دعت مجلة " ناشيونال أنترست" الأسبوع الماضي، المرشح دونالد ترامب ليلقي أول كلمة له في السياسة الخارجية.

تنحدر هذه المجلة من مركز نيكسون، الذي يجمع بدوره كل من بقي حيا من فريق هنري كيسنجر.

فاجأ هذا "الدونالد" الجميع، حين لم ينتزع مواقف حول مختلف القضايا، لإرضاء هذا اللوبي أو ذاك، وانصرف إلى تقديم تحليل فعلي لسياسة الولايات المتحدة، مقدما وصفا تاما لإصلاحها.

وفقا له، إنه لخطأ جسيم محاولة تصدير النموذج الديمقراطي الغربي بالقوة، لشعوب ليس لديها أي مصلحة بذلك. ثم انتقل إلى توجيه نقد لاذع لفكر المحافظين الجدد، الذين يحتكرون السلطة منذ انقلاب 11 أيلول-سبتمبر 2001.

من هنا، بتنا نفهم على نحو أفضل، لماذا تم تنظيم هذا المشهد من قبل أصدقاء هنري كيسنجر، أنصار "الواقعية" السياسية، كبش فداء المحافظين الجدد.

ثم بعد أن ندد بالأضرار البشرية والاقتصادية الهائلة للبلدان المعنية، والولايات المتحدة على حد سواء، عرًج بهجوم غير مباشر على "المجمع الصناعي-العسكري"، مشككاً بجدوى كثرة الأسلحة في العالم، عموما.

لم ينخدع أحد بذلك : للمرة الأولى، منذ اغتيال جون كينيدي، يندد مرشح للرئاسة بالسلطة المطلقة لأصحاب مصانع السلاح، الذين ابتلعوا تقريبا كل الصناعات الأمريكية الأخرى.

لقطع الطريق على ترامب، رتًب الحزب الجمهوري تحالفاً بين تيد كروز، وجون كاسيتش، المرشح الأخير في السباق الرئاسي.

تقبًل الطرفان فكرة الانسحاب من السباق الرئاسي، والتحالف معا، لمنع ترامب من الحصول على الأغلبية المطلقة من المندوبين إلى المؤتمر، مما يخول الحزب أن يقترح أثناء انعقاد مؤتمره مرشحا جديداً، لم يكشف عن اسمه علنا حتى الآن.

بناءً على ذلك، تم انجاز استطلاعات رأي سرية، وجمع الأموال، وتشكيل فريق ليقود الحملة الانتخابية حول الجنرال جيمس ماتيس، على الرغم من أنه أقسم ذات يوم باليد اليمنى فوق القلب، عدم تطلعه لاحتراف السياسة.

مع ذلك، من الواضح أن الرئيس السابق للقيادة المركزية سيسرُه رؤية نفسه أيزنهاور آخر.

عام 1952، لم يشارك الضابط المنتصر في الحرب العالمية الثانية في الانتخابات التمهيدية، لأنه كان لايزال قائدا للقوات الأمريكية في أوروبا. اندس أيزنهاور في نهاية المنافسة تقريبا، وتم تعيينه بأغلبية ساحقة من قبل مؤتمر الحزب الجمهوري، لتمثيله في الانتخابات.

جاء الجنرال ماتيس إلى واشنطن كباحث في معهد هوفر ليجري مشاورات، فألقى محاضرة في مركز الدراسات الإستراتجية. هذا المركز الفكري الذي كان بشكل تقليدي مقربا من الصناعات البترولية، صار الآن ممولا بشكل رئيسي من قبل السعودية.

بعد إعلانه عن مستقبل "فظيع" للشرق الأوسط، انخرط في التنديد بالخطر الذي تشكله الثورة الإيرانية، ودعا إلى الحرب ضدها.

أخذ على عاتقه، بموجب ذلك، البرنامج الذي اضطر كل من الرئيس جورج بوش الإبن، ونائبه ديك تشيني على التراجع عنه، أمام نبذ جنرالاتهم الآخرين له.

المواجهة التي تلوح في الأفق حاليا، تضع من ناحية، أنصار الواقعية السياسية لهنري كيسنجر، المتعلقين بمبادئ السلام لويستفاليا، أي بنظام دولي قائم على الدول القومية، في مواجهة أنصار الديمقراطية الشاملة للمحافظين الجدد، القائمة على تدمير الهويات القومية، وفرض نظام حكم عالمي.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan 2388
(PDF - 149.1 كيليبايت)