خلال السنوات الأخيرة القليلة الماضية، دأبت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا على اتباع ممارسة خطرة تتمثل في تحدي القانون والنظام الدوليين من خلال السماح لفرادى المتقاضين بإقامة دعاوى مدنية أمام محاكم محلية في الولايات المتحدة ضد دول ذات سيادة، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية، بل في الواقع تحريضهم على القيام بذلك. فقد نظمت محاكمات غيابيا؛ وصدرت أحكام غيابية تخدم أغراض ذاتية؛ وتمت المطالبة بأصول تخص الشعب الإيراني. وإذ أنها تدرك تماما أن أي دولة تحترم نفسها، وبالأخص إيران، ترفص الخضوع بتاتا للولاية القضائية لمحاكم محلية لدولة أخرى، فقد جمعت الولايات المتحدة بلايين الدولارات من جراء أحكام غيابية غير قانونية وخاطئة من حيث الوقائع صدرت ضد جمهورية إيران الإسلامية وأجهزتها.

فقد جمدت السلطة التنفيذية للولايات المتحدة أصولا وطنية إيرانية بصورة غير قانونية؛ وتقوم السلطة التشريعية للولايات المتحدة بوضع تشريعات تمهيدا للاستيلاء عليها بشكل غير مشروع؛ وتصدر السلطة القضائية للولايات المتحدة أحكاما لمصادرة الأصول الإيرانية لا أساس لها في القانون أو الواقع. ويمكن قياس صحة النظام القضائي في الولايات المتحدة ومصداقيته، عندما يتعلق الأمر بمعاملته لإيران، استنادا إلى الحكم الذي صدر مؤخرا عن محكمة محلية في نيويورك قضى بأن تدفع إيران ما يزيد عن 10.5 بلايين دولار للتعويض عن الأضرار لأسر ضحايا الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول/سبتمبر 2001، مدعية رغم كل الدلائل التي تشير إلى عكس ذلك وما يمليه المنطق السليم أن إيران ”قدمت دعما نشطا إلى مرتكبي الهجمات“. وإن هذا الادعاء السخيف - الذي صدر للأسف ليس عن رجل سياسي بل عن ما يسمى محكمة - يتنافى وسبعة بيانات عامة، فضلا عن النتائج، المعلنة أو التي هي طي الكتمان، للتحقيقات التي أجراها كل من حكومة الولايات المتحدة وكونغرس الولايات المتحدة. والمفارقة هي أن المحكمة نفسها أعفت المذنبين الحقيقيين من أي مسؤولية وأصدرت حكما ضد إيران التي كانت ضحية الجماعة الإرهابية نفسها والتي تصدرت باستمرار الجهود الدولية المبذولة ضدها وضد تنظيماتها الشقيقة المتطرفة التكفيرية.

وباختصار، فإن الولايات المتحدة قامت، في خرق صارخ لأهم مبادئ القانون الدولي بل وبما يتعارض مع الواقع، بوضع خطة شبه قانونية تخضع بموجبها الأصول الإيرانية المودعة لدى مصارف الولايات المتحدة والمصارف الأجنبية، بل حتى الممتلكات الثقافية الإيرانية المحتفظ بها على سبيل الإعارة في المتاحف الأمريكية، لأحكام باطلة وإجراءات تحصيل غير قانونية.

ويمثل مبدأ حصانة الدول زاوية الأساس للنظام القانوني الدولي وقاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، وقد جرى تدوينه مؤخرا في اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية. وقد أقر أيضا بأهميته مجتمع الأمم وجميع النظم القانونية ومحكمة العدل الدولية. وفيما عدا ما يتصل بـ ”النشاط التجاري“، وهو الاستثناء الوحيد الممكن والمسموح به، إن أي دعوى ترفع ضد دولة ذات سيادة يجب أن تتم وفقا للآليات المنصوص عليها في الاتفاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف أو من خلال المحاكم أو الهيئات القضائية الدولية، حسب الاقتضاء.

ومما يثير القلق البالغ أن كونغرس الولايات المتحدة، إلى جانب فروع حكومة الولايات المتحدة الأخرى، يعتقد على ما يبدو أن بإمكانه أن يتحدى وينتهك بسهولة مبدأ حصانة الدول الأساسي من خلال رفع الحصانة من جانب واحد عن الدول وحتى عن المصارف المركزية، بما يتعارض تماما مع الالتزامات الدولية للولايات المتحدة وبمقتضى فقه قانوني لا أساس له ولا يعترف به المجتمع الدولي.

ونظرا لما لهذه الممارسات من آثار ضارة في سلامة النظام العام الدولي، أود أن أنبهكم، وبواسطتكم، أن أنبه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالآثار الكارثية لاستخفاف الولايات المتحدة السافر بحصانة الدول، مما قد يؤدي إلى المساس المنهجي بهذا المبدأ الأساسي.

وترفض جمهورية إيران الإسلامية القرارات غير القانونية الصادرة عن محاكم الولايات المتحدة في هذا الصدد، بما في ذلك الحكم الذي أذن بمصادرة حوالي 1.8 بليون دولار من الأصول التي يملكها مصرف إيران المركزي لصالح فرادى المتقاضين. فإن مجمل إجراءات المحكمة التي أدت إلى صدور هذا الحكم مؤخرا كانت زائفة ومثيرة للريبة وتمثل تنكرا للعدالة بكل ما للقانون والاختصاص والوجاهة والوقائع وأصول المحاكمات من معنى. ومن الواضح أن ذلك يشكل فعلا غير مشروع دوليا تترتب عليه مسؤولية دولية بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة ينبغي أن تساءل عنها. وتعتبر جمهورية إيران الإسلامية أن الولايات المتحدة مسؤولة عن عملية السطو المشينة هذه المستترة وراء أمر قضائي، وهي مصممة على اتخاذ كل التدابير القانونية لاستعادة الممتلكات المسروقة والفائدة المستحقة عليها من التاريخ الذي جمدتها فيه الولايات المتحدة.

