يعود الفضل في صمود الاقتصاد التركي، منذ توقف الولايات المتحدة عن دعم اقتصادها في شهر آب الماضي، إلى تحالفها الاقتصادي مع الصين. لكن ذلك لم يمنع إدارة أردوغان من طعنها في الظهر، وتوجيه انتقادات حادة لبكين ونعت الأسلوب الذي تتعامل بموجبه مع الإيغور أنه "عار على الإنسانية"، هذا فضلاً عن إعراب أنقرة عن أسفها وذرف دموع التماسيح لوفاة الشاعر الشهير عبد الرحيم هييت.
ومن دون انتظار، نشرت بكين شريط فيديو قصير عن "الميت" المزعوم معلناً بصوته : " أنا المدعو عبد الرحيم هييت. أعلن في هذا اليوم الموافق للعاشر من شهر شباط 2019 أنني رهن التحقيق للاشتباه في انتهاك القوانين الوطنية. وأنا الآن بصحة جيدة، ولم أتعرض للإساءة أبداً". ثم وجه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية انتقادات حادة لعدم كفاءة أنقرة، وضعف إحساسها بالمسؤولية.
في الواقع، واجهت بكين على مدى الخمسة وعشرين عاماً المنصرمة ثلاث معضلات:
– الإسلاموية (بمعنى الإخوان المسلمين) مع الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية التي أنشئت في عام 1997، ومضت لتتشكل في أفغانستان مع حركة طالبان، تحت العين الساهرة لوكالة المخابرات المركزية.
– عودة قوات الحرب الأهلية (1927-1950) مع إنشاء "حكومة تركستان الشرقية في المنفى" في واشنطن منذ عام 2004. وهي الحكومة التي أعادت التحالف المناهض للشيوعية لحزب الكومينتانغ القديم مع الدالاي لاما، وتايوان.
– الانفصالية العرقية مع مؤتمر الايغور العالمي، الذي تأسس في ميونيخ، ثم نُقل إلى واشنطن في عام 2004.
واقعياً، لم تكن الصين مرتاحة مع الأديان بشكل عام، لاسيما خلال الحقبة الماوية حيث تعرضت جميع الأديان للاضطهاد إبان الثورة الثقافية. وهي أقل ارتياحاً الآن مع "الإسلام" لأن بعض ممارسات طقوسه لا تتوافق مع ظروف الحياة في الشرق الأقصى عموماً.
وعلى سبيل المثال، إذا لم يكن تاريخياً لحم الخنزير في شبه الجزيرة العربية ضرورياً للغذاء، لوجود العديد من البدائل الأكثر توافقا مع طبيعة وتقاليد المجتمع هناك، إلا أنه غذاء رئيسي في تقاليد المجتمع الصيني. لهذا طُلبت القيادة من المسلمين الأعضاء في الحزب الشيوعي الصيني أن يكونوا قدوة لمجتمعهم برفضهم إتباع النظام الغذائي الإسلامي.
لقد تدفق الجهاديون من الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية بالآلاف حتى شهر آب من العام الماضي على سورية بمساعدة أجهزة الاستخبارات التركية، ويُقدًر عددهم بثمانية عشرة ألفاً من الإيغور، منهم ما لا يقل عن خمسة آلاف مقاتل، استقروا في الريف الغربي لمحافظة إدلب، مستفيدين من حماية القوات الخاصة الألمانية والفرنسية حتى الآن.
ومنذ شهر تشرين الثاني الماضي، تشن العناصر الأكثر تعصباً في الحياة السياسية الأميركية، منهم السناتور ماركو روبيو (الذي يشارك بشكل كبير في زعزعة استقرار فنزويلا)، حملة ضد انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة في الصين. وبناءً على ذلك شكلوا لجنة مشتركة من الكونغرس والسلطة التنفيذية (والتي ترفض إدارة ترامب حضور اجتماعاتها) للاستماع إلى ضحية مزعومة لـ "الديكتاتورية" الصينية.
ووفقاً لشهادة هذه الضحية الوهمية، هناك ما بين مليون وثلاثة ملايين من الإيغور يقبعون في معسكرات سرية، يعانون فيها من التعذيب بالكهرباء. كما تؤكد وسائل الإعلام الأمريكية الرسمية جازمة أن القرآن الكريم محظور الآن تداوله بقرار الحزب الشيوعي الصيني.
وعلى مايبدو فإن الأرقام المعلنة قد تكون أكبر بمئات الأضعاف من الواقع، لاسيما أن هناك أربعة وعشرين ألف مسجد لثلاثة عشر مليون مسلم في الصين، والقرآن الكريم معروض في واجهات المكتبات من دون قيود.
وفي نهاية المطاف، تصالحت تركيا مؤخراً مع الولايات المتحدة، وهي تستعد الآن للقيام بعمليات سرية ضد الصين، وعاد الرئيس أردوغان إلى سيرته السابقة حين كان يقود منظمة "ميلي غوروس" الإسلامية ويدعم التتار والإسلاميين الشيشان، والإيغور.
لقد فشل الإرهاب أخيراً في العراق وسورية، ويجري الآن ترحيله إلى الشرق الأقصى.