جيوبوليتيكا : السيد ميسان, صربيا, وجنوب شرق أوروبا عموما, "غمرتهما" موجة تدفق المهاجرين. هل هي عملية عفوية أم أن هناك جهة مهتمة بترحيل قسم كبير من شعوب الشرق الأوسط, وأفغانستان, وبلدان أخرى, نحو القارة العجوز؟.

هل هناك من يرغب بحرمان الرئيس الأسد من تأييد شعبه له, عبر تحفيز الهجرة من سورية؟

تييري ميسان : لم يتوقع أحد ضخامة موجات الهجرة الحالية.إنها تأتي بشكل رئيسي من سورية, وأفغانستان, ومن القرن الأفريقي. وخلافا لما يزعم السياسيون في الغرب, بأن القادمين يبحثون عن مستوى معيشة أوروبية, أو أشخاص هاربون من عسف أنظمة ديكتاتورية. إنهم ببساطة بشر هاربون من المعارك لأن بلدانهم في حرب, سببها بشكل عام السياسات الغربية.

لم يستوعب السياسيون الأوروبيون بعد أن موجات الهجرة هذه, هي نتيجة لاستراتييجيات الولايات المتحدة منذ 2001.

واشنطن لاتسعى للهيمنة على هذه الدول, بل إلى تدميرها وفرض حالة فوضى تجعل من الصعب إعادة ترتيب أي شيء خارج ارادتها. إنها نظرية الفيلسوف ليو شتراوس الذي قام بتدريب العديد من المسؤ^p^pولين في وزارة الدفاع.

غير أنه بات واضحا للولايات المتحدة أن هذه الفوضى التي تخدم آنيا مصالحهم, لم تعد تحت السيطرة, وأخذت بالانتشار.

أعداد المهاجرين كبيرة الآن مما يمكنهم من زعزعة استقرار دول كانت تعتقد واشنطن أنها مستقرة.

يبدو أن ادارة أوباما قد أجرت مؤخرا تعديلات على خياراتها : التخلي عن نظرية الفوضى, والعودة إلى المواجهة الكلاسيكية للحرب الباردة. هكذا, على أي حال, أفسر تعيين James H. Baker جيمس باكر كاستراتيجي جديد لوزارة الدفاع, ونشر آشتون كارتر للاستراتيجية العسكرية الجديدة Military Strategy, وتصريحات الرئيس القادم لهيئة الأركان المشتركة, الجنرال جوزيف دنفورد, في آن معا.

هذا يعني أننا سنرى تراجعا في تدفق المهاجرين في السنوات القادمة. لكن الأمر سيستغرق سنتين على الأقل, حتى تتفاعل هذه الشعوب مع هذه المتغيرات الاستراتيجية. وبالتالي, سوف تتفاقم الأزمة الحالية, قبل أن يتم حلها ببطء.

جيوبوليتيكا : دوتشه فيله, ووسائل اعلام غربية أخرى تعلن, بسوء نية, عن قرب سقوط النظام في سورية. ماهو رأيك عن الوضع على الجبهة, والذي على مايبدو صار معقدا جدا؟. كيف يمكن مساعدة الجيش السوري, من الناحية العسكرية قبل أي شيء آخر بالتأكيد؟ وهل بوسع سورية أن تعول دائما على الدعم الروسي في السلاح, ومساعدة ايران, والعراق, ولبنان فيما يخص العنصر البشري؟

تييري ميسان : وسائل الاعلام الغربية تتناول الأحلام الاسرائيلية كوقائع. لم يمض أسبوع, على مدى أربع سنوات ماضية, دون أن يعلنوا عن سقوط وشيك "للنظام".

وفي الواقع, كان الوضع حرجا في سورية منتصف عام 2012, أما الآن فهو تحت السيطرة تماما.

من أصل 23 مليون سوري, ثمة 3 إلى 4 مليون منهم, أصبحو لاجئين في الخارج. 18 إلى 19 مليونا يؤيدون الجمهورية العربية السورية, مقابل 500 ألف ممن يدعمون الجهاديين.

وسائل الاعلام الغربية تخفي هذه الحقائق حين تنشر خرائط سخيفة عن "مناطق محررة" من قبل الجهاديين.

لهذا, صمم الجيش العربي السوري على حماية المدن فقط, والتخلي عن البادية التي تمثل أكثر من نصف مساحة البلاد.