ففي الواقع، يتعين على الولايات المتحدة أن تدفع تعويضات طال انتظارها للشعب الإيراني من جراء سياساتها العدائية المستمرة. فإن هذه السياسات والإجراءات غير المشروعة التي تستهدف بها الولايات المتحدة الشعب الإيراني والتي تترتب عليها مسؤولية دولية تقر بها الولايات المتحدة بنفسها وتستند إلى أدلة تاريخية قوية وليس إلى افتراءات تافهة. فهي تشمل الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطيا في عام 1953، وتوفير الدعم والرعاية النشطين للحكم الديكتاتوري العنيف الذي جاء نتيجة ذلك، ومساعدته في ارتكاب الجرائم وتحريضه على ارتكابها، بما في ذلك أعمال التعذيب التي ارتكبها جهاز المخابرات سافاك، الذي أنشأته الولايات المتحدة ووفرت له التدريب، ضد الشعب الإيراني من عام 1953 إلى عام 1979، والقيام بنشاط بتزويد صدام حسين بالمعلومات الاستخبارية والدعم والعون في حربه العدوانية ضد إيران من عام 1980 إلى عام 1988، بما في ذلك توفير طائرات النظام الجوي للإنذار والمراقبة للقيام بطلعات استطلاعية لمساعدة صدام في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الجنود والمدنيين الإيرانيين، وهو ما يمثل جريمة حرب، والقيام عن عمد بإسقاط طائرة مدنية إيرانية في عام 1988، مما أدى إلى قتل 290 راكبا، ونهب الأصول الإيرانية المودعة في الخارج. وتحتفظ جمهورية إيران الإسلامية بحق اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، بما في ذلك التدابير المضادة اللازمة والمتناسبة، لاستعادة وحماية حقوق الشعب الإيراني في وجه استمرار هذا السلوك غير القانوني من جانب الولايات المتحدة.

فقلما كان من المهم بهذه الدرجة احترام سيادة القانون وكفالة سير العمل السليم للنظم القانونية والمالية الدولية وحرمتها وتغليب الحوار والتوفيق على الإكراه والمجابهة. وفي ضوء الآثار الضارة المترتبة على استمرار سلوك الولايات المتحدة غير القانوي، أود أن أدعوكم إلى بذل مساعيكم الحميدة بغية حمل حكومة الولايات المتحدة على أن تتقيد بالتزاماتها الدولية وتضع حدا لانتهاك مبدأ سيادة الدول الأساسي وتفرج عن الأصول الإيرانية المجمدة في مصارف الولايات المتحدة وتوقف فورا أي تدخل في المعاملات التجارية والمالية الإيرانية خارج الولايات المتحدة وتكف عن القيام بذلك، امتثالا لالتزاماتها الدولية العامة والتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.

* * *


البيان الذي أصدره مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز وأعرب فيه عن رفضه للإجراءات الأحادية الجانب التي اتخذتها الولايات المتحدة على نحو يخالف أحكام القانون الدولي، ولا سيما مبدأ حصانة الدول

يرفض مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز الممارسة غير القانونية للولايات المتحدة في تحدي القانون الدولي عن طريق السماح للأفراد برفع دعاوى مدنية أمام محاكم الولايات المتحدة وتيسير ذلك ضد دول ذات سيادة، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية، مما أدى إلى إصدار أحكام غيابية ضدها وضد مؤسساتها الوطنية. إن التشريعات التي أصدرها كونغرس الولايات المتحدة لتمهيد السبيل أمام مصادرة أصول أجنبية في الولايات المتحدة بصورة غير مشروعة والإجراءات التي اتخذتها حكومة الولايات المتحدة للاحتفاظ بها بطريقة غير قانونية تُمكِّن محاكم الولايات المتحدة من إصدار قرارات باطلة.

ويعترض المكتب على تحدي الولايات المتحدة للقانون الدولي من خلال إسقاط الحصانة السيادية للدول ومؤسساتها من جانب واحد في مخالفة تامة للالتزامات الدولية والتعاهدية للولايات المتحدة وعلى أساس قانوني زائف لا يعترف به المجتمع الدولي. وتتعارض هذه الممارسة مع أبسط المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ولا سيما مبدأ الحصانة السيادية باعتباره أحد الأركان الأساسية للنظام القانوني الدولي وقاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، وهو مبدأ يعترف مجتمع الأمم وكافة النظم القانونية ومحكمة العدل الدولية بأسبقيته وقد جرى تدوينه مؤخراً في اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية.

ويدعو المكتب الولايات المتحدة الأمريكية إلى احترام مبدأ حصانة الدول، ويؤكد من جديد أن عدم القيام بذلك من شأنه أن يخلف آثاراً سلبية، بما في ذلك عدم اليقين والفوضى في العلاقات الدولية وتقويض سيادة القانون على الصعيد الدولي، وأن يشكل فعلا غير مشروع دوليا يستتبع مسؤولية دولية.

ويغتنم المكتب هذه الفرصة لتكرار الدعوة التي وجهتها حركة عدم الانحياز للتمسك بالحوار والوفاق عوضا عن الإكراه والمواجهة ولتشجيع تسوية المنازعات بالوسائل السلمية.