حسن البنا مؤسس الجمعية السرية لجماعة الإخوان المسلمين. لا نعرف سوى القليل عن أسرته، باستثناء أنهم كانوا يصنعون الساعات؛ وهي مهنة مقتصرة على الجالية اليهودية في مصر.

الإخوان المسلمون في مصر

اختفت أربع إمبراطوريات خلال الحرب العالمية الأولى: الرايخ الألماني، الإمبراطورية النمساوية المجرية، روسيا القيصرية، والباب العالي العثماني.

كان الفائزون في هذه الحرب يفتقرون تماماً إلى الرصانة، ففرضوا شروطهم المجحفة على المهزومين.

هكذا في أوروبا، حددت معاهدة فرساي شروطاً غير مقبولة لألمانيا، بجعلها المسؤولة الوحيدة عن النزاع. وفي الشرق، مرَ تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية بشكل سيء:

خوًل مؤتمر سان ريمو (1920)، وفقاً لاتفاقيات سايكس- بيكو السرية (1916)، المملكة المتحدة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، في حين أطلق يد فرنسا في استعمار سورية (بما في ذلك لبنان حالياً).

مع ذلك، قام مصطفى كمال، على ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية، بالتمرد ضد كل من السلطان الذي خسر الحرب، والغربيين الذين استولوا على بلاده.

تم تفتيت الخلافة العثمانية في مؤتمر سيفر (1920)، إلى قطع صغيرة لخلق عدة دول جديدة، من ضمنها إقليم كردستان. مما أدى إلى انتفاض سكان تركيا-المنغولية، في تيراس، والأناضول ورفع كمال إلى قمة السلطة.

وفي نهاية المطاف، تم ترسيم الحدود الحالية في مؤتمر لوزان (1923) والتخلي عن فكرة دولة كردستان، وتنظيم عمليات ترحيل (ترانسفير) ضخمة للسكان، أسفرت عن أكثر من نصف مليون حالة وفاة.

لكن، وكما حصل في ألمانيا حين اعترض أدولف هتلر على مصير بلاده، نهض في الشرق الأوسط أيضاً، رجل ضد التقسيم الجديد للمنطقة، فأسس معلم مدرسة مصري حركة سياسية لإحياء الخلافة الإسلامية التي هزمها الغربيون.

هذا الرجل هو حسن البنا، وهذه المنظمة، هي الإخوان المسلمون (1928).

الخليفة، من حيث المبدأ هو خليفة النبي، الذي يدين له الجميع بالطاعة، وهو لقب مرغوب.

تتالت عدة أنساب كبرى من الخلفاء المتعاقبين: الأمويون، العباسيون، الفاطميون والعثمانيون، وصار لزاماً أن يكون الخليفة المقبل، الذي سوف يستحوذ على هذا اللقب، وهو بالأحرى "المرشد العام" للجماعة، أن يصبح سيد العالم الإسلامي أيضاً.

انتشرت هذه الجمعية السرية بسرعة مذهلة. كانت تنوي العمل من داخل النظام لاستعادة المؤسسات الإسلامية. كما كان يتوجب على المنتسبين أن يٌقسموا على القرآن، والسيف، أو البندقية، بالولاء لمؤسس الجماعة.

هدف الجماعة هو سياسي بحت، حتى لو عبرت عنه بمصطلحات دينية. لم يصادف أن تحدث حسن البنا، أو خلفاؤه عن الإسلام كدين، أو أثاروا الجوانب الروحانية الإسلامية. بالنسبة لهم الإسلام هو عقيدة، خضوع لله، وممارسة للسلطة.

ومن المؤكد أن المصريين الذين يؤيدون جماعة الإخوان، لا ينظرون إلى الأمر على هذا النحو.

بالنسبة لحسن البنا، لا تقاس شرعية حكومة ما، تبعاً لتمثيلها للشعب كما هي الحال في الحكومات الغربية، ولكن حسب قدرتها على الدفاع عن " منهج الحياة الإسلامية"، هذا يعني مصر العثمانية في القرن التاسع عشر.

لم يفكر الإخوان أبدا في أن الإسلام لديه تاريخ، وأن أسلوب حياة المسلمين يختلف اختلافاً كبيراً تبعاً للمناطق والعصور. و لم يروا يوماً أن النبي قام بثورة في المجتمع البدوي الذي عاش فيه. وأن طريقة الحياة التي وصفت في القرآن، ليست سوى مرحلة محددة وٌضعت لهؤلاء الناس.

بالنسبة لهم، فإن القواعد الجزائية في القرآن – أي الشريعة- لا تتوافق مع حالة معينة، لكنها تحدد القوانين الثابتة، التي يمكن أن ترتكز عليها السلطة.

حقيقةَ أن أسلوب الحياة الإسلامية كان في كثير من الأحيان يٌفرض بحد السيف، برًرَ لجماعة الإخوان استخدام القوة.

لم يعترف الإخوان مطلقاً أن الإسلام انتشر أيضاً عن طريق المٌثل العليا.

لكن هذا لم يمنع البنا والإخوان من خوض الانتخابات السياسية، و خسارتها.

وإذا كانوا ينددون بالأحزاب السياسية، فهذا ليس من منطلق اعتراضهم على مبدأ التعددية الحزبية، بل لأن عملية فصل الدين عن السياسة، أوقعتهم في الفساد.

عقيدة الإخوان المسلمين، هي أيديولوجيا "الإسلام السياسي" ما يعبر عنه بالفرنسية ب"الإسلاموية Islamisme". كلمة من شأنها أن تثير جام غضبهم.

كتب حسن البنا في عام 1936، لرئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا مطالباً ب˸
 إصلاح التشريعات، وتوحيد جميع المحاكم تحت ظلال الشريعة الإسلامية.
 التجنيد في الجيش عبر إنشاء تطوع تحت راية الجهاد.
 الاتصال مع الدول الإسلامية والإعداد لاستعادة الخلافة، تطبيقاً للوحدة التي يتطلبها الإسلام.

ثم أعلنت الجماعة خلال الحرب العالمية الثانية وقوفها على الحياد. لأنًها في الواقع، كانت قد تحولت إلى مجرد جهاز مخابرات لصالح الرايخ. لكنًها مع دخول الولايات المتحدة في الحرب، وانقلاب موازين القوى، انخرطت في لعبة مزدوجة، وبدأت تتلقى الأموال من البريطانيين، مقابل تقديم المعلومات الخاصة عن مشغلهم الأساسي. وبذلك، كشف الإخوان عن غياب تام للمبادئ لديهم، وانتهازية سياسية مطلقة.

جرًب الأخوان حظهم في 24 شباط-فبراير عام 1945، بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري في خضم انعقاد جلسة برلمانية، نجم عنها تصعيد لأعمال العنف : حملة قمع ضدهم، وسلسلة من الاغتيالات السياسية شملت رئيس الوزراء الجديد يوم 28 ديسمبر عام 1948، في رد معاًكس على حسن البنا نفسه، في 12 فبراير 1949.

وبعد فترة وجيزة، أٌنشئت محكمة بموجب الأحكام العرفية، أدانت غالبية الأخوان بالحكم عليهم بالسجن، وحَلٌ جمعيتهم.

لم تكن هذه المنظمة السرية، من أساسها، أكثر من مجرد عصابة من القَتَلة، تطمح للاستيلاء على السلطة، من خلال إخفاء أطماعها بالاختباء وراء القرآن. كان يفترض أن يقف تاريخها عند هذا الحد. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل؟

إعادة بناء جماعة الأخوان من قبل الأنغلوسكسون والسلام المنفصل مع إسرائيل

أثارت قدرة الإخوان على حشد الناس وتحويلهم إلى قتلة، انتباه القوى العظمى.

وعلى عكس نفيه، كان السيد قطب ماسونياً. نشر مقالًا بعنوان "لماذا أصبحت ماسونياً" ، نُشر في مجلة التاج المصري، في 23 نيسان-أبريل 1943.

وبعد عامين ونصف العام من انحلالها، قام البريطانيون بتشكيل منظمة جديدة من خلال إعادة استخدام تسمية "الإخوان المسلمين"، مستفيدين من سجن قادتهم التاريخيين، وانتخاب القاضي السابق حسن الحديبي مرشداً عاماً.

وخلافاً للفكرة السائدة، لم يكن هناك أية استمرارية تاريخية بين التنظيم القديم والجديد.

تبين أيضاً أن وحدة سرية تابعة للتنظيم القديم، " الجهاز السري"، كانت مكلفة من قبل حسن البنا بارتكاب هجمات، لكنه كان ينفى أي صلة له معها. كانت هذه المنظمة سريًة جداً داخل المنظمة نفسها، بحيث لم تتأثر بحل جماعة الإخوان المسلمين، وبقيت تحت تصرف الخليفة الجديد.

لكن المرشد الجديد قرر النأي بنفسه عنها، وأعلن عن رغبته في تحقيق أهدافه بالطرق السلمية.

من الصعب تحديد ما حدث بالضبط في ذلك الوقت بين الإنكليز، الذين يريدون إعادة إنشاء التنظيم السري القديم، والمرشد الذي كان يظن أنًه بصدد استعادة الحضور في أوساط الجماهير.

في كل الأحوال، استمر الجهاز السري، وتلاشت سلطة المرشد لصالح قادة آخرين من جماعة الإخوان، ما فتح الباب لحرب داخلية حقيقية.

دسًت وكالة الاستخبارات المركزية CIA في إدارتهم سيد قطب، صاحب نظرية الجهاد، الذي سبق وأن أدانه المرشد قبل إبرام اتفاق مع المخابرات البريطانية MI6.

من المستحيل تحديد علاقات التبعية الداخلية بين هذا الفريق أو ذاك.

أولاً، لأنً كل فرع أجنبي له استقلاليته الخاصة، وثانياً لأن الوحدات السرية داخل المنظمة لم تعد تتبع بالضرورة، لا للمرشد العام، و لا للمرشد المحلي، بل في بعض الأحيان مباشرة لوكالة الاستخبارات المركزية CIA، والمخابرات البريطانية M16. وقد حاول البريطانيون خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، تنظيم العالم بطريقة تجعله بعيدا عن متناول السوفييت.

أطلق ونستون تشرشل في أيلول-سبتمبر 1946، في زيوريخ فكرة الولايات المتحدة الأوروبية، كما أطلق وفق نفس المبدأ، فكرة إنشاء جامعة الدول العربية. وفي كلتا الحالتين، كان الهدف هو توحيد المنطقة بعيدا عن روسيا.

قامت الولايات المتحدة، منذ بداية الحرب الباردة، بإنشاء جمعيات لدعم هذه الحركة لصالحها, على غرار اللجنة الأمريكية لأوروبا، والولايات المتحدة، وأصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط American Committee on United Europe et les American Friends of the Middle East [1]. ونظًمت وكالة الاستخبارات المركزية CIA في العالم العربي، انقلابين.

الأوَل لصالح الجنرال حسني الزعيم في دمشق (آذار-مارس 1949)، والثاني بواسطة "الضباط الأحرار" في القاهرة (تموز-يوليو 1952). كانوا يعتقدون أنهم يدعمون قوميين، يفترض أنهم معادون للشيوعية.

من هذا المنطلق، أتت واشنطن بالجنرال اس.اس. أوتو سكورزيني إلى مصر، وإلى إيران بالجنرال النازي فضل الله زاهدي، برفقة مئات من المسؤولين السابقين في الغستابو لقيادة النضال ضد الشيوعية..

للأسف قام سكورزيني Skorzeny بتشكيل الشرطة المصرية تبعاً لتقاليد العنف. واختار في عام 1963 وكالة الاستخبارات المركزية والموساد ضد ناصر.

أما زاهدي فقد أنشأ جهاز السافاك، الشرطة السياسية الأكثر وحشيةً في ذلك الحين.

إذا كان حسن البنا قد حدد الهدف- للوصول إلى السلطة من خلال التلاعب بالدين- فإن سيد قطب حدد الوسيلة: الجهاد. وبمجرد اعتراف التابعين بسمو القرآن، يصبح الاعتماد عليهم ممكناً لتنظيمهم ضمن جيش، وإرسالهم للقتال. لذلك، أسس سيد قطب نظرية مانوية تٌميز بين ما هو إسلامي، وما هو "ظلامي".

بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية CIA والمخابرات البريطانية MI6، يسمح هذا الحشو الدماغي باستخدام التابعين للسيطرة على الحكومات القومية في العالم العربي، ثم زعزعة استقرار المناطق المسلمة في الاتحاد السوفييتي.

هكذا أصبحت جماعة الإخوان خزاناً لا ينضب من الإرهابيين تحت شعار: " الله غايتنا. الرسول قدوتنا. القرآن دستورنا. الجهاد سبيلنا. الشهادة أسمى أمانينا".

فكر سيد قطب عقلاني، لكنه ليس منطقياً. فهو ينشر خطابا لايتغير : الله / النبي / القرآن / الجهاد / الشهادة، بما لايدع أي فرصة للحوار. إنه يضع سمو منطقه الخاص، فوق سمو العقل البشري.

استقبال وفد من المجتمع السري من قبل الرئيس أيزنهاور في البيت الأبيض (23 أيلول-سبتمبر 1953).

نظمت وكالة الاستخبارات المركزية CIA ندوة في جامعة برينسيتون Princeton حول "أوضاع المسلمين في الاتحاد السوفييتي". كانت هذه فرصة لكي تستقبل الولايات المتحدة وفداً من جماعة الإخوان المسلمين برئاسة سعيد رمضان، أحد قادة جناحها العسكري.

أشار ضابط وكالة المخابرات المركزية، المكلف بمتابعة الوفد، في تقريره أن رمضان ليس متطرفا دينياً، لكنه أقرب إلى أن يكون فاشياً. وهي وسيلة للتأكيد على المزاج السياسي الخاص لجماعة الإخوان المسلمين.

اختتمت الندوة بحفل استقبال في البيت الأبيض بحضور الرئيس أيزنهاور في 23 أيلول-سبتمبر 1953. وتم على أثرها عقد التحالف بين واشنطن والجهاد العالمي.

(من اليسار إلى اليمين) حسن البنا يزف ابنته لسعيد رمضان، جاعلاً منه خليفة له. أنجب الزوجان هاني (مدير المركز الإسلامي في جنيف) وطارق رمضان (الذي سيكون أستاذ ذو كرسي في الدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة أكسفورد).

وكالة المخابرات المركزية، التي أعادت إنشاء الجماعة ضد الشيوعيين، استخدمتها أولاً لمساعدة القوميين. كانت الوكالة مُمثلةً في الشرق الأوسط، في ذلك الحين، من خلال مناهضي الصهيونية، المنحدرين من الطبقات الوسطى. لكن سرعان ما تم استبعادهم لصالح كبار المسؤولين من أصول أنغلوسكسونية وبروتستانتية، المتخرجين في جامعات كبرى، وموافقون على وجود إسرائيل.

دخلت واشنطن حينذاك في صراع مع القوميين، وقلبت وكالة الاستخبارات المركزية الإخوان ضدهم.

دم سعيد رمضان وعبد الله المودودي برنامجاً أسبوعيًا على راديو باكستان، وهي محطة أنشأها جهاز المخابرات البريطاني MI6.

قاد سعيد رمضان بعض المقاتلين من جماعة الإخوان المسلمين في الحرب المحدودة ضد إسرائيل عام 1948، بعد ذلك ساعد أبو العلا المودودي في باكستان على إنشاء منظمة شبه عسكرية من الجماعة الإسلامية. كان الهدف من وراء ذلك، تأسيس هوية إسلامية للمسلمين الهنود، كي يتمكنوا من تأسيس دولة جديدة هي باكستان.

قامت الجماعة الإسلامية أولاً بكتابة الدستور الباكستاني. وتزوج رمضان من ابنة حسن البنا، وأصبح قائد الجناح العسكري لجماعة "الإخوان المسلمين" الجدد.

شارك الأخوان أثناء وجودهم في مصر، في انقلاب الضباط الأحرار الذي قاده اللواء محمد نجيب – كان سيد قطب عنصر الاتصال بينهم- وكانوا مكلفين بمهمة تصفية أحد قادة الحركة، جمال عبد الناصر، بعد دخوله في صراع مع اللواء محمد نجيب.

لم يفشلوا في محاولتهم في 26 أكتوبر 1954 فحسب، بل تمكن جمال عبد الناصر من الاستيلاء على السلطة، وقمع الجماعة، ووضع اللواء محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية. وأعدم سيد قطب بعد سنوات قليلة .