من جانبها, تمسك الدولة الاسلامية بثلاث مدن وبعض الطرق التي تعبر البادية. وسائل الاعلام الغربية توحي بأن الدولة الاسلامية تسيطر على كل البادية. هذا مثير للضحك تماما.

لقد ربحت سورية الحرب. لكن الأحداث الحالية سوف تستمر, طالما يوجد هناك من يرسل المرتزقة, والأموال والسلاح للجهاديين. كان ينبغي منطقيا أن تتوقف الحرب بعد توقيع الاتفاق الثنائي السري بين الولايات المتحدة وايران, بالتوازي مع اتفاق متعدد الأطراف ل 5+1 حول الملف النووي.

فيما يتعلق بالتحالفات, فإن تقسيم البريطانيين والفرنسيين عام 1916 لسورية التاريخية من خلال (اتفاقية سايكس-بيكو) بالنسبة لكثير من سكان الشرق الأوسط خلق دولا جديدة, لكنه لم يغير شعوب المنطقة. كثير من اللبنانيين يرون أنفسهم كشعب واحد مع السوريين. هذا الشعور موجود, بنسبة أقل في الأردن وفلسطين.

حين أتى حزب الله للقتال في سورية, أكد أن تدخله ليس حماية لسورية, بل للبنان. الآن نرى أنه كان على حق : لو لم يٌؤمن حزب الله الحدود السورية – اللبنانية, من الجانب السوري, لكان لبنان تحت اجتياح الحرب الآن.

أما بالنسبة لروسيا, فقد حمت دائما سورية, في كل مرة تعرض وجودها للخطر, وستواصل القيام بذلك. لكن من السذاجة الاعتقاد أن موسكو يمكنها أن تفعل أكثر من ذلك. لقد دعمت سورية ونوفوروسيا على قدم وساق في مجلس الأمن, دون أن تتدخل مباشرة في القتال, سواء في سورية, أوفي نوفوروسيا, لدرجة أنها رفضت تقديم أسلحة أساسية لهما, مثل صور الأقمار الصناعية, أو أجهزة للكشف عن الأنفاق(1).

لقد تغيرت ايران خلال الحرب. في البداية, وفي عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد, كان الايرانيون على استعداد للموت من أجل المثل الأعلى المعادي للامبريالية.

أما اليوم, فهم مع الشيخ حسن روحاني, يفكرون في الاندماج بالتجارة الدولية, وتوسيع منطقة نفوذهم. ستستمر طهران إذن بدعم دمشق, لكن من الحيوي جدا بالنسبة لسورية ايجاد حلفاء جدد, قبل أن تخضع للسيطرة الفارسية.

جيوبوليتيكا : ماهي حقيقة الدولة الاسلامية التي ترتكب جرائم مروعة؟ وعلى الجانب الآخر, من ساعد على أن يتحول هذا التشكيل العسكري, شبه الدولة, إلى مولود متوحش, يغزو أجزاء كبيرة من عدة دول؟ من أعطاهم السلاح, وزودهم بالمؤن؟

تييري ميسان : الدولة الاسلامية, مشروع أمريكي, سار بشكل ممتاز, لكنه بات يعيقهم الآن.

في البداية, كان الهدف, تقسيم العراق من خلال انشاء دولة سنية (الخلافة الحالية) وكردستان (الذي لن يرى النور في نهاية المطاف), وفقا لخريطة روبن رايت, التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في 2013.

كان مٌعدا لهذه الدول الجديدة أن تقطع خط الاتصال الذي يصل, من جهة, بين ايران, وسورية, ولبنان, ومن جهة أخرى, فلسطين. ولكي يتم انشاء هذه الدول, كان ينبغي فصل شعوبها عن بعضها البعض, كماحصل في يوغسلافيا.

كان من المتعذر على الجيش الأمريكي القيام بذلك, لأنه جريمة ضد الانسانية. الأمر الذي جعلهم يلجأون لمنظمة غير حكومية, الامارة الاسلامية.

نحن نملك وثائق, غير كاملة بالتأكيد, لكنها كافية ليٌستًنتجَ منها أن الامارة الاسلامية بشكلها الحالي, هي من صنع واشنطن, وتمويل السعودية, ومساعدة اسرائيل.

غير أن الولايات المتحدة, لم تعد تعرف الآن كيف تتعامل مع هذه المنظمة, التي طرأت عليها تطورات عديدة, وأضحت قيادتها تُدار من قبل تركيا.

