الأمر أن سورية ستبقى دون أوراق، فالمهمة الأساسية لدمشق اليوم هي تكوين سياساتها كي لا تكون على هامش المستقبل