في الوقت الذي يحارب فيه العراق الإرهاب العالمي دفاعا عن نفسه ونيابة عن دول العالم أجمع، ويخوض جيشه وقواته الأمنية المختلفة معارك مصيرية ضد كيان داعش الذي يسيطر على بعض المدن العراقية، قامت قوات عسكرية تركية تتألف من مئات الجنود وعدد من الدبابات والسيارات المصفحة بتاريخ 3 كانون الأول/ديسمبر 2015، باختراق حدود العراق المعترف بها دولياً، وتوغلت في أراضيه بعمق 110 كيلومترات، وتمركزت في ناحية بعشيقة قرب مدينة الموصل في شمال العراق، بدون الحصول على موافقة الحكومة العراقية ودون تنسيق مسبق معها، وهو ما يعد عملاً استفزازياً وينتهك أحكام القانون الدولي. وإن تلك التحركات العسكرية تعد تصرفاً عدائيا وفق ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي ذات الصلة.

لقد شدد العراق في رسالته المؤرخة 25 حزيران/ يونيه 2014 الموجهة إلى الأمين العام (S/2014/440)، ورسالتيه المؤرختين 20 أيلول/سبتمبر 2014 (S/2014/691) و 11 كانون الأول/ديسمبر 2015 (S/2015/963) الموجهتين إلى رئيس مجلس الأمن، على أن تقديم المساعدة في مجالات التدريب العسكري والتكنولوجيا المتطورة والأسلحة الضرورية لمحاربة كيان داعش الإرهابي يجب أن يتم وفقاً للاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وبالاحترام الكامل للسيادة الوطنية والدستور العراقي، وبالتنسيق مع القوات المسلحة العراقية. واستنادا لذلك يرفض العراق ويعارض بشدة أي تحركات عسكرية في مجال مكافحة الإرهاب في العراق لم يجر التشاور بشأنها مع الحكومة الاتحادية العراقية وبدون موافقتها على تلك التحركات، ويدينها بأشد العبارات الممكنة.

وقد طالب العراق مجلس الأمن الموقر في رسالته المؤرخة 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، بتحمل مسؤولياته في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين استناداً إلى أحكام المادتين 24 و 34 من ميثاق الأمم المتحدة، والعمل على حماية العراق وأمنه وسيادته وسلامة ووحدة أراضيه التي انتهكتها القوات التركية بتوغلها في الأراضي العراقية دون علم وموافقة الحكومة الاتحادية العراقية، وطالبنا مجلس الأمن حينذاك بأن يأمر تركيا بسحب قواتها فوراً، وأن يضمن بكافة الوسائل المتاحة، الانسحاب الفوري غير المشروط لهذه القوات إلى الحدود الدولية المعترف بها بين البلدين، غير أنه للأسف لم يتخذ المجلس أي إجراء لتنفيذ مطلب العراق المشروع القاضي بانسحاب هذه القوات إلى الحدود المعترف بها دولياً.

وكما أشار العراق في رسالته المؤرخة 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، فقد عمل العراق، ومن منطلق إيمانه بالحوار سبيلا إلى حل المنازعات وحرصه على علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل مع تركيا، على احتواء الموضوع بالطرق الدبلوماسية والمحادثات الثنائية، لكن تلك الجهود لم تفلح حتى الآن في إقناع تركيا بسحب قواتها المحتلة للأراضي العراقية.

وتطبيقاً لأحكام المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن اللجوء إلى المنظمات الإقليمية لتسوية المنازعات سلمياً، فقد اجتمع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في دورته الاستثنائية في القاهرة بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2015، وقد صدر عن الاجتماع القرار رقم 7987 الذي أدان الحكومة التركية لتوغل قواتها العسكرية في الأراضي العراقية، واعتبر هذا التدخل اعتداء على سيادة العراق وتهديداً للأمن القومي العربي. وطالب القرار الحكومة التركية بسحب قواتها فوراً من الأراضي العراقية، دون قيد أو شرط، وهو ما أكده اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية 27 المنعقدة في نواكشوط في 25 تموز/يوليه 2016 بالقرار رقم 653، وللأسف لم تمتثل الحكومة التركية لأي من هذين القرارين.

وسبق أن ادعت تركيا بقيام العراق بإيواء عناصر حزب العمال الكردستاني، وهي ادعاءات تجانب الحقيقة، حيث وقعت تركيا ما سمي باتفاق السلام بينها وبين عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني بتاريخ 21 آذار/مارس 2013، والذي تضمنت إحدى فقراته انتقال مسلحي هذا التنظيم إلى داخل الأراضي العراقية، وقد أدان العراق حينها هذه الفقرة وعدها مساساً بالسيادة العراقية وتشكل تهديداً للأمن والسلم في العراق وفي المنطقة، ووجه العراق مذكرة احتجاج إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة بتاريخ 16 أيار/مايو 2013، إلا أن تركيا تبرر وجودها اليوم في شمال العراق بدعوى محاربة حزب العمال الكردستاني، الذي طالبته تركيا في عام 2013 بالانسحاب إلى العراق استناداً إلى اتفاق السلام أعلاه.

إن العراق وهو يخوض اليوم أحد أهم معاركه المصيرية لتحرير مدينة الموصل من سيطرة كيان داعش الإرهابي، وللمقتضيات التكتيكية الخاصة بقواعد الاشتباك التي ستتبعها القوات العراقية المكلفة بتحرير المدينة بمختلف صنوفها، ولوجود القوات التركية بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات تنظيم داعش الإرهابي، دون طلب من الحكومة العراقية أو بترخيص منها، فإن هذه القوات ستعامل على أنها قوات غير صديقة تتواجد في العراق، وفي حال الضرورة القصوى سيتم التعامل معها وفقاً لأحكام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الدول الطبيعي فرادى أو جماعات، في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وسيتم إبلاغ المجلس فوراً بأية تدابير تتخذ وفقاً لحق الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 أعلاه.

وفي الختام أكرر طلب حكومة بلادي، بضرورة قيام مجلس الأمن الموقر بدوره المنشود، وأن يضمن بكافة الوسائل المتاحة الانسحاب الفوري غير المشروط للقوات التركية إلى الحدود الدولية المعترف بها بين البلدين.