لجأت جماعة الإخوان، بعد حظر تنظيمهم في مصر، إلى الدول الوهابية (المملكة العربية السعودية، قطر، وإمارة الشارقة) و في أوروبا (ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وسويسرا المحايدة).

وفي كلِ مرة كان يجري استقبالهم كعملاء غربيين، يناضلون ضد التحالف الناشئ بين القوميين العرب والاتحاد السوفييتي.

حصل سعيد رمضان على جواز سفر دبلوماسي أردني، واستقر في جنيف عام 1958، حيث راح يشرف على زعزعة الاستقرار في القوقاز وآسيا الوسطى في كل من ( باكستان وأفغانستان، ووادي فرغانة السوفييتي). ثم ترأس لجنة الإشراف على بناء مسجد ميونيخ، مما مكنه من الإشراف تقريباً على المسلمين في أوروبا الغربية كلها.

وبمساعدة من اللجنة الأمريكية لتحرير شعوب روسيا (AmComLib) أي، وكالة الاستخبارات المركزية CIA، امتلك إذاعة أوروبا الحرة، وهي محطة ممولة مباشرة من الكونغرس الأمريكي لنشر فكر الإخوان المسلمين. [2]

قررت واشنطن، بعد أزمة قناة السويس وانتقال جمال عبد الناصر المذهل إلى الجانب السوفييتي، دعم الإخوان المسلمين بشكل لامحدود، ضد القوميين العرب.

اضطلع مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات المركزية CIA، مايلز كوبلاند، من دون جدوى بمسؤولية انتقاء شخصية من جماعة الإخوان، يمكنها القيام بدور في العالم العربي، مماثل لدور القس بيلي غراهام Billy Graham في الولايات المتحدة. لكنه اضطر للانتظار حتى ثمانينات القرن العشرين، للعثور على واعظ بذلك المستوى، إنه المصري يوسف القرضاوي.

أقامت جماعة الإخوان عام 1961 ارتباطاً مع جمعية سرية أخرى، الطريقة النقشبندية المصنفة كنوع من الإسلام الماسوني، الذي يخلط بين التلقين الصوفي والسياسي.

نشر أحد منظريها الهنود، أبو الحسن علي المدوي، مقالاً في مجلة الأخوان، ذكر فيه أن الطريقة قديمة، وموجودة في العديد من البلدان.

أما في العراق، فلم يكن المعلم الكبير للنقشبندية، سوى نائب الرئيس العراقي عزت ابراهيم الدوري، الذي دعم المحاولة الانقلابية لجماعة الإخوان في سورية في عام 1980، و"حملة العودة إلى الإيمان" التي نظًمها الرئيس صدام حسين، لإعطاء هوية لبلاده، بعد إنشاء الغرب منطقة حظر طيران في العراق.

وفي تركيا، لعبت الجماعة النقشبندية دورا أكثر تعقيدا لتشمل مسؤولين من مستوى فتح الله غولن (مؤسس الحزمة) إلى الرئيس طورغوت أوزال (1989-1993)، إلى رئيس الوزراء نجم الدين أربكان (1996-1997)، مؤسس حزب العدالة والتنمية (1961)، ورؤيا الملة (مللي غوروش Millî Görüş)، (1969).

وفي أفغانستان، كان الرئيس السابق صبغة الله مجددي (1992) هو المعلم الكبير.

حرضت الجماعة في روسيا، بمساعدة من الإمبراطورية العثمانية، في القرن التاسع عشر، على تمرد شبه جزيرة القرم، وأوزبكستان، والشيشان،وداغستان، ضد القيصر.

أما في الاتحاد السوفييتي، فقد بقينا حتى انهياره، من دون أي أخبار عن هذه الجماعة.

كذلك الأمر في شينغيانغ الصينية. التقرب من الإخوان أو النقشبندية نادرا ما كان يٌدَرسٌ في ضوء المعارضة المبدئية للإسلاميين للتصوف، والجماعات الصوفية عموماً.

المقر السعودي لرابطة العالم الإسلامي. كانت ميزانيتها في عام 2015 أعلى من ميزانية وزارة الدفاع السعودية، أكبر مشتري للأسلحة في العالم. تقتني السعودية الأسلحة التي توزعها الرابطة بدورها على منظمات الإخوان المسلمين والنقشبنديين.

حثت وكالة الاستخبارات المركزية CIA في عام 1962 المملكة العربية السعودية على إنشاء رابطة العالم الإسلامي، وتمويل كل من جماعة الإخوان، والنقشبنديين، ضد القوميين والشيوعيين. [3]

تتلقى هذه المنظمة تمويلها بالدرجة الأولى من شركة آرامكو ( Arabian -American Oil Company).

هناك من أصل عشرين عضواً مؤسساً، ثلاثة منظرين إسلاميين، سبق أن تحدثنا عنهم : المصري سعيد رمضان، والباكستاني أبو العلا المودودي، والهندي أبو الحسن علي المدودي.

أصبحت السعودية، بحكم الأمر الواقع، الأب الروحي للإخوان في العالم، نظرا لامتلاكها على حين غرة، سيولة مالية هائلة بفضل عائدات النفط.

بدأت المملكة تٌوكل لهم على ارض الواقع نظامها التعليمي، التربوي والجامعي، في بلد بالكاد تجد فيه من يفك الحرف. وكان على الأخوان واجب التأقلم مع مضيفيهم.

في الواقع، كانت مبايعتهم للملك تمنعهم من تقديم الولاء للمرشد العام.

لكنهم راحوا على أي حال، ينظمون أنفسهم حول محمد قطب، شقيق سيد قطب: الأخوان السعوديون من جهة، والسروريين sourouristes من جهة أخرى.

حاول هؤلاء السروريون، الذين هم أساساً سعوديون، التوليف بين الفكر السياسي الأخواني، والوهابية. هذا المذهب الذي تنتمي إليه العائلة المالكة، يتبنى تفسيراً للإسلام ينحدر من فكر بدوي متوحش، ومعاد للتاريخ.

كانت الرياض حتى حيازتها للبترودولار، تلقي باللعنة على المدارس الإسلامية التقليدية التي كانت، بدورها، تعتبرها هرطقة.

في الواقع، ليس هناك أي قاسم مشترك بين سياسة الإخوان، والدين الوهابي، لكنهما متوافقان، مع فارق أن الاتفاق الذي يربط عائلة سعود مع الدعاة الوهابيين لا يمكن أن يوجد مع الإخوان : فكرة النظام الملكي بقانون إلهي، كانت تصطدم مع شهية الأخوان للسلطة. لذلك كان من المتفق عليه أن يتعهد آل سعود بمساندة الإخوان في جميع أنحاء العالم، شريطة أن يمتنعوا عن التدخل في السياسة داخل المملكة العربية السعودية.

دعم الوهابيين السعوديين للإخوان، أثار منافسة إضافية داخل السعودية وخارجها، في الدولتين الوهابيتين، قطر، وإمارة الشارقة.

شارك الأخوان المسلمون من عام 1962 إلى عام 1970، في الحرب الأهلية في شمال اليمن، وحاولوا إلى جانب بريطانيا، والسعودية، إعادة تأسيس النظام الملكي ضد القوميين العرب، ومصر، والاتحاد السوفييتي، والتأسيس لصراع مهد لما سيأتي لاحقاً، بعد نصف قرن من الزمن.

في عام 1970، توصل جمال عبد الناصر إلى إيجاد اتفاق بين الفصائل الفلسطينية والملك حسين، ملك الأردن، أنهى " أيلول الأسود". لكنه توفي إثر نوبة قلبية مساء انعقاد قمة الجامعة العربية، التي صادقت على الاتفاق، والأرجح أنه قٌتل.

كان لعبد الناصر ثلاثة نواب : الأول يساري –يتمتع بشعبية فائقة- الثاني وسطي-مشهور جدا- أما الثالث فهو محافظ، تم وضعه في هذا المنصب بناء على طلب من الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية. إنه أنور السادات.

أعلن نائب الرئيس اليساري عن عدم أهليته لتولي منصب الرئاسة، إثر الضغوط التي مورست عليه.

فيما فضل نائب الرئيس الوسطي الانسحاب من السياسة. فتم تسمية السادات كمرشح للناصريين.

هذه المأساة تحصل في كثير من البلدان : يختار الرئيس نائباً له من بين منافسيه، من أجل توسيع قاعدته الانتخابية، لكن الأخير يحتل مكانه عندما يموت، فيدمر كل إرثه.

السادات، الذي كان قد خدم الرايخ خلال الحرب العالمية الثانية، وأعرب عن إعجابه الكبير بالفوهرر، هو عسكري محافظ، متشدد دينياً، كان بمثابة أنا ثانية لسيد قطب، وحلقة وصل بين الإخوان، والضباط الأحرار.

أطلق سراح الأخوان الذين سجنهم عبد الناصر بمجرد توليه السلطة. "الرئيس المؤمن"، هو حليف لجماعة الإخوان، بما يخص أسلمة المجتمع المصري ( "ثورة التصحيح")، وخصم الجماعة، عندما يحصل على منفعة سياسية.

تجسدت هذه العلاقة الغامضة من خلال إنشاء ثلاث مجموعات مسلحة، والتي لم تكن انشقاقات لجماعة الإخوان، بل وحدات خارجية تطيعها: حزب التحرير الإسلامي، الجهاد الإسلامي (الشيخ عمر عبد الرحمن)، التكفير و الهجرة (في "التكفير"). الجميع يقولون أنهم يطبقون تعليمات سيد قطب.

شن الجهاد الإسلامي المسلح من قبل المخابرات المصرية، هجمات ضد المسيحيين الأقباط.

اتهم "الرئيس المؤمن" الأقباط بإثارة الفتنة، فأمر بسجن البابا، وثمانية من أساقفتهم، ضارباً عرض الحائط بأي محاولة لتهدئة النفوس.

صار السادات في نهاية المطاف، يتدخل في سلوك جماعة الإخوان المسلمين، ويأخذ موقفاً إلى جانب حركة الجهاد الإسلامي ضد المرشد العام، الذي زج به في السجن. [4]

وبناء على إيحاءات من هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة، اقنع السادات سورية بالانضمام إلى مصر في الهجوم على إسرائيل، واستعادة الحقوق الفلسطينية.

وضع الجيشان في 6 أكتوبر عام 1973، الدولة العبرية بين فكي كماشة، بينما كان الإسرائيليون يحتفلون بيوم الغفران Yom Kippour.

عبر الجيش المصري قناة السويس، فيما كان الجيش السوري يشن هجومه من مرتفعات الجولان.

مع ذلك، لم ينشر السادات إلا جزءا من غطاء دفاعاته الجوية، كما أمر بتوقف جيشه على بعد 15 كيلومتراً شرق القناة، مما أتاح للإسرائيليين الانفراد بالسوريين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين، فراحوا يصرخون، مؤامرة. [5]

إنه فقط، حين حركت إسرائيل قوات الاحتياط، وحوصر الجيش السوري، أمر السادات جيشه بالتظاهر في استئناف تقدمه، ثم أمره بالتوقف للتفاوض على وقف إطلاق النار.

راقب السوفييت خيانة مصر التي فقدوها كحليف مع وفاة عبد الناصر، فهددوا الولايات المتحدة، وطالبوها بوقف فوري للقتال.

وكضابط اتصال سابق لسيد قطب بين "الضباط الأحرار" والإخوان، تم الإعلان عن "الرئيس المؤمن" أنور السادات بوصفه "الخليفة السادس" من قبل البرلمان المصري. هنا، هذا المعجب بإدولف هتلر في مبنى الكنيست إلى جانب شركائه غولدا مئير وشمعون بيريز.

توجه السادات بعد أربع سنوات- تنفيذاً لمخطط وكالة الاستخبارات المركزية- إلى القدس، وقرر توقيع سلام منفرد مع إسرائيل، على حساب الفلسطينيين. وأصبح التحالف بين الإخوان وإسرائيل، أمراً راسخاً منذ ذلك التاريخ.

استهجنت الشعوب العربية برمتها الخيانة المصرية، فاستُبعدت مصر من جامعة الدول العربية، التي نقلت مقرها إلى العاصمة التونسية.

نظم مسؤول الجهاز السري لجماعة الأخوان المسلمين، أيمن الظواهري (القائد الحالي للقاعدة) عملية اغتيال الرئيس السادات (6 أكتوبر 1981).

قررت واشنطن فتح صفحة جديدة عام 1981. فكلفت حركة الجهاد الإسلامي بتصفية السادات، الذي لم يعد له أي فائدة، فاغتيل خلال عرض عسكري، بينما كان مجلس الشعب المصري يستعد لإعلانه " سادس الخلفاء الراشدين".

قُتل سبعة أشخاص على المنصة الرسمية، وأصيب 28 آخرين، لكن الذين كانوا جالسين بجوار الرئيس، نائب الرئيس الجنرال حسني مبارك، نجا من الموت، لأنه كان الشخص الوحيد الذي يرتدي سترة مضادة للرصاص.

حلً مبارك" مكان الرئيس المؤمن"، وصار بالإمكان إعادة جامعة الدول العربية إلى القاهرة.

تخيل مستشار الأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي استخدام جماعة الإخوان المسلمين في عمليات إرهابية ضد الحكومة الشيوعية الأفغانية؛ مما أثار تدخل الاتحاد السوفياتي.

جماعة الإخوان في خدمة إستراتيجية" كارتر- بريجنسكي"

بدأ كل من جيمس كريغ، مسؤول في المكتب الخارجي- وربما في جهاز المخابرات البريطانية M16،

أقنع السير جيمس ماكوين كريغ، المتخصص في الشرق الأوسط، المملكة المتحدة باستخدام جماعة الإخوان المسلمين في عمليات سرية خارج مصر. وهو نفسه من صمم خطة " ثورات الربيع العربي" على غرار العملية التي نفذها لورنس العرب في عام 1915.

في عامي 1972-1973، مع السفير البريطاني فى مصر السير ريتشارد بومونت، بحملة ضغط مكثفة، لكي يعتمد بلدهما والولايات المتحدة على الإخوان المسلمين، ليس في مصر فحسب، ولكن في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ضد الماركسيين والقوميين.

سيتم في وقت لاحق تعيين كريغ سفيراً لصاحبة الجلالة في سورية، ثم في السعودية، وسيجد أذناً صاغية في وكالة الاستخبارات المركزية، ويصبح في وقت لاحق، بعد ذلك بكثير، مصمم " الربيع العربي".

انتخب جيمي كارتر في عام 1977، رئيساً للولايات المتحدة، فعين زبيغنيو بريجنسكي مستشاراً للأمن القومي، الذي قرر استخدام الإسلام السياسي ضد السوفييت. فأعطى الضوء الأخضر للسعوديين، لزيادة مدفوعاتهم لرابطة العالم الإسلامي، ونظم عملية تغيير النظام في باكستان، وإيران، وسورية، وراح يعمل على زعزعة استقرار أفغانستان، وجعل طريق وصول الولايات المتحدة إلى مصادر النفط في "الشرق الأوسط الكبير"، هدفا للأمن القومي الأمريكي.

أخيراً، قدم بريجنسكي الإمكانيات العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين.

أوضح برنارد لويس أبعاد هذه الإستراتيجية في اجتماع مجموعة بلدلبيرغ الذي نظمه حلف شمال الأطلسي في نيسان- أبريل 1979 في النمسا. [6] أكد فيه المتخصص في العالم الإسلامي الأنغلو-أمريكي-إسرائيلي، أنه بإمكان جماعة الإخوان المسلمين، أن تؤدي دوراً، ليس ضد السوفييت فحسب، بل بوسعها أيضاً إثارة اضطرابات داخلية في آسيا الوسطى، وإشعال الفتنة في الشرق الأوسط، لمصلحة إسرائيل.

وخلافا للاعتقاد الشائع، لم يكتف الإخوان بإتباع مخطط بريجنسكي، فقد ذهبوا بنظرهم لما هو أبعد من ذلك، وحصلوا على مساعدة من واشنطن والرياض لإقامة فروع جديدة للجماعة في بلدان أخرى؛ فروع سوف تنمو كثيراً في وقت لاحق.

قدم الملك السعودي منحة تقدر ب 5 مليارات دولار سنوياً لرابطة العالم الإسلامي، التي راحت توسع أنشطتها في 120 بلداً، و تمول الحروب.