تتبنى الامارة الاسلامية أيديولوجيا تكفيرية, أي أنها ترتكز إلى مصطفى شكري كمرجعية من مفكري الأخوان المسلمين, فتكفر كل من لايشاطرها تفسيرها الطائفي للاسلام. تحددت استراتيجيتها في كتاب نشر عام 2004 تحت عنوان, إدارة التوحش Le Management de la sauvagerie , وهو كتاب موقع باسم مستعار, تظهر فيه البنية الفكرية الغربية بكل وضوح.

حين انشاءها عام 2006, كانت مجرد منظمة عشائرية, مؤلفة من ست عشائر سنية عراقية, ومقاتلين ليبيين من تنظيم القاعدة في العراق. لكن منذ إعادة تنظيمها في شهر أيار-مايو 2014, دمجت المنظمة في صفوفها ضباطا سابقين من عهد صدام حسين, ممن لهم روابط مع السعودية, ودعموا محاولة انقلاب الأخوان المسلمين عام 1982 في سورية.

هذه المنظمة, تٌذكرُنا بمجاهدي خلق الايرانية التي لجأت للعراق فاستخدمها صدام حسين لمآربه الخسيسة.

جيوبوليتيكا : أنتم تنظرون إلى الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران بوصفه محاولة لاتفاق أوسع بين واشنطن وطهران. ماهي العواقب التي سوف تترتب على الشرق الأوسط؟.

تييري ميسان : بتوقيع هذا الاتفاق, لم تعد جمهورية ايران الاسلامية تعني, مايعنيه اسمها.

حسب الامام الخميني كلمة "اسلامي" تعني بنفس الوقت, الدين الاسلامي, والنضال ضد الظلم, أي, ضد الامبريالية.

من الآن فصاعدا, ستستعيد ايران الدور الذي كانت تلعبه في عهد الشاه, دور "الشرطي الاقليمي" لحساب واشنطن. فكلمة "اسلامي" لن تعني بعد الآن إلا "الدين الاسلامي".
من ناحية, فهو خبر طيب للشعب الايراني, لأنه سيسمح لهم بوقف اطلاق نار لعشر سنوات قادمة.

ومن ناحية أخرى, إنه كارثة, لأن هذا السلام غير عادل, وهؤلاء المناضلين ضد الظلم, سوف يكونوا وحيدين.

جيوبوليتيكا : مقالتكم حول التعاون السري بين المملكة العربية السعودية واسرائيل مثيرة للغاية. ماهو الغرض من هذا التعاون, وفي المجال التآمري, أين تتقاطع مصالح هذين الخصمين الكبيرين؟

تييري ميسان : اسرائيل والسعودية لم يعودا خصمين, بل حليفين عسكريين. لقد نفذا الهجوم على اليمن معا. هيئة أركان القوة العربية المشتركة ليست في الرياض, بل في هرجيسا, بجزء من أرض الصومال, Somaliland. دولة غير معترف بها رسميا, وهي مستعمرة اسرائيلية, تقع في أفريقيا, بالقرب من جيبوتي. المقاتلات السعودية يقودها بشكل رئيسي جنود اسرائيليون. حتى أن اسرائيل زودت هذه الطائرات بقنبلة نيوترونية أدت إلى مقتل الكثير من اليمنيين وسط صمت مطبق من"المجتمع الدولي".

بمقتضى استراتيجية الأمن القومي الأمريكي National Security Strategy, لباراك أوباما, فإن أمن اسرائيل, بمجرد انسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط, ونقلها إلى الشرق الأقصى, ستؤمنه "القوة العربية المشتركة" تحت رعاية جامعة الدول العربية, ولكن تحت القيادة الاسرائيلية.

سوف يستمر التعاون بين تل أبيب والرياض طوال العقد القادم مع استغلال حقول نفط الربع الخالي, المتواجدة بشكل رئيسي باليمن, وحقول أوغادن بأثيوبيا. ضمن هذا المنظور, سوف يترتب على مجموعة بن لادن السعودية بناء جسر ضخم فوق مضيق باب المندب, يربط عدن بجيبوتي.

جيوبوليتيكا : هل الجنرال السيسي وجيشه يقاومون بنجاح في مصر, وهل التحالف البريطاني-الأمريكي-القطري الذي يدعم الأخوان المسلمين تعرض لهزيمة في وادي النيل؟

تييري ميسان : المشروع الرامي إلى تنصيب المجتمع السري لجماعة الأخوان المسلمين في السلطة, في كل مكان في العالم العربي, فشل. فقد أضاعوا مصر, وتونس, وتم تكنيسهم نهائيا من سورية, وفشلوا في تنفيذ انقلاب في السعودية, ولايستطيعون فرض أنفسهم في ليبيا.

