يرى الغرب ومعه غالبية أعضاء الإتلاف الوطني أن سورية تعيش ثورة حقيقية, وأن شعبها انتفض برمته ضد نظام ديكتاتوري, وأنه يتطلع للعيش في ظل نظام ديمقراطي مماثل لنظام للولايات المتحدة.

لكن سرعان ما تم دحض رؤية الأمور على هذا النحو من قبل كل من مجلس التعاون الخليجي, والمجلس الوطني والسوري, والجيش السوري الحر, الذين أثبتوا أن مشكلتهم ليست مع مسألة الحرية, كما يزعمون, بل مع شخص الرئيس بشار الأسد, وأنهم كانوا سيحافظون على المؤسسات الرسمية كما هي لو قبل الرئيس التنازل عن صلاحياته لأحد نوابه.

غير أن المقاتلين على الأرض دحضوا بدورهم هذه الفرضية مؤكدين للقاصي والداني أن مشكلتهم ليست مع شخص الرئيس, بل مع التسامح الذي يجسده الرئيس.

هدف هؤلاء المقاتلين يتمحور حول إقامة نظام حكم مطابق للنموذج الوهابي, تكون فيه الأقليات الدينية إما خاضعة, أو مدمرة, ويستبدل فيه الدستور بالشريعة.

أما الآخرون فيرون أن هذه الحرب كانت ألما طويلا, وأنها قد غيرتهم, كما غيرت المجتمع السوري.

في البداية, لم يكن السوريون يتابعون المحطات التلفزيونية الوطنية. لأنهم كانوا يعتبرونها قنوات دعاية رسمية, مفضلين عليها قناة الجزيرة, التي كانت تنقل لهم عبر بثها المباشر انتصارات "الثوار" في ميادين القتال, والجرائم التي يرتكبها "النظام الديكتاتوري".

لكن, مع مرور الوقت, وجد السوريون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع الأحداث, وأخذوا يرون بأم أعينهم الجرائم التي يرتكبها هؤلاء "الثوار" المزيفون, وأنهم مدينون بحياتهم في غالب الأحيان إلى جيش الوطن.

اليوم, يزداد اقبال السوريين على متابعة القنوات الوطنية, خصوصا منها القناة اللبنانية-العراقية, الميادين.

في البداية أيضا, كانت المعارضة المسلحة تدعي أنها متعددة الطوائف, وأنها مدعومة من أشخاص ينحدرون من غالبية الأقليات الدينية. ثم شهدنا كيف تأسست المحاكم الاسلامية التي شرعت بتنفيذ أحكام بالإعدام بحق "المسيئين" من السنة "الخائنين" لطائفتهم, ومن ثم اخضاع العلويين والشيعة لحفلات تعذيب في الساحات العامة, إضافة إلى تهجير المسيحيين من ديارهم.

اليوم, بتنا نعرف جميعا أن تهمة الكفر توجه لكل من يصدر بحقه حكم قضائي من قبل تكفيريين "أنقياء".

وبينما يجمع الكثير من المثقفين على أن سوريا قد تدمرت, وأنه سوف يترتب إعادة تعريفها, ثمة أناس لايزالون يعرفون من هي سورية, وهم مستعدون للموت من أجلها.

قبل عشر سنوات, كانت تبذل كل عائلة سورية قصارى جهدها لتجنيب أبنائها الالتحاق بخدمة العلم. وكان على أبناء الفقراء منهم التطوع في الجيش.

اليوم بات الأمر مختلفا. الكثير من الشبان يلتحقون بالجيش, فيما ينخرط الكهول في اللجان الشعبية.

قبل عشر سنوات أيضا, كان الناس يتحدثون همسا فيما بينهم عن ما يواجهونه من مشكلات مع أجهزة المخابرات التي تتدخل في كل شيء, وفي لاشيء.

في هذا البلد حيث لاتزال اسرائيل تحتل الجولان, تمتعت أجهزة الاستخبارات بسلطات مبالغ فيها, ومع ذلك فهم لم يستشعروا, ولم يسمعوا, ولم يروا أيا من التحضيرات للحرب المتمثلة بحفر الأنفاق, وإدخال الأسلحة.

اليوم, بعد أن فر عدد كبير من المسؤولين الفاسدين خارج البلاد, عادت أجهزة المخابرات لتركز جهودها على مهمتها في الدفاع عن الوطن, ووحدهم "الجهاديون" من بدأوا يتذمرون من ذلك.

قبل عشر سنوات أيضا, لم يكن أحد يتكلم بالسياسة في المقاهي, بل في المنازل الموصدة الأبواب, وبين الأهل والأصدقاء.

اليوم, جميع الناس يتحدثون بالسياسة, حصرا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة, وأبدا في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.

أين الديكتاتورية؟ وأين الديمقراطية من كل هذا؟

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


(JPEG - 26.2 كيليبايت)