للتوضيح فإن، مبلغ 5 مليارات دولار، تعادل الميزانية العسكرية لكوريا الشمالية.

حصلت الرابطة على المركز الاستشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ومركز بصفة مراقب في اليونيسيف Unicef.

سمح الجنرال محمد ضياء الحق، وهو أول رئيس دولة ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين خارج مصر، لمقاتلي الإخوان المسلمين بإقامة قاعدة خلفية ضد الشيوعيين الأفغان. الملياردير السعودي أسامة بن لادن، بطل الغرب ضد السوفييت.

وفي باكستان، أطاح الجنرال محمد ضياء الحق، رئيس هيئة الأركان، الذي تدرب في بورت براغ بالولايات المتحدة، بالرئيس "ذو الفقار علي بوتو"، وأعدمه شنقاً، لأنه عضو في الجماعة الإسلامية، أي النسخة المحلية للإخوان المسلمين، فقد عمل على أسلمة المجتمع الباكستاني، عبر تنصيب تدريجي للشريعة- بما في ذلك إقرار عقوبة الإعدام بتهمة الكفر- ونشر شبكة واسعة من المعاهد الإسلامية.

كانت تلك المرة الأولى التي يستلم فيها الأخوان السلطة خارج حدود مصر.

وفي إيران، تمكن بريجنسكي من إقناع الشاه بالرحيل، وتنظيم عودة الإمام روح الله الخميني، الذي يرى نفسه "إسلامياً شيعياً".

قابل الإمام الخميني، حين كان شاباً عام 1945، حسن البنا في القاهرة، ليقنعه بعدم إزكاء الصراع السني-الشيعي. ثم قام بعد ذلك بترجمة كتابين لسيد قطب.

تتطابق وجهات نظر الأخوان والثوار الإيرانيين حول موضوعات اجتماعية، لكنها تتنافر كلياً حول المسائل السياسية.

أدرك بريجنسكي خطأه فور وصول آية الله إلى طهران، حين شرع الإمام بالدعاء فوق قبور شهداء نظام الشاه، وناشد الجيش القيام بثورة ضد الامبريالية.

ارتكب بريجنسكي خطأً ثانياً حين أرسل قوات الدلتا، لإنقاذ جواسيس الولايات المتحدة المحتجزين كرهائن في سفارتها بطهران.

وحتى لو تمكن من حجب أنظار الغرب عن حقيقة أن دبلوماسييه لم يكونوا دبلوماسيين، بل جواسيس، إلا أنه سخًفَ جنوده في عملية "مخلب النسر" الفاشلة، وأرسى في وزارة الدفاع فكرة وجوب امتلاك الإمكانيات للتغلب على الخصوم.

وضع بريجنسكي في أفغانستان "عملية الإعصار". فتدفق بين 17 و 35000 مقاتلاً من الأخوان المسلمين، من أربعين بلداً، لمقاتلة الاتحاد السوفييتي، الذي جاء بناء على طلب من الجمهورية الديمقراطية الأفغانية للدفاع عنها- لم يكن هناك "اجتياح سوفييتي" لأفغانستان كما تدعي البروباغندا الأمريكية. [7]

جاء هؤلاء الرجال لدعم تحالف المقاتلين المحافظين، والأخوان المسلمين المحليين، منهم الباشتوني قلب الدين حكمتيار، والطاجيكي أحمد شاه مسعود. كانوا يتلقون أسلحتهم بشكل رئيسي من إسرائيل، عدوهم اللدود رسمياً، لكنها الآن شريكتهم. [8]

تخضع كل هذه القوات، الممولة من الولايات المتحدة والسعودية، للجنرال محمد ضياء الحق في باكستان. وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها جماعة الإخوان المسلمين من قبل الأنغلوسكسون لشن الحرب.

يوجد بين المقاتلين الحاليين من سيصبحون قادة المستقبل في حرب القوقاز، والجماعة الإسلامية الاندونيسية، وجماعة أبو سياف في الفلبين، وبالطبع القاعدة، وداعش.

كان الدعم للعملية المناهضة للاتحاد السوفييتي، في الولايات المتحدة يأتي من الحزب الجمهوري، ومن مجموعة صغيرة منشقة من اليسار المتطرف، تروتسكيين من الحزب الاجتماعي الديمقراطي الأمريكي Social Democrats USA .

جسدت إستراتيجية كارتر- بريجنسكي تغييرا في سلَم الأولويات. [9]

المملكة العربية السعودية، التي كانت حتى ذلك الوقت، الممول الرئيس للجماعات الإسلامية، صارت تتحمل عبء إدارة أموال الحرب ضد السوفييت. وأصبح المدير العام للمخابرات السعودية الأمير تركي (ابن الملك فيصل في ذلك الحين)، شخصية لايشق لها غبار، في كل قمم الاستخبارات الغربية.

تم تدريب الفلسطيني عبد الله عزام، والسعودي أسامة بن لادن في الرياض على يد محمد قطب، شقيق سيد قطب. وقاد كلا الاثنان على التوالي مقاتلي جماعة الإخوان المسلمين في أفغانستان.

وبعد أن أضحت المشكلات بين العرب والأفغان ظاهرة متكررة، أرسل الأمير تركي بداية، الفلسطيني عبد الله عزام "إمام الجهاد"، ليعيد ترتيب الأمور بين الإخوان، وليدير شؤون مكتب رابطة العالم الإسلامي، ثم تبعه الملياردير أسامة بن لادن.

عزام وأسامة بن لادن، تتلمذا معاً في المملكة العربية السعودية على يد شقيق سيد قطب.

قامت جماعة الإخوان المسلمين، أيضا أثناء إدارة كارتر بحملة طويلة من الإرهاب في سورية، شملت قتل تلاميذ ضباط من غير الطائفة السنية في الكلية الحربية في حلب من قبل " الطليعة المقاتلة"، التي كان لديها معسكرات تدريب في الأردن، يتلقون فيها التدريب العسكري على يد مدربين بريطانيين.

توصلت وكالة الاستخبارات المركزية CIA خلال سنوات الرصاص تلك، من توطيد تحالف بين الإخوان المسلمين ومجموعة صغيرة من الشيوعيين السابقين، جماعة رياض الترك.

كان هذا الشيوعي وأصدقاؤه، جورج صبرا، وميشيل كيلو قد قطعوا علاقتهم مع موسكو خلال الحرب الأهلية اللبنانية لدعم المعسكر الغربي، وانضموا حينذاك إلى مجموعة تروتسكية أميركية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الولايات المتحدة Social Democrats USA

أصدر الثلاثة بياناً زعموا فيه أن الإخوان المسلمين يمثلون البروليتاريا الجديدة، وأنه لايمكن إنقاذ سورية إلا من خلال التدخل العسكري الأمريكي.

قام الأخوان المسلمون في نهاية المطاف، بمحاولة انقلاب في عام 1980، بدعم من حزب البعث العراقي (الذي تعاون مع واشنطن ضد إيران)، والمملكة العربية السعودية. وتمخضت الاشتباكات في مدينة حماة فيما بعد عن ألفي قتيل وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، وأربعين ألفاً وفقاً لجماعة الأخوان المسلمين، ووكالة الاستخبارات المركزية CIA...

تم سجن هؤلاء التروتسكيين، فيما لاذ معظم عناصر الأخوان بالفرار، إما إلى ألمانيا ( حيث يتواجد المرشد العام السابق، السوري عصام العطار) أو إلى فرنسا (كما هو الحال بالنسبة ل أبو مصعب السوري)، حيث منحهم كل من المستشار هيلموت كول، والرئيس فرانسوا ميتران، حق اللجوء.

بعد ذلك بعامين، وقعت فضيحة في أوساط المعارضة التي أصبحت في المنفى، أثناء الاقتسام : ثلاثة ملايين دولار اختفت من مغلف كان يحتوي على 10 مليون، قدمته رابطة العالم الإسلامي.

نحو تأسيس جهاد دولي

تلقت رابطة العالم الإسلامي تعليمات من واشنطن تقضي بإجراء تحول في المجتمع الجزائري. وظلت الرياض طيلة عشر سنوات، تتبرع بالمال بسخاء لبناء المساجد في القرى الجزائرية.

وفي كل مرة، كان يبنى إلى جانب المسجد مركزاً صحياً ومدرسة. كانت السلطات الجزائرية ترحب بهذه المساعدة، نظراً لأنها لم تكن قادرة على ضمان حصول الجميع على الصحة والتعليم. وبالتدريج بدأت الطبقات العاملة الجزائرية تبتعد عن الدولة، التي لم تعد مفيدة بالنسبة لهم، وراحت تقترب أكثر فأكثر من المساجد، لأنها أكثر سخاءً.

واتخذ الرئيس بوش الأب، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، صديقاً له السفير السعودي، الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الذي سيصبح فيما بعد نظيره كرئيس للمخابرات في بلاده. وصار يعتبره بمثابة ابنه بالتبني، ومن هنا جاء لقبه بندر بوش.

بعد أن أصبح الأمير فهد ملك المملكة العربية السعودية، في عام 1982، عيًن الأمير بندر (ابن وزير الدفاع) سفيراً في واشنطن، وهو المنصب الذي شغله طوال فترة حكمه. كانت مهمته ذات شقين : من جهة، يتعين عليه أن يدير العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، ومن جهة أخرى أن يخدم كواجهة بين، الأمير تركي، رئيس المخابرات، ووكالة الاستخبارات المركزية CIA.

تمكن من نسج عُرى الصداقة بين نائب الرئيس ومدير المخابرات المركزية السابق، جورج بوش (الأب)، الذي صار يعتبر بندر بمثابة "ابنه بالتبني"، ثم مع وزير الدفاع ديك تشيني، ولاحقاً مع جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA.

دخل السفير بندر في الحياة الاجتماعية للنخب الأميركية، كما اندمج في الطائفة المسيحية الخاصة بقادة الأركان في البنتاغون، العائلة (The Family) وفي نادي المحافظين المتشددين البوهيميين في سان فرنسيسكو.

بدأ بندر بإدارة الجهاديين من خلال رابطة العالم الإسلامي، والتفاوض مع لندن لشراء الأسلحة لحساب المملكة العربية السعودية من شركة الفضاء البريطانية مقابل النفط. وصلت فاتورة عقود "اليمامة" إلى ما بين 40 و 83 مليار جنيه إسترليني، كان يتحتم على البريطانيين دفع جزء كبير من تلك المبالغ (رشاوى) لبعض الأمراء في الرياض.

عهد الرئيس رونالد ريغان في عام 1983، لكارل غيرشمان، الزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين في الولايات المتحدة الأمريكية، الإدارة الجديدة لمؤسسة الوقف الوطني للديمقراطيةNational Endowment for Democracy [10]، وهي عبارة عن وكالة تابعة لاتفاق "العيون الخمسة" المتنكرة في زي منظمة غير حكومية، وهي أيضاً واجهة قانونية لأجهزة كل من المخابرات الاسترالية، الكندية، الأميركية، البريطانية، والنيوزلندية.

كان غيرشمان قد عمل مع رفاقه التروتسكيين، وأصدقاء من الإخوان المسلمين في لبنان، وسورية، وأفغانستان. أقام حينها شبكة واسعة من الجمعيات والمؤسسات التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزيةCIA، والمخابرات البريطانية MI6لدعم الإخوان، كلما كان ذلك ممكناً.

يدعي غيرشمان الانتماء إلى "عقيدة كيركباتريك" القائلة أن : كل التحالفات على حق، عندما تخدم مصالح الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية ونظيرتها البريطانية في ذروة الحرب البارة، الرابطة العالمية المناهضة للشيوعية (WACL) لاستخدامها في نقل الأموال اللازمة للجهاد إلى أفغانستان. وقد انضم أسامة بن لادن إلى هذه المنظمة التي تضم العديد من رؤساء الدول. [11]

أنشأت المملكة المتحدة، الوفية دائماً لتقاليدها في الخبرة الأكاديمية، عام 1985، معهداً لدراسة المجتمعات الإسلامية Oxford Centre for Islamic Studies، والطريقة التي تمكن الإخوان من التأثير فيها.

وفي عام 1989، نجح الأخوان في إدارة انقلاب ثانٍ، هذه المرة في السودان لصالح العقيد عمر البشير، الذي لم يتأخر في وضع المرشد المحلي للجماعة، حسن الترابي، على رأس الجمعية الوطنية (البرلمان).

أعلن الترابي في أول مؤتمر صحفي له من لندن، أن بلاده ستصبح القاعدة الخلفية للجماعات الإسلامية في العالم.

حسن الترابي وعمر البشير يفرضان جماعة الإخوان المسلمين على السودان. ثم مالبثا، وفي سياق طائفي ومتخلف على نحو خاص، أن أدخلا بلدهما في خلاف مع جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يدمرا بعضهم البعض.

أيضاً في عام 1989، انبثقت في الجزائر الجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS) حول عباسي مدني، بينما كان الحزب الحاكم ينهار إثر العديد من فضائح الفساد.

كان الدعم الأساسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ يأتي من المساجد " هدايا " السعوديين، وبالتالي، من قبل الجزائريين الذين واظبوا على التردد لمدة عشر سنوات على هذه المساجد.

ربحت الجبهة الانتخابات المحلية على خلفية رفض الشعب الجزائري للقيادة التي تحكمه، وليس التزاماً بأيديولوجيا الجبهة الإسلامية. فقام الجيش على الفور، تقديراً منه لفداحة فشل السياسات التي اتبعت، واستحالة التفاوض مع الإسلاميين، بانقلاب ألغى بموجبه نتائج الانتخابات، لتغرق البلاد في حرب أهلية طويلة ودموية، لم نعرف عنها الشيء الكثير حتى الآن. لكننا عرفنا أنها أسفرت عن مقتل 150 ألف إنسان.

لم يكن الإسلاميون يترددون في ممارسة العقوبات الفردية والجماعية على حد سواء، حين أقدموا على سبيل المثال على ذبح سكان قرية بن طلحة-لاقترافهم جرم الإدلاء بأصواتهم، على الرغم من فتوى تحظر ذلك- فتم مسح القرية من الوجود.

من الواضح أن الجزائر كانت بمثابة مختبر لعمليات جديدة.

انتشرت شائعات تؤكد أن عناصر الجيش، وليس الإسلاميين، هم الذين قاموا بذبح سكان قرية بن طلحة.

في الواقع، كان ثمة العديد من كبار مسؤولي الاستخبارات، الذين تم تدريبهم سابقاً في الولايات المتحدة، قد انضموا للإسلاميين، ونشروا حالة الغموض.

حين عاد أسامة بن لادن في عام 1991 إلى المملكة العربية السعودية، كمناضل بطل ضد الشيوعية في نهاية الحرب في أفغانستان، دخل في مشاحنة رسمية مع الملك، في الوقت الذي كان فيه "السروريون" يعلنون ثورتهم ضد النظام الملكي.

استمرت هذه الانتفاضة، التي أٌطلق عليها اسم "الصحوة الإسلامية"، أربع سنوات، وانتهت بزج جميع قادتها الرئيسيين في السجن.

لقد أظهرت هذه الانتفاضة للعائلة الملكية-التي كانت تتخيل أنها تمسك بزمام كل السلطات- أن الخلط بين الدين والسياسة، يمنح الأخوان فرصة تهيئة الظروف الملائمة لثورة من خلال المساجد.

في هذا السياق، ادعى أسامة بن لادن أنه قدم مساعدة مكونة من بضعة آلاف من قدامى المحاربين في أفغانستان ضد العراقيين، لكن المفاجأة، أن الملك كان يفضل مليون جندي من الولايات المتحدة وحلفائها.

غادر لذلك السبب السعودية وذهب إلى منفاه في السودان، لكنه في الواقع كان مكلفا بمهمة إعادة السيطرة على الإسلاميين، الذين فلتوا من سلطة الإخوان، وثاروا ضد النظام الملكي.

قام بن لادن بالتعاون مع حسن الترابي، بتنظيم محاضرات شعبية عن القومية العربية، والقومية والإسلام، دعا إليها ممثلي الحركات الإسلامية من خمسين بلداً.

كان الهدف من هذه اللقاءات هو خلق معادل، على صعيد الأحزاب، لما قامت به المملكة العربية السعودية مع منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تجمع تحت مظلتها دولاً.