في البداية كان الأخوان المسلمون يتلقون الدعم من قطر, الآن تدعمهم تركيا.

..مسار خالد مشعل في هذا الاطار هو رمز بحد ذاته. هذا الزعيم الحمساوي الذي كان يجسد المقاومة ضد اسرائيل, بعد أن أفسدت تل أبيب قيادات من فتح, وتوصلت إلى أن تضع السم لياسر عرفات. كان مشعل حينذاك لاجئا في سورية حيث كان يتمتع فيها بدعم لامحدود.

عام 2012, وظنا منه أن الرياح قد غيرت اتجاهها, وأن جماعة الأخوان على وشك الفوز, بفضل دعم الولايات المتحدة لهم, أخذ قراره بمغادرة دمشق, وذهب ليستقر عند واحد من أعداء سورية, قطر.

لقد جعل من حماس فرعا فلسطينيا للأخوان المسلمين, وتحالف, في نفس الوقت, مع القاعدة واسرائيل, لكي يفوز بمخيم اليرموك الفلسطيني في ريف دمشق, ويقتل قادة الفصائل الفلسطينية الأخرى في المخيم.

لكنه خسر. يقضي حاليا معظم وقته في تركيا, متمنيا أن يٌنسى من ذاكرة الناس. خيانته مأساة للفلسطينيين.

الجنرال عبد الفتاح السيسي ليس حرا. بلده مدمر اقتصاديا, ولكي يطعم شعبه, فإنه يحتاج لمساعدة السعودية. لذا, فهو مجبر على المشاركة في الحرب على اليمن, في معسكر ليس معسكره, ولايستطيع أن يأتي لنجدة سورية.

جيوبوليتيكا : أعلنتم في شهر ديسمبر الماضي عن قرب سقوط الرئيس القاهر رجب طيب أردوغان من خلال نشر حقائق صادمة من سيرته الذاتية.. ماهي العلاقة بين حزب العدالة والتنمية التركي, وجماعة الأخوان المسلمين؟ ماذا حصل بالفعل بعد الهجوم الغامض ضد الأمير بندر بن سلطان؟

تييري ميسان : رجب طيب أردوغان ليس سياسيا, بل مجرم صغير سابق, حقق نجاحا في السياسة. ليس لديه استراتيجية, بل مجرد حلم- تأسيس امبراطورية تركية جديدة- وشعور عظيم بالانتهازية.

بعد ترك سفارة الولايات المتحدة تحكم بلده على مدى سنوات خلت, مضى إلى الحرب على ليبيا, على الرغم من أن هذا البلد كان شريكا اقتصاديا مهما لتركيا. ثم استفاد من زوال الأمير السعودي بندر بن سلطان ليستحوز على كل الشبكات الجهادية في العالم.

قضى بندر نحو أكثر من سنة في المستشفى متأثرا بجراحه, عقب الهجوم الذي تعرض له, انتقاما لاغتيال أعضاء مجلس الأمن القومي السوري.

استفاد أيضا من خلع أمير قطر كي يسترد حق الاشراف على جماعة الأخوان المسلمين. لذلك هو اليوم عراب الجماعة السرية, والقائد الفعلي للامارة الاسلامية, في نفس الوقت.

ثملا من نجاحاته, استولى على خط أنابيب Turkish Stream, حين جاء الرئيس فلاديمير بوتين ليقترح عليه بناءه في شهر كانون أول-ديسمبر الماضي.

من المؤكد أن ذلك كان خطأ جسيما, وبناء على ذلك أصبح الشريك الاقتصادي المفضل لدى روسيا, مع بقائه, من خلال حلف شمال الأطلسي, حليفا عسكريا للولايات المتحدة.

لهذا السبب توقعت على الفور هزيمته.

في الواقع, أعادت السفارة الأمريكية في أنقرة تنظيم المعارضة التركية, فخسر الانتخابات. فإما أن يجد مخرجا مشرفا-وهذا ماقد يكلفه غاليا- أو أن يرحل (2).