لم يكن المشاركون في تلك اللقاءات، بدءاً من ياسر عرفات، وانتهاءً بحزب الله اللبناني، يعلمون بأنها ممولة من السعودية، وأن الفنادق التي كانوا نزلاءها، مراقبة من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية CIA.

توصل مكتب التحقيقات الفدرالي في تلك الأثناء، إلى إدانة بنك الاعتماد والتجارة الدولية BCCI،

وهو بنك إسلامي ضخم، أصبح مع مرور الوقت مطية لوكالة الاستخبارات المركزية، تستخدمه في عملياتها السرية، لاسيما تمويل الحرب في أفغانستان- وأيضاً تهريب المخدرات من أمريكا اللاتينية-. [12]

عندما أعلن البنك عن إفلاسه، تم تجاهل تعويض صغار المتعاملين، لكنه عوًض أسامة بن لادن بمبلغ 1.4 مليار دولار، لكي يواصل التزاماته تجاه جماعة الإخوان المسلمين، خدمة لواشنطن.

نقلت وكالة الاستخبارات المركزية بعد ذلك أنشطة بن لادن المصرفية إلى بنك فيصل الإسلامي Faysal Islamic Bank وفرعه، بنك البركة.

نشر السعودي أسامة بن لادن وطبيبه الشخصي المصري أيمن الظواهري في عام 1998 نصاً بعنوان "الجبهة الإسلامية العالمية ضد اليهود والصليبيين". وقد تولى مكتبهما "Advice and Reformation Committee " في "لندنستان" بتوزيع هذا النص. نظم الظواهري عملية اغتيال الرئيس السادات، ثم عمل في جهاز المخابرات السوداني التابع لكل من حسن الترابي وعمر البشير، وهو يرأس حتى الآن تنظيم القاعدة.

الإسلاميون برعاية البنتاغون

قررت وزارة الدفاع الأمريكية في مطلع التسعينات، دمج الإسلاميين-الذين كانوا حتى ذلك الحين يتبعون حصراً لوكالة الاستخبارات المركزية CIA- في أنشطتها. فكانت عمليّة (غلاديو ب Gladio B)، نسبة إلى استخبارات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، ثم (غلاديو آ [13] Gladio A )، طوال عقد من الزمن، كان جميع القادة الإسلاميين – بمن فيهم أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري – يسافرون على متن طائرات سلاح الجوّ الأميركي.

شاركت كل من المملكة المتحدة، وتركيا، وأذربيجان في تلك العمليّة. وبالنتيجة، الإسلاميّون – الذين كانوا حتّى ذاك الحين مجرد مقاتلين في الظلّ – أصبحوا مندمجين علناً ضمن قوّات حلف شمال الأطلسي. [14]

المملكلة العربية السعودية – التي هي دولة ومُلكيّة خاصّة لآل سعود في آن معاً – أصبحت رسمياً مؤسسة مكلّفة بإدارة الإسلام العالمي.

دعا الملك السعودي في عام 1992، إلى قانون أساسي يقضي بأن "تحمي الدولة العقيدة الإسلامية، وتطبّق الشريعة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المُنكر، وتتمم فرائض الإسلام. (...) الدفاع عن العقيدة الإسلاميّة، ومجتمع الوطن المسلم، واجب على كل فرد من رعايا الملك".

وضع تشارلز، أمير ويلز في عام 1993، مركز أكسفورد للدراسات الإسلاميّة تحت رعايته، فيما تولّى الأمير تركي، رئيس المخابرات السعوديّة إدارة المركز. مما جعل لندن المركز العصبي علناً ل (غلاديو ب Gladio B) إلى درجة أنه صار يقال عن مدينة الضباب "لندنستان". [15]

أنشأ الأخوان المسلمون العرب، والجماعة الإسلامية الباكستانية، تحت مظلّة رابطة العالم الإسلامي، الكثير من الجمعيّات الثقافيّة والدينيّة حول مسجد فينسبوري بارك Finsbury Park . وقد سمحت هذه الآليّة بتجنيد العديد من الانتحاريين، الذين هاجم بعضهم مدرسة بسلان الروسيّة في ريتشارد ريد، إلى شو بومبر Shoe bomber .

تضم "لندنستان" على نحو خاص، العديد من وسائل الإعلام، ودور النشر، والصحف (صحيفة الحياة والشرق الأوسط – ويرأسهما أبناء ملك السعودية الحالي سلمان) ومحطّات تلفزيون (تضم مجموعة MBC للأمير الوليد بن طلال، عشرين قناة تقريباً)، وهي غير موجهة لمسلمي الشتات في المملكة المتحدة، بل للعالم العربي، لأن الاتفاق بين الإسلاميين والمملكة السعوديّة، يأخذ بعين الاعتبار تمدده في المملكة المتحدة – يطلق يدهم بحريّة كاملة للعمل، لكن مع حظر التدخّل في السياسة الداخليّة.

تستخدم هذه المجموعة عدّة آلاف من الأشخاص، وتنفق مبالغ طائلة من الأموال، ظلت علنية حتّى هجمات 11 سبتمبر 2001 حيث صار مستحيلاً على البريطانيين الاستمرار في تبرير وجودها.

قام أبو مصعب "السوري" (هنا مع أسامة بن لادن) بوضع "استراتيجية التوتر" بالمعنى الإسلامي. فأنشأ علناً وكالة في مدريد ولندن للإشراف على الهجمات الإرهابية في أوروبا.

أبو مصعب "السوري" – وهو ناجٍ من الانقلاب الفاشل في حماة، والذي أصبح ضابط ارتباط بين بن لادن، والجماعة الإسلامية المسلّحة الجزائريّة – صار أحد منظري" الجهاد اللامركزي". [16]

وفي دعوته إلى المقاومة الإسلاميّة العالميّة، دفع بمصطلحات إسلاميّة، النظرية المعروفة أصلاً ب "إستراتيجية التوتر". المقصود منها، استفزاز السلطات، لإثارة قمع رهيب، يقود الشعب للثورة عليها.

سبق أن استخدمت هذه النظرية من قبل شبكاتُ (غلاديو GLADIO) التابعة لوكالةِ الاستخبارات المركزية CIA /الناتو من خلال التلاعب باليسار الأوروبي المتطرّف، خلال عقدي السبعينات والثمانينات (عصابة بادر ماينهوف (ألمانيا)، الألوية الحمراء (أيطاليا)، أكسيون ديريكت (فرنسا) Action directe).

بالطبع، لم يكن وارداً نجاح تلك الإستراتيجيّة، وكانت CIA / الناتو تعلمان أن حظوظ نجاحها ضئيلة – إذ لم تنتصر يوماً في أيّ مكان – لكنّها كانت تسعى إلى استخدام ردّ فعل الدولة القمعي، لتضع رجالها في السلطة.

يُحدد "السوري" أوروبا – وليس الولايات المتحدة بأيّ حال – ساحةَ معركةِ الإسلاميين المقبلةَ.

هرب من فرنسا في عام 1995، عقب الهجمات التي وقعت في ذلك العام. بعد عامين على ذلك، وأسّس في مدريد و"لندنستان" مكتب دراسات الصراع الإسلامي Islamic Conflict Studies على غرار وكالة آجينتر برس Aginter Press، التي أنشأتها وكالة الاستخبارات المركزية CIA في لشبونة خلال الستينات والسبعينات. وقد برعت البنيتان في تنظيم الهجمات تحت أعلام مزيفة (بدءا من الهجمات المنسوبة إلى اليسار المتطرّف في ساحة فونتانا في عام 1969، إلى تلك المنسوبة إلى المسلمين في لندن عام 2005).

يدرب مستشار التواصل لجماعة الإخوان المسلمين محمود جبريل الورفلي الديكتاتوريين المسلمين للتحدث بلغة ديمقراطية. وقد أعاد تنظيم قناة الجزيرة، ثم أصبح مسؤولاً عن توطين شركات أمريكية أثناء نظام القذافي في ليبيا، ثم قاد أخيراً عملية الإطاحة بالقذافي نفسه.

طوَر الأخوان بالتزامن مع ذلك، برنامجاً تدريبياً شاملاً للقادة العرب الموالين للولايات المتحدة. علّمهم الليبي محمود جبريل الورفلي، الأستاذ في جامعة بتسبرغ، كيف يتحدّثون بـ "الصحيح سياسياً ". كما قام بتأهيل أمراء، وجنرالات سعوديين، وبحرينيّين، ومصريين، وإماراتيين، وأردنيين، وكويتيين، ومغربيين، وتونسيين، (وسنغافوريين أيضاً).

بمزجه مبادئ العلاقات العامة، ودراسة تقارير البنك الدولي، صار بإمكان أسوأ الطغاة، الحديث عن مُثلِهم الديمقراطيّة، وعن عميق احترامهم لحقوق الإنسان، من غير أن يبتسموا.

طغت الحرب ضد الجزائر على فرنسا. فقطع جاك شيراك، ووزير داخليّته شارل باسكوا، دعمَ باريس للإخوان المسلمين، وحظرا حتّى كتب يوسف القرضاوي (واعظ جماعة الإخوان). كان يعنيهما الحفاظ على الحضور الفرنسي في المغرب العربي، الذي يريد البريطانيّون محوه من الخارطة.

احتجزت الجماعة الإسلاميّة المسلّحة ركّاب رحلة جوية للخطوط الفرنسيّة، كانت متجهة من الجزائر إلى باريس كرهائن (1994)، وفجّرت قنابل في المترو، وفي قطار باريسي عام (1995)، وخطّطت لهجوم ضخم – جرى إحباطه – أثناء مباريات كأس العالم لكرة القدم (1998)، يتضمّن سقوط طائرة فوق محطة نووية لتوليد الكهرباء. وفي كلّ مرّة كان المشتبه بهم يتمكّنون من الفرار، واللجوء إلى " لندنستان ".

عرض "الفيلق العربي" برئاسة أسامة بن لادن على الرئيس علي عزت بيغوفيتش في البوسنة والهرسك.

بدأت حرب البوسنة والهرسك في عام 1992. [17] وبناءً على تعليمات واشنطن، أرسلت الاستخبارات الباكستانيّة ISI، التي كانت تحظى حتى ذلك الحين بدعم مالي من المملكة السعوديّة ، 90 ألف رجل للمشاركة فيها ضد الصرب (المدعومين من موسكو).

مٌنحَ أسامة بن لادن جواز سفر دبلوماسي بوسني، وصار مستشاراً عسكريّاً للرئيس علي عزّت بيغوفيتش (فيما الأميركي ريتشارد بيرل مستشاره الدبلوماسي، والفرنسي برنار هنري ليفي مستشاره الإعلامي).

شكّل بن لادن الفيلق العربي من قدامى المحاربين في أفغانستان، ووزع تمويل رابطة العالم الإسلامي له. وبردّة فعل طائفيّة، أو تنافسية مع المملكة السعوديّة، هبّت جمهورية إيران الإسلاميّة هي أيضاً، لنجدة مسلمي البوسنة. وفي وفاقٍ مع البنتاغون، أرسلت بضع مئات من الحرس الثوري، ووحدة من حزب الله اللبناني. والأهمّ من ذلك كلّه أنّها قدّمت معظم الأسلحة التي استخدمها الجيش البوسني.

تبيّن للمخابرات الروسية، التي اخترقت معسكر بن لادن، أنّ كلّ ما يتعلق بمراسلات، وأوراق الفيلق العربي كانت مدونة باللغة الإنكليزيّة، وأنّ الفيلق يتلقّى أوامره مباشرة من حلف شمال الأطلسي.

أنشئت محكمة دولية خاصة بعد انتهاء الحرب، لاحقت العديد من المقاتلين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، لكنّها لم تلاحق أيّاً من أفراد الفيلق العربي.

شارك المصري محمد الظواهري إلى جانب شقيقه أيمن (زعيم تنظيم القاعدة الآن) في اغتيال الرئيس السادات. كما شارك إلى جانب الناتو في حربي البوسنة والهرسك وكوسوفو. وقاد وحدة عسكرية من جيش تحرير كوسوفو.

بعد ثلاث سنوات من الهدوء، استؤنفت الحرب بين المسلمين والأرثوذوكس في يوغوسلافيا السابقة، في كوسوفو هذه المرّة.

تشكل جيش تحرير كوسوفو UÇK من عصابات مافياويّة درّبتها القوّات الألمانيّة الخاصّة (KSK) على القتال في قاعدة انجرليك التركيّة.

ثقافة الألبان واليوغوسلافيين المسلمين نقشبنديّة. حقان فيدان، الذي أصبح رئيس المخابرات التركية في وقت لاحق، كان ضابطَ الاتصال بين الناتو وتركيا.

اندمج مقاتلو الفيلق العربي القدماء في جيش تحرير كوسوفو، وكانت إحدى فرقه تحت إمرة واحد من إخوة أيمن الظواهري. دمّرت هذه الفرقة الكنائس والأديرة الأرثوذوكسيّة بمنهجّية، وطردت المسيحيين من البلاد.

وفي عودة إلى تقاليد الاغتيالات السياسيّة في عام 1995، حاول أسامة بن لادن تصفية الرئيس المصري حسني مبارك.

أعاد الكرّة في العام التالي مع الزعيم الليبي معمّر القذافي. وقد موّلت الاستخبارات البريطانيّة الهجوم الثاني بمائة ألف جنيه، رغبة منها في معاقبة الدعم الليبي للمقاومة الأيرلندية. [18]
لكن العملية فشلت، وفر العديد من الضباط الليبيين إلى المملكة المتحدة، من بينهم رمضان عبيدي، الذي سيتم اتهام ابنه بعد سنوات، من قبل المخابرات البريطانية، بتنفيذ هجوم مانشستر.
الأمر الذي دفع ليبيا لإرسال أدلّة إلى منظمة الأنتربول، فصدرت أوّل مذكّرة توقيف دولية بحقّ أسامة بن لادن شخصياً، وكان لا يزال لديه مكتب للعلاقات العامة في "لندنستان".

تأسست اللجنة العربية لحقوق الإنسان عام 1998 في باريس، برئاسة التونسي منصف المرزوقي، والمتحدّث الرسمي باسمها السوري هيثم المنّاع، بتمويل مباشر من مؤسسة نيد NED. هدفها الدفاع عمن ألقي القبض عليهم من الإخوان المسلمين في مختلف الدول العربية، بسبب نشاطاتهم الإرهابيّة.

المرزوقي طبيب يساري يعمل مع الأخوان منذ فترة طويلة. والمنّاع كاتب يدير استثمارات حسن الترابي والإخوان السودانيين في أوروبا.

حين انسحب المنّأع من اللجنة، بقيت زوجته مديرة للجمعيّة. وحلّ مكانه المحامي الجزائري رشيد مسلي، وهو أيضاً محامي عباس مدني، والإخوان الجزائريين.

قاد الابن الروحي للإسلامي التركي نجم الدين أربكان (في الوسط)، رجب طيب أردوغان (على اليمين) مجموعته السرية، ميلي غوروس، كما نظم عملية توصيل الأسلحة إلى الشيشان، وإيواء أبرز الأمراء المناهضين لروسيا في إسطنبول.

أسس زبيغينو بريجنسكي في عام 1999 (أي بعد حرب كوسوفو واستيلاء الإسلاميين على السلطة في غروزني)، مع لفيف من المحافظين الجدد، اللجنة الأميركيّة للسلام في الشيشان.

إذا كانت حرب الشيشان الأولى شأناً روسياً داخلياً تدخّل فيه بعض الإسلاميين، فقد سعت الثانية لإقامة إمارة إتشكيريا الإسلاميّة.

حاول بريجينسكي، الذي كان يجري التحضيرات لهذه العمليّة منذ عدّة سنوات، أن يستنسخ التجربة الأفغانيّة.

لم يتدرّب الجهاديّون الشيشان، من أمثال شامل باساييف، في السودان عند بن لادن، إنّما في أفغانستان عند الطالبان. استفادوا، طوال فترة الحرب، من الدعم "الإنساني" من حركة "مللي غوروش، رؤيا الملًة" التركية لنجم الدين أربكان، ورجب طيب أردوغان، ومن منظمة "حقوق الإنسان والحريّات IHH".

تأسّست هذه الجمعية التركية الأخيرة في ألمانيا تحت اسم المساعدة الإنسانيّة الدولية Internationale Humanitäre Hilfe. بعد ذلك، نظّموا عدّة عمليّات كبيرة: لاسيّما ضد مسرح موسكو عام 2002 ( 170 قتيلاً و700 جريح)، وضد مدرسة في بسلان عام 2004 ( 385 قتيلاً و783 جريحاً) وضد مدينة نالتشيك عام 2005 ( 128 قتيلاً و115 جريح).