جيوبوليتيكا : ماهو رأيكم بالأوضاع في أوكرانيا التي اصبحت سببا لمواجهة متزايدة الأهمية بين روسيا والغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)؟ مارأيكم بسياسة روسيا على الصعيدين, المحلي والدولي, حيال العالم, خصوصا مايتعلق منها بالعقوبات التي فرضها الغرب على موسكو؟ الكثير من الناس يعتقدون أن أوكرانيا, هي انتقام الولايات المتحدة من روسي,ا في الموضوع السوري.

تييري ميسان : ليس لدى الولايات المتحدة ماتفعله مع أوكرانيا, سوى أن تحيلها بلدا مدمرا وفاسدا. لم ترغب يوما باندماجها في الاتحاد الأوروبي. رتبت لهم مسرحية ساحة الميدان, ليس بهدف تنصيب بيترو بوروشينكو في السلطة, بل لتدمير الدولة. وهذا ماتوصلوا إليه فعلا. الأوضاع الحالية في دونباس ودونيسك تناسبهم الآن تماما.

إن تدمير الدولة الأوكرانية, مثلما دٌمرت الدولة العراقية, يتفق مع استراتيجياتهم الكبرى : الابقاء على تفوقهم العالمي من خلال منع الاتحاد الأوروبي, وروسيا, والصين من منافستهم. للقيام بذلك, عليهم أولا, السيطرة على "المساحات المشتركة"- المحيطات, الهواء, والفضاء الالكتروني-, ثانيا, قطع الطرق القارية الممكنة. تدمير الدولة العراقية, يعني قطع "طريق الحرير" الذي يربط الصين بالبحر المتوسط. تدمير الدولة الأوكرانية, يعني قطع لمشروع الممر بين بكين-برلين الذي, من أجله, أنشأت الصين مصرف الاستثمار الآسيوي العملاق للبنية التحتية (AIIB).

لاشك أن توحيد القرم مع روسيا, كان صفعة لواشنطن, وسيكون من الممكن دائما اغلاق البوسفور والدردنيل. ولن يغير ذلك شيئا على نطاق عالمي.

جيوبوليتيكا : حاولت بريطاني,ا إضافة إلى بلدان غربية أخرى, تمرير قرار في الأمم المتحدة حول سربرينيتشا, الموجه مباشرة ضد صربيا, وصرب البوسنة والهرسك, فمنعته روسيا باستخدام حق النقض. مارأيكم في الأوضاع بالبلقان, لاسيما في مقدونيا, ولماذا لاتزال صربيا هدفا لضغوط لانهائية, حتى لو كانت كل الحكومات في بلغراد, منذ انقلاب عام 2000 وإزالة سلوبودان ميلوزوفيتش, قدمت تنازلات هائلة لمطالب الغرب؟

تييري ميسان : الغرب متخصص بإعادة كتابة التاريخ. مجزرة سريبرينيتشا هي بلا أدنى شك إبادة جماعية, لكن ليس الصرب أول من بدأ بالتطهير العرقي في يوغسلافيا.

في عالم طبيعي, ينبغي علينا أن ندين الشعب الكرواتي, والبوسني, والصربي, الذين ارتكبوا إبادات جماعية.

قد ينبغي, مع ذلك, أن نقر للجميع بظروف مخففة. لأن الجنون الذي عصف بيوغسلافيا تم حقنه من قبل الولايات المتحدة.

في تلك الأثناء, كانت وزارة الدفاع الأميركية تعتبر هذا البلد "مختبرا" يمكنها أن تجرب فيه امكانية خلق حرب أهلية من العدم.

القرار الذي فشل في مجلس الأمن يٌبينٌ, مرة أخرى, أن الغرب لايريد إلا إدانة الصرب, لأنهم أرثودوكس وثقافتهم, قريبة من روسيا.

في كل الأحوال, هذا ليس من أولويات واشنطن. مايجعل الولايات المتحدة تتحرك الآن في البلقان, هو مشروع مد أنابيب نقل الغاز الروسي. وللاعتراض عليه, سرَب الجنرال ديفيد بترايوس للاعلام الصربي أن الرئيسة الكرواتية, كوليندا غرابار-كيتاروفيتش, تدعم استقلال فويفودينيا, وأن وكالة الاستخبارات المركزية سعت لتنظيم انقلاب في مقدونيا.

علاوة على ذلك, لاتزال منطقة البلقان القاعدة الارهابية الوحيدة في اوروبا.

في بداية الحرب ضد سورية, نظمت تركيا تدريب جهاديين من القاعدة في كوسوفو.

تمتلك داعش في الوقت الحالي معسكرات تدريب في البوسنة

جيوبوليتيكا : مارأيكم بحضور وطنكم, فرنسا, في الشرق الأوسط, بسياستها التي تميزت منذ بداية الحرب على سورية, بدعمها الواضح "للمتمردين"؟ هل سياسة الخارجية الفرنسية المتعلقة بالشرق الأوسط وأوروبا بدأت بالتحسن وامتلاك هويتها الخاصة, والاقتراب من التقاليد الدبلوماسية التي كانت تتمتع بها على امتداد تاريخ الجمهورية الفرنسية؟

تييري ميسان : للأسف, سياسة نيوكولا ساركوزي وفرانسوا أولاند تلبي مصالح فئة صغيرة من الرأسماليين الفرنسيين الذين يبقون في الظل. هؤلاء الأشخاص هم الذين حرضوا على التدخل العسكري في ساحل العاج, وليبيا, وسورية, ومالي, وأفريقيا الوسطى, لدرجة استنتج فيها الفرنسيون أن كلا الرئيسين قد انتهجا السياسة نفسها, سواء في الخارج, أو في الداخل, على صعيد الدفاع أو الاقتصاد. لكنهم لم يفهموا حتى الآن من يمسك خيوط اللعبة.

لكن, هناك مع ذلك مسؤولين كبارا مثل الأمين العام لقصر الاليزيه, جان بيير جوييه, أو رئيس هيئة الأركان الشخصية التابعة للرئيس, الجنرال بنوا بيغا, الذين بقوا في مناصبهم على الرغم من الاقتراع الشعبي والانتقال من "الجمهوريين" إلى "الاشتراكيين".

أيضا, يتمتع الرئيسان داخل الثلة الحميمية الضيقة لكل واحد منها, بأصدقاء مشتركين مثل الكونت هنري دوكاستري, رئيس شركات تأمين آكسا, ومجموعة بلدربيرغ.

هؤلاء الأشخاص تحديدا, وليس الأحزاب السياسية, هم الذين يصنعون سياسات فرنسا المعادية للفرنسيين.

في القرن التاسع عشر, شهدنا وضعا مماثلا لمجموعة صغيرة من كبار القيادات, رجال سياسة وعسكريون, اختلطت فيها شخصيات من اليمين واليسار, كانوا يسمون أنفسهم "حزب الاستعمار". بعد أن شبع هؤلاء من استغلال الطبقة العاملة, ذهبوا لغزو شمال أفريقيا, والصين...وسورية.

جيوبوليتيكا : أخيرا, سيد ميسان, ليس بوسعنا أن نقاوم, لأننا نعلم حجم المعرفة والبصيرة التي تمتلكونها, في أن نسألكم عن رأيكم في الاستفتاء الذي جرى في اليونان, وكذلك مصير المفاوضات بين أثينا وبروكسل حول تمويل الديون اليونانية.

تييري ميسان : لم يكن لدى اليونانيين أي خيار. تمنعهم المعاهدات من مغادرة اليورو, دون مغادرة الاتحاد الأوروبي, والولايات المتحدة كانت تمنعهم من مغادرة الاتحاد. كلنا نذكر انقلاب عام 1967, و 1974 في قبرص.

حصلت حكومة تسيبرا في البداية على أغلبية واسعة جدا, تمكنها من رفض خطة الترويكا, لكن تسيبرا قبل الخطة نفسها مقابل مساعدة قدرها 83 مليار يورو, فاوضت عليها الولايات المتحدة من أجله.

الرأي العام لايفهم شيئا مما حصل, وأليكسي تسيبرا لايستطيع أن يفعل أفضل منهم. تم سحق اليونان من قبل شركائه الأوروبيين, الذين ينتابهم ذعر شديد من التحرر-أريد أن أقول بأن يجدوا أنفسهم من دون أغلال الاتحاد الأوروبي- وأن يقبلوا كل شيء, وأي شيء تقدمه ألمانيا.

في كل الأحوال, حكومة ميركل تدافع عن مباديء الرأسمالية العالمية الحالية. إنها تستغل بطريقة بشعة طبقتها العاملة, التي تراجعت قدرتها الشرائية, وصارت تتصرف الآن بلا اكتراث للعواقب الانسانية لليونان.

جيوبوليتيكا : شكرا جزيلا لهذه المقابلة, ولوقتك.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
Geopolitika (Serbie) ">Geopolitika (Serbie)