نظمت حركة مللي غوروش وجمعية المساعدة الإنسانيّة الدولية بعد مجزرة بسلان ومقتل الزعيم الجهادي شامل باساييف، في مسجد فاتح في اسطنبول جنازة كبيرة بلا جثمان، حضرها عشرات آلاف الناشطين.

تدمير السفارة الأمريكية في دار السلام، تنزانيا، في 7 آب-أغسطس 1998، وتقديمها على أنها هجوم "مناهض للولايات المتحدة" أسفر عن سقوط 11 قتيلاً و85 جريحاً. لكن...ولا ضحية أمريكية.

في تلك الفترة، نُسبت ثلاث هجمات كبيرة إلى تنظيم القاعدة. مع ذلك، ورغم أهميّة تلك العمليات، فقد مثّلت تراجعاً للإسلاميين المندمجين في حلف الناتو، والذين يرون أنفسهم في الوقت نفسه، مُخفّضين إلى مستوى إرهابيين مناهضين للولايات المتحدة.

  تم تفجير شاحنة مفخخة في عام 1996، أمام برج من ثمانية طوابق في الخُبر، في المملكة السعودية، أدى إلى مصرع 19 جندياً أميركياً. نُسبت المسؤولية عن الهجوم بداية إلى تنظيم القاعدة، ثمّ حوّلت إلى إيران، وأخيراً لم تُنسب إلى أحد.

  وفي عام 1998، انفجرت قنبلتان أمام سفارتيّ الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا)، وفي دار السلام (تنزانيا)، مما أسفر عن مقتل 298 إفريقياً – ولا أمريكي واحد – وجرح أكثر من 4500 شخص. تبنّى الهجمات جيشٌ غير معروف، هو الجيش الإسلامي لتحرير الأماكن المقدّسة.

  وفقاً للسلطات الأميركية، قد يكون الفاعلون هم عناصر في حركة الجهاد الإسلامي في مصر، انتقاماً لتسليم أربعة من أفرادها. مع ذلك، اتهمت السلطات ذاتها أسامة بن لادن برعاية الهجومين، وأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي – أخيراً – مذكّرة توقيف دولية بحقّه.

  في عام 2000، انفجر قارب انتحاري في جسم المدمّرة USS Cole في ميناء عدن (اليمن). تبنّى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الهجوم، إلّا أنّ محكمة أميركيّة حمّلت السودان مسؤوليته.

حدثت تلك الهجمات في ظلّ استمرار التعاون بين واشنطن والإسلاميين.

وهكذا، احتفظ أسامة بن لادن بمكتبه في لندنستان حتّى عام 1999.

كان هدف هيئة النصيحة والإصلاح Advice and Reformation Committee (ARC)، التي اتخذت من حيّ ويمبلي مقراً لها، نشر تصريحات بن لادن، وتغطية أنشطة تنظيم القاعدة اللوجستية، بما فيها تجنيد الجهاديين، والمدفوعات، وشراء المعدات.

كان السعودي خالد الفواز، والمصريّان عادل عبد الباري، وإبراهيم عيدروس، من بين مساعدي أسامة بن لادن، ثلاثة رجال صادرة بحقّهم مذكّرات توقيف دولية، لكنّهم حصلوا مع ذلك، على اللجوء السياسي في المملكة المتحدة.

نشر مكتب بن لادن في شباط (فبراير) 1998 نداءه الشهير إلى الجهاد ضد اليهود والصليبيين. وبعد ذلك، أدخل المستشفى الأميركي بدبي في آب (أغسطس) 2001 نتيجة مرض كلوي خطير. وقد أكّد لي شخصياً رئيس دولة خليجيّة أنّه زار أسامة بن لادن في غرفته بالمستشفى، حيث كان تحت حراسة عناصر من وكالة الاستخبارات المركزية CIA.

دمج جهازي "غلاديو" وإعداد داعش

حمًلت إدارة بوش الإسلاميين، حسب منطقها نفسه، مسؤولية الهجمات الهائلة التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وفرضت الرواية الرسمية نفسها، على الرغم من احتوائها على الكثير من التفكك.

كان وزير العدل يؤكد أن ثمة طائرات اختطفت من قبل إسلاميين، رغم أنه وفقاً لشركات الطيران، لم يتم العثور على أي من المشتبه بهم على متن الطائرات المختطفة. لكن وزارة الدفاع لم تتردد بنشر فيديو يتبنى فيه بن لادن الهجمات، على الرغم من رفضه لها علانية، وتأكيد الخبراء في التعرف على الوجه والصوت، أن الرجل في شريط الفيديو، ليس قطعا بن لادن.

على أي حال، كانت هذه الأحداث بمثابة ذريعة لكل من واشنطن ولندن لإعلان "حرب لانهاية لها" على الإرهاب، ومهاجمة حلفائهم السابقين، حركة طالبان في أفغانستان، وعراق صدام حسين.

في 11 سبتمبر 2001، لم يكن أسامة بن لادن في وضع يسمح له بقيادة أي عملية إرهابية. كان يحتضر من جراء غسيل الكلى في مستشفى روالبندي العسكري بباكستان.

استسلم أسامة بن لادن لمرضه، بعد معاناة طويلة مع الفشل الكلوي، وفارق الحياة في 15 ديسمبر 2001 على أثر متلازمة مارفان.

حضر ممثل الاستخبارات البريطانية MI6 مراسم تشييعه في أفغانستان. وفي وقت لاحق، ظهرت عدة بدائل بشرية تشبهه لتبقيه على قيد الحياة، واحد من هؤلاء قتل على يد عمر الشيخ في عام 2005، وفقاً لرئيسة الوزراء الباكستانية بنظير بوتو.

نظمت المخابرات البريطانية في آب-أغسطس 2002 في لندن مؤتمراً لجماعة الإخوان المسلمين تحت شعار"سورية للجميع". طور الخطباء فكرة أن سورية ستتعرض للقمع على يد الطائفة العلوية، وأن جماعة الإخوان المسلمين، هم وحدهم القادرون على تقديم المساواة الحقيقية للجميع.

استحوذ الإسلاميون بعد سيد قطب وأبو مصعب السوري، على رجل استراتيجيا جديد، إنه أبو بكر ناجي.

نشر هذا الرجل، الذي لم يكن له أي ظهور سابق، في عام 2004 كتاباً على شبكة الإنترنت عن إدارة الهمجية، نظرية الفوضى. [19]

وعلى الرغم من إعراب بعض المؤلفين عن اعتقادهم بأنهم تعرفوا من خلاله على أسلوب كاتب مصري آخر، إلا أنه يبدو أن الكتاب قد كتب باللغة الانكليزية، وتم إثراؤه باستشهادات قرآنية، ثم تٌرجمَ إلى العربية .

"الوحشية" في عنوان الكتاب لا يشير إلى اللجوء للإرهاب، ولكن إلى العودة إلى حالة الطبيعة ما قبل الحضارة التي أنتجت دولة.

المقصود تماماً هو إعادة البشرية إلى الحقبة التي كان فيها "الإنسان ذئب بالنسبة للإنسان ذاته".

تتمثل إستراتيجية الفوضى بثلاث مراحل:

 أولاً، تحطيم معنويات الدولة وإنهاكها من خلال مهاجمة أطرافها الأقل حماية. مما يفرض انتقاء أهداف ثانوية، في كثير من الأحيان غير ذات أهمية، لكن من السهل تدميرها وبعثرتها. المقصود بذلك هو إعطاء انطباع عن نشوب انتفاضة عارمة، ثورة.

 ثانياً، عندما تكون الدولة قد انسحبت من الضواحي والأرياف، يجب غزو بعض المناطق وإدارتها. سوف ننتهج تطبيق الشريعة للإشارة إلى الانتقال إلى شكل جديد للدولة. وسوف نعقد خلال هذه الفترة، تحالفات مع كل الذين يعارضون السلطة، ولن نقصر في تسليحهم. ثم نطلق حرب تثبيت مواقع.

 ثالثاً، إعلان الدولة الإسلامية.

تنحدر هذه الإستراتيجية من العلوم العسكرية المعاصرة. إنها تعطي أهمية كبيرة للعمليات النفسية، لاسيما استخدام العنف المذهل.

عملياً، ليس لهذه الإستراتيجية أي علاقة مع الثورة، ولكن مع غزو بلد من قبل قوى خارجية، لأنها تفترض مسبقاً وجود استثمارات ضخمة. كما هي الحال دائماً في الأدب الهدام، أكثر ما يثير الاهتمام هو ما لم يقال أو ما قيل بشكل عابر:

- تهيئة السكان لاستقبال الجهاديين تتطلب تشييداً مسبقاً لشبكة من المساجد والخدمات الاجتماعية، كما حدث في الجزائر قبل الحرب "الأهلية".

- لكي تجرى هذه العمليات، تتطلب العمليات العسكرية الأولى استيراد أسلحة مسبقاً. خصوصا، أنه لن يكون بمقدور الجهاديين في وقت لاحق التزود بالأسلحة وبنسبة أقل بالذخيرة. لذا، يجب دعمهم من الخارج.

- إدارة المناطق التي تم اجتياحها، تتطلب وجود كبار مسؤولين مؤهلين مسبقاً، مثل الجيوش النظامية المسؤولة عن "إعادة بناء الدول".

- أخيراً حرب المواقع تفترض بناء بنية تحتية ضخمة، والتي تتطلب الكثير من المواد والمهندسين، والمعماريين.

في الواقع، إن مجرد الاعتراف بهذا الكتاب يثبت أن الإسلاميين ينوون الاستمرار في لعب دور عسكري نيابة عن القوى الخارجية، وهذه المرة على نطاق واسع.

في عام 2006، طلب البريطانيون من حمد ،أمير قطر، أن يضع القناة التلفزيونية العروبية، الجزيرة، في تصرف الإخوان المسلمين. وكُلِف الليبي محمود جبريل، الذي درًب العائلة المالكة على التحدث بلغة الديمقراطية، بإدماج إخوانه خطوة خطوة في القناة، وتأسيس قنوات باللغات الأجنبية (الإنجليزية، ثم بعدها البوسنية، والتركية) وقناة للأطفال. ثم أصبح الداعية الأخواني يوسف القرضاوي "المستشار الشرعي" للجزيرة. [20]

ستتولى القناة بطبيعة الحال بث، والتحقق من صحة التسجيلات الصوتية، أو ملفات الفيديو ل "أسامة بن لادن".

في الفترة نفسها، ترتب على القوات الأمريكية في العراق التصدي لانتفاضة آخذة في الاتساع. وبعد أن تم دحرهم بفعل عنصر المفاجأة ووحشية الغزو، ( تقنية " صدمة الرعب ")، تمكن العراقيون من تنظيم مقاومتهم.

اقترح السفير الأميركي في بغداد، والذي أصبح لاحقاً مدير المخابرات الوطنية، جون نيغروبونتي، للتغلب على العراقيين ضرورة تقسيمهم، وتحويل غضبهم ضد بعضهم البعض، وتحويل مقاومة الاحتلال إلى حرب أهلية.

شارك أيضاً، بوصفه خبيرا في العمليات الحربية، في عملية فينكس في فيتنام، ونظًم الحرب الأهلية في السلفادور، وعملية إيران- كونترا في نيكاراغوا، وأدى إلى انهيار التمرد في ولاية تشياباس في المكسيك.

دعا نيغروبونتي أحد الرجال الذين كان يعتمد عليهم في السلفادور، الكولونيل جيمس ستيل، وعهد إليه بمهمة إنشاء ميليشيات من العراقيين الشيعة ضد السنة، وأخرى من السنة ضد الشيعة.

أما فيما يخص الميليشيات السنية، فقد لجأ ستيل إلى الإسلاميين.

قام الكولونيل ستيل، انطلاقاً من تنظيم القاعدة في العراق، بتسليح تحالف عشائري، الإمارة الإسلامية في العراق ( داعش في المستقبل) تحت غطاء من الأمن الخاص ( "لواء الذئاب").

ولترويع الضحايا وأسرهم، تم تكوين الإمارة على التعذيب وفقاً لطرق ووسائل المدرسة الأميركية (School of America) وكذلك وفق طرق Political Warfare Cadres Academy de Taïwan التي كان مدرساً فيها. وماهي إلا أشهر قليلة، حتى بدأ مسلسل رعب جديد ينهال فوق رؤوس العراقيين، ويقسمهم تبعاً لانتمائهم المذهبي. وفي وقت لاحق، عندما تولى الجنرال ديفيد بترايوس قيادة القوات الأميركية في البلاد، قام بتعيين الكولونيل جيمس كوفمان للعمل مع الكولونيل ستيل، ورفع تقارير له عن العمليات، بينما كان بريت ماكغارك يرفع تقاريره مباشرة إلى الرئيس أوباما.

تم تجنيد القادة الرئيسيين للإمارة الإسلامية في معسكر اعتقال بوكا، لكن بعد خضوعهم لشروط سجن أبو غريب وفقاً لأساليب ألبرت د. بيدرمان، ومارتن سليغمان في "غسل الأدمغة". [21]

كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يشرف على كل شيء من واشنطن، بالاعتماد على الكولونيل ستيل الذي كان يتبع له مباشرة.

أبلغت واشنطن جماعة الإخوان المسلمين في عام 2007 برغبتها في إسقاط الأنظمة العلمانية في الشرق الأوسط الموسع، بما في ذلك الدول المتحالفة معها، وضرورة البدء بتحضير نفسها لممارسة السلطة.

بدأت وكالة الاستخبارات المركزية CIA تنظم تحالفات بين الإخوان وأحزاب أو شخصيات علمانية، في جميع دول المنطقة. كما قامت في الوقت نفسه بالربط بين فرعي "غلاديو"، من خلال نسج روابط بين الجماعات النازية الغربية، والجماعات الإسلامية الشرقية.

كانت هذه التحالفات في غالب الأحيان عرجاء، "المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية"، على سبيل المثال لا الحصر.

أما في لندن، فلم يتمكن الأخوان من جذب أحد حولهم، سوى الجماعة الإسلامية المقاتلة (تنظيم القاعدة في ليبيا)، والجماعة الوهابية السنوسية.

خططت المنصة البرنامجية لاستعادة النظام الملكي، وجعل الإسلام دين الدولة. والأكثر إقناعا هو دستور جبهة الخلاص الوطني في برلين، الذي أعطى طابعاً رسمياً للاتحاد بين الأخوان، ونائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام.

قام دميترو إروش أثناء مؤتمر جبهة تيرنوبول المناهضة للإمبريالية (2007)، بإجراء تقاطع بين النازيين في غلاديو Gladio A والإسلاميين في غلاديو Gladio B، ثم أصبح نائب سكرتير مجلس الأمن القومي لأوكرانيا بعد "الثورة الملونة" في يورو ميدان عام 2014.

قامت مجموعة نازية وإسلاميين، في 8 أيار-مايو 2007، في ترنوبول (غرب أوكرانيا)، بإنشاء جبهة مناهضة للإمبريالية، لمحاربة روسيا، بمشاركة منظمات من ليتوانيا، وبولندا، وأوكرانيا، وروسيا، بما في ذلك الانفصاليين الإسلاميين في شبه جزيرة القرم، ومن أديغيا، وداغستان، وإنغوشيا، قبردينو بلقاريا (في جبال القفقاس)، كراشاي-شركسيا، وأوسيتيا، ومن الشيشان.

ونظراً لعدم إمكانية وصوله إلى هناك بسبب العقوبات الدولية ضده، دوكو عمروف -الذي ألغى جمهورية الشيشان، وأعلن الإمارة الإسلامية في اشكيريا - فقد تُليت مشاركته غيابيا .

ترأس الجبهة الناشئة دميترو يورش، والذي سيصبح في وقت لاحق، إبان انقلاب كييف في فبراير عام 2014، نائب أمين عام مجلس الأمن القومي لأوكرانيا.

وفي لبنان، فرض الجيش في أيار وحزيران 2007، الحصار على مخيم الفلسطينيين في نهر البارد، بعد أن تحصن فيه عناصر من فتح الإسلام. استمر القتال لمدة 32 يوماً، وأودت المواجهات بحياة 76 جندياً لبنانياً، ثلاثون منهم قطعت رؤوسهم ذبحاً.

التركي- الإيرلندي، المهدي الحامد الحمدي، الملقب ب "مهدي الحاراتي"، وهو عميل بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، كان متواجداً على متن أسطول الحرية، يعانق الرئيس أردوغان الذي جاء لزيارته في المستشفى. أصبح لاحقاً الرجل الثاني في "الجيش السوري الحر".

وفي عام 2010، نظم الإخوان أسطول الحرية بواسطة جمعية إنسانية إسلامية [22].

الهدف من هذه العملية رسمياً، هو تحدي الحصار الإسرائيلي، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة.

أمَا في الواقع، فقد قامت السفينة الرئيسية من هذا الأسطول بتغيير علمها أثناء الإبحار، وتابعت طريقها تحت العلم التركي.

اندس العديد من الجواسيس مع الناشطين السلميين المشاركين في الحملة. كان من بين هؤلاء عنصر ايرلندي من وكالة الاستخبارات المركزيةCIA يدعى مهدي الحاراتي.

سقط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الفخ الذي رسمته له الولايات المتحدة، حين أعطى أوامره بمهاجمة السفن في المياه الدولية. فانتفض العالم كله يدين عملية القرصنة، تحت نظرات الشماتة الماكرة للبيت الأبيض.

إسرائيل، التي زودت الجهاديين بالسلاح في أفغانستان، ودعمت إنشاء حماس ضد منظمة التحرير الفلسطينية التابعة لياسرعرفات، تحولت ضد الإسلاميين في عام 2008 وقصفتهم، هم وسكان غزة.

سدد نتنياهو بهذه الطريقة حساب فاتورة عملية "الرصاص المسكوب" التي قام بها مع المملكة العربية السعودية، عكس نصيحة البيت الأبيض.

وفي نهاية المطاف، اضطرت إسرائيل للإفراج عن ركاب أسطول الحرية، وأظهرت وسائل الإعلام التركية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وهو يزور مهدي الحاراتي في المستشفى.

بن علي (تونس)، القذافي (ليبيا) ومبارك (مصر)، في عام 2011، كانوا ثلاثة رؤساء دول، يأتمرون بأوامر واشنطن (القذافي منذ انقلاب بوصلته عام 2003، بينما كان الآخران على هذا النحو دائماً). وعلى الرغم من الخدمات التي قدموها، إلا أنه تم طردهم لصالح جماعة الإخوان المسلمين.

بدايات"الربيع العربي" في تونس

وقع الرئيس باراك أوباما في 12 آب-أغسطس 2010 على تعليمات رئاسية للأمن رقم 11 (PSD-11)، أبلغ فيها جميع سفاراته في الشرق الأوسط الكبير الاستعداد لـ "تغييرات في الأنظمة [23]، بعد أن عيَن أعضاءً من جماعة الإخوان المسلمين في مجلس الأمن القومي الأمريكي لتنسيق العمل السري على الأرض. وهكذا وضعت واشنطن الخطة البريطانية " لثورات الربيع العربي" موضع التنفيذ. تلك كانت بالنسبة للإخوان، لحظة بلوغ المجد.

أضرم بائع خضار متجول محمد البوعزيزي، في 17 ديسمبر 2010، النار في جسده في تونس، بعد أن صادرت الشرطة عربته. علمت جماعة الإخوان بالحادث، فعممت خبراً كاذباً مفاده أن الشاب كان طالباً جامعياً بلا عمل، وانه أقدم على هذا الفعل بعد أن تلقى صفعة على خده من قبل امرأة شرطية.

هرع على الفور، رجال من منظمة نيد NED (منظمة غير حكومية مزيفة تتبع لمخابرات خمس دول أنغلوسكسونية) دفعوا مبلغاً مجزيا من المال لعائلة المتوفى، كي لا تكشف المستور، وليتمكنوا من نشر التمرد في البلاد.

وبينما كانت الاحتجاجات ضد البطالة والعنف الذي تمارسه الشرطة تعم البلاد، دعت واشنطن الرئيس زين العابدين بن علي إلى مغادرة تونس، فيما كانت المخابرات البريطانية MI6 ترتب مراسم عودة مظفرة، من لندن إلى تونس، لمرشد الأخوان المسلمين التونسيين، راشد الغنوشي.

تلك هي "ثورة الياسمين". [24]

تستعير خطة تغيير الأنظمة أسلوبها من رحيل شاه إيران، وعودة الإمام الخميني، ومن الثورات الملونة.

أنشأ راشد الغنوشي، قبل أن يغادر تونس، فرعاً محلياً لجماعة الإخوان، وقام بمحاولة انقلاب فاشلة في عام 1987.

إعتٌقلَ وأُودع السجن مرات عديدة، ثم لجأ إلى السودان، حيث حظي بدعم حسن الترابي، ثم إلى تركيا، وصار مقرباً من رجب طيب أردوغان (الذي كان في ذلك الحين يرأس مللي غوروش Millî Görüş).

في عام 1993، حصل على حق اللجوء السياسي في "لندنستان"، حيث يعيش مع زوجتيه وأطفاله.

شخصيتان برزتا على أنهما "مناهضتان لأمريكا": منصف المرزوقي ( يساري متطرف يعمل لصالح NED - الولايات المتحدة الأمريكية) وراشد الغنوشي (أخوان مسلمين، يعمل لحساب مؤسسة وستمنستر - المملكة المتحدة)

ساعد البريطانيون راشد الغنوشي على تلميع صورة حزبه، وإطلاق اسم جديد على حركة الاتجاه الإسلامي، فأصبحت حركة النهضة

رابطة حماية الثورة (LPR) هي المعادل التونسي لـ "الجهاز السري" المصري. زعيمها أحمد دغيج، يتلقى من راشد الغنوشي الأوامر بأسماء الشخصيات الواجب تصفيتها.

.

استدعت نيد NED في ذلك الحين أزلامها في اليسار المتطرف، لتهدئة مخاوف السكان تجاه الإخوان. من هؤلاء، منصف المرزوقي، رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، الذي لعب دور الضامن الأخلاقي، بتأكيده أن الإخوان قد تغيروا كثيراً، وأصبحوا ديمقراطيين، فتم انتخابه رئيساً لتونس.

فاز الغنوشي في الانتخابات التشريعية، وتمكن من تشكيل حكومة في الفترة من ديسمبر 2011 إلى آب-أغسطس 2013. ثم تم إدخال حجر شطرنج آخر من أزلام نيد NED أحمد نجيب الشابي، الماوي السابق والتروتسكي لاحقاً، بعد أن أعيد تدويره من قبل واشنطن.

قام الغنوشي، اقتداء بحسن البنا، بإنشاء ميليشيا موازية للحزب، رابطة حماية الثورة، التي أوكلت إليها مهام تنفيذ الاغتيالات السياسية، من ضمنها اغتيال زعيم المعارضة شكري بلعيد.

غير أنه، على الرغم من الدعم الذي لا يمكن إنكاره من جزء من الشعب التونسي إبان عودته إلى البلاد، إلاَ أن حزبه سرعان ما صار أقلية.

كان يأمل بهذا الشكل تغيير سوسيولوجيا بلده، وإعادته إلى واجهة الأحداث.

عقد حزب النهضة في أيار-مايو 2016، مؤتمره العاشر بإخراج مبدع قامت بهInnovative Communications & Strategies، وهي شركة أنشأتها المخابرات البريطانية MI6 لهذا الغرض.

راحت وسائل الاتصالات تؤكد أنَ الحزب أصبح "مدنياً"، وصار يفصل بين النشاط السياسي والديني.

لكن هذا التطور لم يكن له أي علاقة مع العلمانية، وهو ببساطة يطلب من المسؤولين اقتسام العمل، وعدم الجمع بين الإمامة، والتمثيل النيابي.

"الربيع العربي" في مصر

في 25 يناير عام 2011، أي بعد أسبوع من هروب الرئيس زين العابدين بن علي، تحول الاحتفال بالعيد الوطني المصري إلى مظاهرة ضد السلطة. قاد الاحتجاجات الجهاز التقليدي الأميركي للثورات الملونة : الصرب الذين تلقوا تدريبهم على يد جين شارب ( منظر حلف شمال الأطلسي، متخصص بتغيير الأنظمة بسلاسة، من دون اللجوء إلى الحرب) ورجال منظمة نيد NED. [25]

تمت ترجمة كل كتبهم ومنشوراتهم الدعائية إلى اللغة العربية، بما في ذلك التعليمات الواجب إتباعها في المظاهرات، وتم توزيعها على نطاق واسع، منذ اليوم الأول.

ألقت السلطات المصرية القبض في وقت لاحق على معظم هؤلاء الجواسيس، وقدمتهم للمحاكم التي أدانتهم، ثم أمرت بترحيلهم.

قامت جماعة الأخوان المسلمين التي تحظى بدعم 15-20٪ من السكان في البلاد، بشكل رئيسي بتعبئة المتظاهرين إلى جانب حركة كفاية (مجموعة أسسها جين شارب).

هذه هي "ثورة اللوتس". [26]

جرت الاحتجاجات بشكل رئيسي في ميدان التحرير في القاهرة، ولكن أيضاً في سبع مدن أخرى. كانت مع ذلك بعيدة جدا عن الموجة الثورية التي هزت تونس.

استخدم الأخوان السلاح منذ البداية. كانوا ينقلون جرحاهم من ميدان التحرير، إلى داخل مسجد (رابعة) المجهز لتقديم الإسعافات الأولية لجرحاهم.

كانت محطات تلفزة الديكتاتوريات النفطية، قناة "الجزيرة" القطرية، وقناة "العربية" السعودية، تدعوان إلى إسقاط النظام، وتبثان على الهواء مباشرة المعلومات الإستراتيجية.

أعادت الولايات المتحدة المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي إلى مصر، كرئيس للجمعية التأسيسية للتغيير.

تم تكريم البرادعي لنجاحه في تهدئة هيجان هانز بليكس الذي كان يندد باسم الأمم المتحدة، بأكاذيب إدارة بوش لتبرير الحرب ضد العراق.

يرأس منذ أكثر من سنة ائتلافاً تم إنشاؤه على غرار إعلان دمشق: نص معقول، مذيل بتواقيع أناس يمثلون جميع الاتجاهات، إضافة لجماعة الإخوان المسلمين، الذين أصبح برنامجهم في الواقع، على نقيض المنصة.

وفي نهاية المطاف، كانت جماعة الإخوان أول تنظيم في مصر يدعو إلى الإطاحة بالنظام.

بالنسبة إلى المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عصام العريان، بغض النظر عن اتفاقات كامب ديفيد، تقضي الضرورة الملحة تجريم المثلية الجنسية.

تنبأت محطات التلفزة في جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ومجلس التعاون الخليجي بهروب الرئيس حسني مبارك، في الوقت الذي كان فيه المبعوث الخاص للرئيس أوباما، السفير فرانك ويزنر (زوج والدة نيكولا ساركوزي)، يتظاهر بدعم مبارك، ومن ثم اصطفافه وراء الحشود الجماهيرية، وحثه على الانسحاب.

أخيراً، وبعد أسبوعين من أعمال الشغب والمظاهرات الاحتجاجية التي جمعت مليون شخص، استقال مبارك من منصبه.

غير أن الولايات المتحدة كانت تنوي تغيير الدستور قبل وضع الإخوان في السلطة. لذلك ظلت السلطة مؤقتاً بيد الجيش، وتولى المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري، تصريف الأعمال.

قام الطنطاوي بتعيين لجنة دستورية من سبعة أعضاء، من بينهم اثنان من الإخوان المسلمين. تولى أحدهما، القاضي طارق البشري، رئاسة أعمال اللجنة.

مع ذلك، استمر الإخوان بالمحافظة على تقليد إخراج المظاهرات كل يوم جمعة من المساجد، وذبح المسيحيين الأقباط من دون أي تدخل للشرطة.

لا ثورة في البحرين ولا في اليمن

ففي حين أن الثقافة اليمنية ليس لها أي علاقة مع مثيلتها في شمال أفريقيا، إلا أن الممارسة المشتركة لنفس اللغة، أدت لبروز حركة احتجاج عارمة، هزًت لعدة أشهر كلا من البحرين واليمن. ونظرا لتزامنها مع الأحداث في تونس ومصر، اختلطت الأوراق في هذه المسألة.

تستضيف البحرين قطع الأسطول الخامس الأميركي، وتسيطر هذه الأخيرة على حركة الملاحة في الخليج العربي، في حين أن اليمن يسيطر مع جيبوتي على مدخل ومخرج البحر الأحمر، وقناة السويس.

تخشى السلالة الحاكمة من أن تطيح ثورة شعبية بالنظام الملكي، لذا فهي تتهم، لاشعورياً، إيران بتنظيم تلك الاحتجاجات.

في الواقع، حاول أحد كبار رجال الدين العراقيين (الشيعة) في عام 1981، تصدير ثورة الإمام الخميني، والإطاحة بالنظام العميل الذي وضعه البريطانيون عقب الاستقلال في عام 1971.

ذهب وزير الدفاع روبرت غيتس إلى البحرين، وسمح للمملكة العربية السعودية بقمع هذه الثورات الحقيقية في مهدها. وتولى الأمير نايف قيادة عملية القمع.

ينتمي الأمير نايف، مثل الأمير بندر إلى عشيرة السديري، بيد أن الأمير نايف هو الأخ البكر، في حين أن بندر هو ابن جارية.

تقسيم الأدوار بين الرجلين واضح : يتولى العم الحفاظ على النظام بقمع الحركات الشعبية، في حين يتولى ابن أخيه زعزعة استقرار الدول التي يستوطن فيها الإرهاب.

الشيء المهم هو التمييز بين البلدان المستهدفة بالإرهاب. [27]

"الربيع العربي" في ليبيا

إذا خططت واشنطن لإسقاط أنظمة الحلفاء ك بن علي، ومبارك من دون اللجوء إلى الحرب، فإن الأمر يختلف عنهما في كل من ليبيا وسورية، التي يحكمهما كل من الثائر القذافي، والرئيس بشار الأسد.

بعد تدريس اللغة الديمقراطية لدكتاتوريي ممالك الخليج، وإعادة تنظيم قناة الجزيرة، وتوطين شركات أمريكية في ليبيا، أصبح الأخونج محمود جبريل رأس "الثورة" ضد النظام الذي خدمه حتى وقت قريب.

نظمت وكالة الاستخبارات المركزية في القاهرة، في أوائل شباط- فبراير 2011، وبينما كان حسني مبارك لا يزال رئيساً لمصر، إطلاق المزيد من العمليات من خلال اجتماع ضم مختلف اللاعبين، بما في ذلك منظمة نيد NED (يمثلها في مجلس الشيوخ الجمهوري جون ماكين، والديمقراطي جو ليبرمان)، فرنسا (ممثلة ببرنار هنري ليفي)، وجماعة الإخوان المسلمين.

أما الوفد الليبي فكان برئاسة الأخواني محمود جبريل (الذي درب قادة الخليج، وأعاد تنظيم قناة الجزيرة).

دخل القاعة بصفته الرجل الثاني في حكومة الجماهيرية، لكنه خرج منها بصفته ...زعيماً للمعارضة ضد "الدكتاتورية".

لن يعود بعد الآن إلى مكتبه الفخمم في طرابلس، وصار لزاماً عليه الالتحاق ببنغازي في برقة.

ضم الوفد السوري أنس العبدة (مؤسس المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن تؤول إدارته لاحقاً للملقب ب رامي عبد الرحمن)، وشقيقه مالك العبدة (مدير تلفزيون بردى، قناة تلفزيونية معادية لسورية، تمولها وكالة الاستخبارات المركزيةCIA).

أصدرت واشنطن التعليمات اللازمة لبدء الحروب الأهلية، في ليبيا وسورية في آن واحد.

وفي 15 شباط-فبراير، قام الأستاذ فتحي تربل، محامي أسر ضحايا مذبحة سجن أبو سليم في عام 1996 بالتجوال في مدينة بنغازي مؤكداً أن السجن المحلي يحترق، داعياً الأهالي إلى تحرير السجناء. اعتقل على أثرها لفترة وجيزة، ثم أطلق سراحه في اليوم نفسه.

في اليوم التالي، 16 شباط-فبراير، دائماً في بنغازي، هاجم المتظاهرون ثلاثة مراكز للشرطة والأمن الوطني المحلي وكذلك مقر المدعي العام. فقتلت الشرطة ستة من المهاجمين أثناء الدفاع عن مخازن أسلحة الأمن الداخلي.

انطلقت في الوقت نفسه، أعمال شغب أخرى في مدينة البيضة الواقعة بين بنغازي والحدود المصرية، هاجموا خلالها مراكز الشرطة، ومقرات الأمن الداخلي، واستولوا على ثكنة حسين الجوايفي والقاعدة الجوية العسكرية، الأبرق.

استولى المهاجمون على كميات كبيرة من الأسلحة، ثم ضربوا الحراس وشنقوا جندياً. ووقعت حوادث أخرى أقل فداحة بطريقة منسقة، في سبع مدن أخرى. [28] ثم أعلن هؤلاء المهاجمون عن انتمائهم للجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية (تنظيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة- القاعدة) [29]. وهم جميعاً إما أعضاء حاليين، أو أعضاء سابقين في جماعة الإخوان المسلمين. اثنان من قادة هؤلاء تعرضا لعمليات غسيل دماغ في غوانتانامو، وفق تقنيات البرفسور ألبرت د. بيدرمان، ومارتن سليغمان. [30]

حاولت الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا في أواخر التسعينات، اغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي أربع مرات متتالية، بناء على طلب من المخابرات البريطانية MI6 وشن حرب عصابات في جبال فزان. لكن تم قمع الحركة في ذلك الحين بقسوة على يد اللواء عبد الفتاح يونس، وإجبارها على مغادرة البلاد. ووضعت هذه الحركة منذ هجمات سبتمبر 2001 على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل لجنة القرار 1267 التابعة للأمم المتحدة، لكن لا يزال لديها مكتب في لندن، تحت مظلة المخابرات البريطانية MI6.

ألقي القبض في ماليزيا عام 2004 على الزعيم الجديد للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، عبد الحكيم بلحاج، الذي قاتل في أفغانستان إلى جانب أسامة بن لادن، وفي العراق، ثم نقل إلى سجن سري تابع لوكالة الاستخبارات المركزية في تايلاند، حيث تم حقنه بمصل الحقيقة sérum de vérité وتعذيبه .

أعيد بلحاج إلى ليبيا بعد إبرام اتفاق بين الولايات المتحدة وليبيا، حيث تعرض للتعذيب مرة أخرى في سجن أبوسليم، ولكن على يد عناصر بريطانيين، هذه المرة. ثم بعد ذلك اندمجت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وتنظيم القاعدة في عام 2007 . بيد أن سيف الإسلام القذافي راح يتفاوض، ضمن إطار المفاوضات مع الولايات المتحدة في الفترة الممتدة من 2008 حتى 2010، على هدنة بين الجماهيرية، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة (تنظيم القاعدة).

نشر سيف الإسلام وثيقة طويلة بعنوان "الدراسات التصحيحية"، اعترف فيها بالخطأ الذي ارتكبه في الدعوة إلى الجهاد ضد إخوته في الدين، في بلد مسلم. ثم صدر عفو عن جميع أعضاء تنظيم القاعدة، وأطلق سراحهم عبر ثلاث دفعات متتالية، بشرط تعهدهم خطياً بالتخلي عن العنف. رفض هذا الاتفاق مائة فقط من أصل 1800 جهادي، مفضلين البقاء في السجن.

غادر عبد الحكيم بلحاج ليبيا فور إطلاق سراحه، واستقر في قطر. لكنهم نجحوا جميعاً فيما بعد بالعودة إلى ليبيا من دون لفت انتباه أحد.

نظمت جماعة الأخوان المسلمين يوم 17 شباط-فبراير، مظاهرة في بنغازي في ذكرى وفاة الأشخاص الثلاثة عشر خلال مظاهرة ضد القنصلية الإيطالية في عام 2006.

وبحسب المنظمين، فإن معمر القذافي هو الذي دبًر في ذلك الوقت قضية "الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول" بمساعدة رابطة الشمال الإيطالية. مما أدى إلى انزلاق المظاهرة نحو العنف، ومصرع 14 شخصاً، سواء من المتظاهرين أو من رجال الشرطة، على حد سواء.

الإخوان المسلمون يوزعون العلم الجديد الذي يريدونه لليبيا : إنه علم الملك السابق إدريس والاستعمار البريطاني.

هكذا بدأت "الثورة".

في الواقع، لم يكن المتظاهرون يسعون للإطاحة بالجماهيرية، بل لإعلان استقلال برقة.

وهكذا أيضاً تم توزيع عشرات الآلاف من رايات الملك إدريس (1889-1983).

تتألف ليبيا الحديثة من ثلاثة أقاليم موروثة عن الإمبراطورية العثمانية، التي لم تشكل دولة عبر تاريخها، إلا منذ عام 1951.

كانت برقة خاضعة منذ عام 1946-1969 لمملكة السنوسي-أسرة وهابية يدعمها السعوديون-الذين بسطوا نفوذهم على كل ليبيا.

توعد معمر القذافي ب "إراقة أنهار من الدماء" لإنقاذ شعبه من الإسلاميين.

وفي جنيف، قامت جمعية أهلية، أنشأتها منظمة نيد NED، تدعى الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، بإخراج هذه التصريحات من سياقها، وعرضها على وسائل الإعلام الغربية، بوصفها تهديدات ضد الشعب الليبي، أكدت فيها أنه سوف يقصف بنغازي بالطيران الحربي.

في الواقع، كانت الرابطة عبارة عن قوقعة فارغة، حوت داخلها وزراء المستقبل للبلد، بعد تعرضه لغزو حلف شمال الأطلسي.

أعاد محمود جبريل تنظيم قناة الجزيرة في عام 2005 لجعلها سلسلة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين. هي التي حافظت على أسطورة بن لادن لا يزال حيا. المستشار الروحي للقناة، الشيخ يوسف القرضاوي، كان يقدم برنامجاً أسبوعياً يدعو ف إلى اغتيال معمر القذافي.

أطلق الشيخ يوسف القرضاوي في 21 شباط- فبراير، من قناة الجزيرة فتوى، أمر فيها الجيش الليبي باغتيال معمر القذافي، إنقاذاً للشعب.

"إن مجلس الأمن، بناء على عمل مجلس حقوق الإنسان في جنيف -الذي تحقق من الرابطة والسفير الليبي - وبناء على طلب من مجلس التعاون الخليجي، يجيز استخدام القوة لحماية السكان من الديكتاتور".

صعد الدم إلى رأس قائد أفريكوم AfriCom الجنرال كارتر هام عندما تلقى تعليمات من البنتاغون تأمره بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة (تنظيم القاعدة).

وتساءل الجنرال :

كيف يمكن العمل في ليبيا مع الأشخاص الذين كنا نقاتلهم في العراق، والذين قتلوا أعداداً كبيرة من جنودنا ؟

تم عزله فوراً من منصبه، واستبداله بقائد القيادة الأوروبية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، الأميرال جيمس ستافريديس.

توفي 30 من أصل 38 من قوات البحرية (هنا أثناء التدريب) الذين شاركوا في اغتيال أسامة بن لادن في باكستان، في حوادث مختلفة في الأسابيع التي تلت هذه العملية.

استراحة: أعلن باراك أوباما في 1 أيار- مايو 2011، عن قيام ستة رجال من مغاوير القوات البحرية الأميركية في أبوت آباد (باكستان)، بتصفية أسامة بن لادن، الذي كنا نفتقد لأي خبر عنه ذي مصداقية منذ حوالي عشر سنوات.

سمح هذا الإعلان بإغلاق ملف القاعدة، وبنفض الغبار عن الجهاديين، بغية إعادتهم كحلفاء للولايات المتحدة، مثلما كان عليه الحال في الماضي في حروب في أفغانستان، والبوسنة، والهرسك، والشيشان، وكوسوفو.

وهكذا تم إلقاء جثة أسامة بن لادن "الوهمية" في أعالي البحار. [31]

ظل خط الجبهة الليبية لمدة ستة أشهر، من دون تغيرات. الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة تسيطر على بنغازي، وتعلن إمارة إسلامية في درنة، حيث أغلبية أعضائها من المدينة نفسها.

بدأت الجبهة باختطاف الناس بشكل عشوائي لبث الذعر في نفس الليبيين، وإلقاء جثثهم مقطعة الأوصال بعد أيام في الشوارع. الجهاديون كانوا أناس طبيعيين قبل أن يتعاطوا خليطاً مصنوعاً من المخدرات الطبيعية والمخدرات الاصطناعية التي جعلتهم يفقدون كل إحساس. فصار بإمكانهم ارتكاب الفظائع من دون وعي.

التمست وكالة الاستخبارات المركزية التي أعلنت فجأة عن حاجتها لكمية كبيرة من الكبتاغون Captagon – أحد مشتقات المنبهات- رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، مرافق شخصي سابق (بودي غارد) -والذي سيرأس المجلس الأوروبي في عام 2018- انضم إلى شركة ضمان الأمن Security Insurance Company, ، واحدة من أكبر منظمات المافيا في البلقان.

تمتلك هذه الشركة مختبرات سرية لإنتاج المنشطات للرياضيين الألمان. قام بوريسوف بتوفير حبوب خارقة، للبلع أثناء تدخين الحشيش. [32]

انشق اللواء عبد الفتاح يونس، وانضم إلى "الثوار". هذا ما يقال في الغرب على أقل تقدير.

لكنه في الواقع، ظل في خدمة الجماهيرية، حتى بعد أن أصبح القائد العام لقوات برقة المستقلة.

الإسلاميون الذين لم ينسوا أفعاله ضدهم قبل عقد من الزمان، سرعان ما اكتشفوا أنه لا يزال على اتصال مع سيف الإسلام القذافي. فنصبوا له كميناً ووقع في الفخ، وقتلوه، وقاموا بشوي جسده على النار، وأكلوا جزءاً من لحمه.

يأمل حمد أمير قطر بالإجهاز تماماً على الجماهيرية الليبية وتثبيت السلطة الجديدة، كما فعل سابقاً مع الرئيس غير الدستوري في لبنان. ففي حين اكتفى حلف شمال الأطلسي بالتدخل عن طريق الجو، أنشأت قطر مطاراً ميدانياً في الصحراء، نقلت عبره الرجال والعتاد. لكن سكان فزان وطرابلس، ظلوا أوفياء للجماهيرية، وزعيمها.

عندما ألقى حلف شمال الأطلسي وابلاً من النيران على طرابلس في شهر آب- أغسطس، حشدت قطر قوات خاصة ومدرعات في تونس. لم يكن هؤلاء الآلاف من الرجال، بطبيعة الحال، من القطريين، بل مرتزقة- من كولومبيا بشكل رئيسي، تدربوا في الدائرة العاشرة بشركة (بلاك ووتر سابقاً Blackwater) ) في دولة الإمارات العربية المتحدة.

انضم هؤلاء إلى تنظيم القاعدة ( فصاروا لطيفين على الرغم من استمرار الأمم المتحدة باعتبارهم إرهابيين) في طرابلس، وتم إلباسهم أقنعة سوداء، بحيث لا يمكن لأحد أن يرى غير أعينهم.

مجموعتان ليبيتان فقط شاركتا في الاستيلاء على طرابلس، هما مقاتلو مصراته الذين يؤدون فروض الطاعة لتركيا، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، لواء طرابلس (تنظيم القاعدة) الذي يقوده الأيرلندي مهدي الحاراتي، الذي تدرب على يد ضباط نظاميين من الجيش الفرنسي.

بناءً على اقتراح من الناتو، أصبح عبد الحكيم بلحاج (في الوسط)، رئيس GICL (الفرع الليبي لتنظيم القاعدة) حاكماً عسكرياً لطرابلس. كما أصبح مهدي الحاراتي (إلى اليسار)، الذي جاء الرئيس أردوغان لتهنئته خلال أسطول الحرية في غزة، نائب بلحاج.

شكلت واشنطن حكومة مؤقتة في ليبيا، حتى قبل أن يتم إعدام معمر القذافي، ضمت جميع أبطال هذه العملية برئاسة مصطفى عبد الجليل (الذي غطى تعذيب الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني)، ومحمود جبريل (الذي درًب أمراء الخليج، وأعاد تنظيم قناة الجزيرة، وشارك في اجتماع القاهرة في شباط- فبراير)، ثم فتحي تربل (الذي أطلق "الثورة" في بنغازي).

أما قائد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والرجل الثالث في تنظيم القاعدة العالمي، عبد الحكيم بلحاج (المتورط في هجمات محطة قطار أتوشا Atocha في مدريد) فقد تم تعيينه حاكماً عسكرياً على العاصمة طرابلس.

على الرغم من انخراط أربعين ألف رجل، لم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين من أن تأخذ العاصمة السورية. وبعيداً عن الترحيب بـهم بوصفهم "محررين"، فقد واجهوا مقاومة السكان لهم، وفشلت العملية.

"الربيع العربي" في سورية

بدأ فعلياً تنسيق الربيع العربي في سورية اعتباراً من اجتماع القاهرة في 4 شباط-فبراير 2011، من خلال صفحة على الفيسبوك باسم الثورة السورية Syrian Revolution 2011.

ماهو معلن يكفي لفهم أن العملية يجب أن تقود إلى الإطاحة بسرعة بالجمهورية العربية السورية، كما كان الحال مع غيرها من "الثورات الملونة" لان الهدف ليس تغيير العقليات، بل القيادات فقط، وبعض القوانين.

نشرت صفحة "الثورة السورية 2011 " منذ اليوم الأول لظهورها على الفيسبوك دعوة للتظاهر في دمشق، نقلتها قناة الجزيرة، بينما ذكرت الصفحة أن عشرات الآلاف من "المناصرين" استجابوا للنداء.

إنه سحر المعلوماتية.

سوف تلعب هذه الصفحة دوراً رئيسياً في السنوات المقبلة. وسوف تطلق اسماً على كل يوم جمعة، وهو يوم صلاة جامعة للمسلمين، هدفاً أخوانياً.

النائب في كتلة الحريري، عقاب صقر

جاء السناتور جون ماكين في 22 شباط-فبراير إلى لبنان، والتقى مع مختلف قادة تكتل 14 آذار الموالي للسعودية، من بينهم النائب عقاب صقر، [33] الذي أوكلت إليه مهمة نقل الأسلحة إلى الإسلاميين الذين ينتظرونها بفارغ الصبر في سورية. ثم غادر بيروت وذهب يستكشف الحدود السورية. فوقع اختياره على قرية عرسال، كقاعدة مستقبلية للعمليات ضد سورية.

على الرغم من دعوات صفحة " الثورة السورية 2011" الغامضة، كان لابد من الانتظار حتى منتصف آذار-مارس لبدء الأحداث في سورية.

جمع الإخوان المسلمون في درعا، مدينة في جنوب البلاد، مشهورة بأنها بعثية بامتياز، جهاديين سابقين من أفغانستان والعراق. واختطفوا أول مظاهرة قام بها موظفون حكوميون يطالبون بتحسين ظروف معيشتهم، وبدؤوا بنهب وتخريب مبنى قصر العدل.

ثم قاموا في اليوم نفسه، وتحت إشراف ضباط من الموساد، بمهاجمة أحد أفرع المخابرات الواقع خارج المدينة، والذي يقتصر عمله على مراقبة الأنشطة الإسرائيلية في الجولان المحتل.

قالت قناة الجزيرة، بعد أن أحيطت علماً بما حدث، أن الأهالي في درعا انتفضوا احتجاجاً على قيام أجهزة الأمن بتعذيب أطفال كتبوا شعارات على الجدار ضد الرئيس الأسد. ساد ارتباك شديد، بينما كان فريق من "البلطجية" يعيثون فساداً وتحطيماً في مركز المدينة.

تحركت خلال الأسابيع التالية، ثلاث جماعات إسلامية في البلاد، وهاجمت أهدافاً ثانوية غير محمية جيداً.

بدأ الانطباع بالاضطراب ينتشر في جميع أنحاء البلاد، على الرغم من أنه لم يصب إلا ثلاثة أماكن مميزة معاً. وفي غضون أسابيع، كان هناك أكثر من 100 قتيل، معظمهم من الشرطة والجنود.

جاء رد فعل الرئيس الأسد على عكس ما هو متوقع منه : بعيداً عن فرض قانون باتريوت سوري Patriot Act، ألغى حالة الطوارئ التي كانت سارية منذ الحرب مع إسرائيل، وحلً محكمة أمن الدولة.

كما أصدر قانوناً يضمن الحق في التظاهر، وشجب عملية تُقاد من الخارج، ودعا الشعب لدعم المؤسسات. جمع قادة أركان الجيش، وأبلغهم أن يمنعوا جنودهم من استخدام أسلحتهم، إذا كان هناك خطر قد يؤدي إلى قتل المدنيين بشكل جانبي.

يجري مرشد الإخوان المسلمين السوري، علي صدري الدين البيانوني (لاجئ في لندن) تحالفاً مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام (لاجئ في باريس). وكان الأخير قد فر من بلاده عندما تم اكتشاف الطريقة التي كان يغطي من خلالها، مع رئيس المخابرات غازي كنعان، عملية نهب لبنان على يد السعودي رفيق الحريري.

ضرب الأخوان المسلمون بكلام الرئيس عرض الحائط، وهاجموا قافلة عسكرية في بانياس (مدينة نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام) لعدة ساعات، تحت أعين السكان. ولخشيتهم من وقوع إصابات بين المدنيين، التزم الجنود بتعليمات الرئيس، فلم يستخدموا أسلحتهم، مما أسفر عن مصرع نحو عشرة منهم، وفقدان قائد المفرزة ساقيه لدى محاولته خنق قنبلة يدوية بجسده، كي لا تقتل جنوده.

تم تنظيم العملية من باريس، من قبل جبهة الخلاص التابعة لعبد الحليم خدام، بالتعاون مع الإخوان المسلمين. وفي السادس من حزيران جرى قتل 120 عنصر أمن في وضع وحشي مماثل، في جسر الشغور.

نظمت مظاهرات معادية للجمهورية العربية السورية في عدة مدن. وخلافاً للصورة التي كانت تعكسها وسائل الإعلام الغربية، لم يطالب المتظاهرون بالديمقراطية أبداً. الشعارات الأكثر هتفاً كانت: "الشعب يريد إسقاط النظام"، "المسيحيون إلى بيروت والعلويون إلى التابوت"، "نريد رئيسا يخاف الله" و "تسقط إيران وحزب الله". عدة شعارات أخرى أتت على ذكر "الحرية"، ولكن ليس بالمعنى الغربي. كان المحتجون يطالبون بحرية ممارسة الشريعة.

كان الناس يشاهدون حتى ذلك الوقت قناة الجزيرة، وقناة العربية، اللتين دعمتا تغيير النظام في تونس ومصر، كمصدر موثوق للأخبار. كانوا على يقين أيضاً من أن سورية ستسقط، والرئيس سيتنحى عن منصبه، ويستلم الإخوان المسلمون السلطة. فيما كانت نسبة ضئيلة من السوريين تؤازر ما تعتقد أنها "ثورة"، وتستعد لانعطافة إسلامية.

من الصعب جدا تحديد عدد السوريين الذين كانوا يتظاهرون ضد الجمهورية، أو كانوا يدعمون جماعة الإخوان المسلمين. لكن، يمكننا أن نخلص في أحسن الأحوال، إلى أن مئات من المظاهرات الصغيرة قد خرجت في البلاد، وأن أضخم تلك المظاهرات تمكنت من جمع بضعة آلاف من الأشخاص، كانت في حماه عام 2011.

لدى استقبال الرئيس الأسد لمنظمي المظاهرات، سألهم عن مطالبهم، فأجابوه "منع دخول العلويين إلى حماه". فذٌهل الرئيس من الجواب، وأنهى المقابلة.

نظم الأخوان المسلمون والحكومة الإسرائيلية في 4 تموز-يوليو في باريس، من وراء الكواليس جلسة عامة لحشد الطبقة الحاكمة الفرنسية. واستجابة لدعوة من "الفيلسوف" برنار هنري ليفي، ووزراء خارجية سابقين ولاحقين، برنار كوشنر، ولوران فابيوس، ومنتخبين من اليمين، والوسط، واليسار وأنصار حماية البيئة، أعربوا عن تأييدهم لما قُدمَ لهم على أنها معركة من أجل الديمقراطية.

لم يلاحظ أحد وجود المنظمين في القاعة: أليكس غولدفارب (مستشار وزير الدفاع الإسرائيلي) وملهم الدروبي (مسؤول العلاقات الخارجية الدولية في جماعة الإخوان المسلمين، الذي جاء خصيصاً من المملكة العربية السعودية).

غادر برهان غليون سوريا وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ولا يزال يواصل مسيرته الأكاديمية في باريس. وبالتزامن مع عمله، أنشأ بمساعدة من NED المنظمة العربية لحقوق الإنسان في عام 1983 في تونس. وعندما ذهب الجزائري عباسي مدني (جبهة الخلاص الإسلامي) إلى المنفى في قطر، كان هذا العلماني يساعده على كتابة خطبه. شارك في حزيران-يونيو 2011، في مؤتمر الإنقاذ الوطني للإخوان المسلمين، وبناءً على اقتراح من الولايات المتحدة، تم انتخابه في الشهر التالي رئيساً للمجلس الوطني السوري (CNS). وصار منذ ذلك الحين، يتقاضى مرتباً شهرياً من وزارة الخارجية "لتمثيل الشعب السوري".

تم تكوين مجلس وطني سوري في اسطنبول، في آب-أغسطس على غرار المجلس الوطني الانتقالي الليبي. وقد جمع بين شخصياًت تعيش منذ سنوات خارج سورية، وآخرين غادروا البلاد للتو، إضافة إلى أعضاء من الأخوان المسلمين.

كانت تتلخص فكرة الغرب في أن هذه المجموعة التي تسعى إلى إقامة "الديمقراطية" وأنها قد تحتاج، لإضفاء المصداقية عليها، إلى حضور شخصيات يسارية مثل البروفيسور برهان غليون، الذي تم الدفع به إلى رئاسة المجلس.

هاهو الآن رئيساً للمجلس بعد أن عمل لسنوات طويلة مع منظمة NED والإخوان المسلمين. وعلى الرغم من أنه علماني، إلا أنه كان يكتب خطابات عباسي مدني (رئيس الجبهة الإسلامية الجزائرية للإنقاذ) منذ نفي الأخير إلى قطر.

نفس الحال أيضاً بالنسبة لجورج صبرا، وميشيل كيلو، اللذين كانا يعملان مع الإخوان منذ أكثر من ثلاثين عاماً، واللذان التحقا بتروتسكيي الولايات المتحدة في منظمة NED عام 1982.

عمل جورج صبرا تحت قيادة الليبي محمود جبريل، كما عمل أيضاً في الإصدارات الأجنبية من برنامج شارع سمسم للأطفال، التي أنتجها الفرنسي "لاغاردير ميديا Lagardère Média " والجزيرة القطرية بالتعاون مع شيريل بينارد، زوجة السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، ومن ثم في العراق، زلماي خليل زاد. أو أيضاً هيثم مناع، مدير استثمارات الإخوان السودانيين في فرنسا.

وفي انتهاك فاضح للقوانين، اشترت قطر من منظمة التحرير الفلسطينية الرئاسة الدورية للجامعة العربية مقابل 400 مليون دولار، ما مكنها من تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية، على الرغم من كون سورية أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة. ثم تقدمت باقتراح إيفاد بعثة مراقبة إلى سورية بقيادة السودان (التي لا يزال يحكمها الإخوان).

عيًن السودان رئيس المخابرات والسفير السابق لدى قطر، الفريق محمد أحمد مصطفى الدابي، لقيادة البعثة، المؤلفة من أعضاء يمثلون كل الدول العربية ومن جميع الاتجاهات.

وافقت الجمهورية العربية السورية على استقبال وفد الجامعة العربية، والسماح لأعضاء بعثتها بالتجوال في جميع أنحاء البلاد.

تلك كانت المرة الأولى والوحيدة التي تتجول فيها هيئة تعددية على الأرض، تلتقي مع جميع اللاعبين، وتجوب البلد بأكمله. كانت هذه البعثة في الواقع المصدر الخارجي الوحيد الجدير بالثقة خلال كل سني الصراع.

قوبل تعيين الفريق الدابي بالترحيب بالإجماع من قبل جميع الأطراف. قاد الرجل مفاوضات الفصل بين السودان وجنوب السودان، فتم ترشيحه من قبل العديد من الدول العربية لجائزة نوبل للسلام.

مع ذلك، بدا من قراءة التقارير الأولية أن هذا السوداني لم يكن ينوي إرسال تقارير مفصلة حسب الطلب، بل قيادة بعثة مراقبة تعددية فعلية. ما جعل وسائل الإعلام الدولية تغير فجأة لهجتها، وتتهمه بارتكاب إبادة جماعية في دارفور. وراح كل أولئك الذين وافقوا على تعيينه، يطالبون باستقالته.

لكن الفريق الدابي صمد.ونشر تقريره المرحلي الذي يشهد أنه لا توجد ثورة في سورية. كما أكدت البعثة التي يقودها أن أعمال العنف قد جرى المبالغة في وصفها إلى حد كبير، وأن الجيش انسحب فعلا من المدن، وأنه لا توجد عمليات قمع، وأن الضحايا هم في الغالب جنود من الجيش والشرطة، وأكثر من 5000 سجين ممن أعطيت أسماءهم للسلطات، قد تم الإفراج عنهم، وأن وسائل الإعلام الأجنبية التي تقدمت بطلبات لمرافقة اللجنة، تمكنت من تغطية الأحداث.

قطر، التي استشعرت الخطر من جراء هذا التقرير، دفعت 2 مليار دولار للسودان كي تستدعي الجنرال الدابي. فقبل، لكنه اشترط عدم تعيين الجامعة خلفاً له. فظلت البعثة بلا رئيس، إلى أن تم حلها أوائل عام 2012.

الشاب أبو صلاح يصبح مراسلاً دائمًا لقناتي فرنسا 24 والجزيرة في إمارة بابا عمرو الإسلامية في حمص. قام لمدة شهرين بتقديم تمثيليات لقصف وهمي للحي منسوبة ل "قوات النظام"، وشارك في عقوبة الإعدام ل 150 فرداً من سكان الحي. كان يخاطب جمهوره محتضراً (الصورة)، ويضرم النار فجأة في خط أنابيب البترول، الخ.. هرب إلى باريس عندما سقطت الإمارة، لكنه عاد إلى الظهور لاحقاً في إدلب.

استشاط الأخوان المسلمون غضبا لرؤية الجمهورية العربية السورية تخرج معافاة، فقرروا على الفور إنشاء إمارة إسلامية.

قاموا بعدة محاولات، ثم قرروا أن يكون مقرها في منطقة جديدة من حمص، باب عمرو، حيث تم حفر أنفاق وتجهيزها مسبقاً، لضمان وصول الإمدادات في حالة فرض حصار على المنطقة.

تم زج ثلاثة آلاف مقاتل هناك، بما في ذلك ألفا تكفيري من السوريين، وهم أعضاء في مجموعة فرعية من جماعة الإخوان المسلمين، "التكفير والهجرة"، التي أنشئت في عهد السادات.

أسسوا على الفور"محكمة الثورة" التي حاكمت وأصدرت حكماً بالإعدام بحق أكثر من 150 مواطناً، تم ذبحهم أمام الناس. ذُعر السكان، فولوا هاربين باستثناء أربعين أسرة.

أقام التكفيريون حواجز جهزتها القوات الفرنسية الخاصة بأسلحة ثقيلة، في كل الطرق المؤدية إلى الحي.

مهدت الحملة الإرهابية في السنة الأولى الطريق إلى حرب المواقع، وفقاً للخطة المقدمة في عام 2004 حول "إدارة الهمجية".

صار حلف شمال الأطلسي يزود الإسلاميين بأسلحة أكثر تطوراً من أسلحة الجيش السوري الذي يخضع للحصار منذ عام 2005.

وفي صباح أحد الأيام، دخل الجيش العربي السوري حي باب عمرو، بعد تعطيل دفاعاته. ففرً الصحفيون الفرنسيون وعدد من القادة بعيداً، وظهروا بعد بضعة أيام في لبنان. في حين سلًم التكفيريون أنفسهم للجيش. وبدا أن الحرب التي بدأت، كانت توشك على الانتهاء، كما كان عليه الحال في لبنان عام 2007، عندما انتصر الجيش اللبناني على فتح الإسلام. لكن الإسلاميين لم ينهوها.

كان هناك ثمة عملية جديدة يجري التحضير لها في الأردن، تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، مقدر لها شن هجوم على دمشق في سياق عملية نفسية هائلة. لكنه تم إلغاؤها في اللحظة الأخيرة.

الإسلاميون الذين تخلت عنهم فرنسا في باب عمرو، تم شطبهم أيضاً من قبل الولايات المتحدة، التي كانت تناقش إمكانية اقتسام الشرق الأوسط مع روسيا. لذلك تم التوقيع على وعد بالسلام في جنيف، في 30 يونيو 2012.

نهاية "الربيع العربي" في مصر

أصبح مجلس الشعب الجديد في مصر بأيدي الإخوان. اعتقد مجلس الأخوان أن الدستور الجديد -الذي كُتب للسماح لهم بالفوز- ليس سوى تكرار لنص قديم جرى تعديله بشكل طفيف، على الرغم من حصولهم على نسبة 77% من أصوات الناخبين بالاقتراع. فقاموا بتعيين جمعية تأسيسية من 100 عضو، 60 منهم هذه المرة، من الأخوان المسلمين.

بمجرد إجبار واشنطن الرئيس مبارك على الاستقالة، عاد الشيخ يوسف القرضاوي من قطر إلى بلده على متن طائرة خاصة. وبصفته مديراً لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، الذي يرأسه الأمير تشارلز، ومستشاراً روحياً لقناة لجزيرة ، كان ضيفاً دائماً على برنامج "الشريعة والحياة" الأسبوعي. أعلن في ميدان التحرير رفضه للديمقراطية وطالب بإعدام المثليين.

أكد الأخوان أنه بإمكان الشباب الديمقراطيين التشكيك بسلطة الجيش. كانت حملتهم للانتخابات الرئاسية فرصة للدعوة إلى إعادة إحياء البلد من خلال القرآن الكريم.

كان يوسف القرضاوي يعتبر أن قتال المثليين واستعادة الإيمان، أكثر أهمية من القتال ضد إسرائيل وحملها على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. [34] وبينما كان الامتناع عن التصويت هائلاً في الشارع السني، منع الأخوان إجراء الانتخابات في البلدات والقرى المسيحية، مما حرم 600 ألف ناخب من التصويت.

"تصادق اللجنة الانتخابية الرئاسية على محمد مرسي كرئيس لمصر، تفادياً لمصير دموي في البلاد فيما لو [أعلنت] عن انتخاب الجنرال أحمد شفيق".

مع ذلك، فإن نتائج استطلاعات الرأي أعطت اللواء أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق في عهد مبارك، فوزاً بفارق طفيف من 30 ألف صوت. حينذاك قامت جماعة الأخوان بتهديد أعضاء لجنة الانتخابات وعائلاتهم، إلى أن انصاعت بعد 13 يوماً، وأعلنت عن فوز الأخواني محمد مرسي. [35]

غض "المجتمع الدولي" الطرف عما حصل، وأشاد بالطابع الديمقراطي للانتخابات.

مؤتمر صحفي في مقر جماعة الإخوان المسلمين مع مرشد الإخوان العالمي والرئيس محمد مرسي.

محمد مرسي هو مهندس في وكالة ناسا. يتمتع بالجنسية الأمريكية، وبأهلية سرية الدفاع في البنتاغون.

شرع منذ وصوله إلى السلطة في إعادة تأهيل وتفضيل عشيرته، وتمتين العلاقات مع إسرائيل. فاستقبل في القصر الرئاسي قتلة الرئيس السادات في ذكرى إعدامه. وعين مسؤول مذبحة الأقصر عام 1997 محافظاً لتلك المنطقة. ثم بدأ باضطهاد الديمقراطيين الذين تظاهروا ضد بعض جوانب سياسة حسني مبارك (ولكن ليس لعدم استقالته).

دعم حملة واسعة من مذابح الأخوان المسلمين ضد المسيحيين، وغطى تلك الانتهاكات: جرائم قتل، نهب المطرانيات، وحرق الكنائس. كما قام في الوقت نفسه بخصخصة الشركات العامة الكبرى، وأعلن عن احتمال بيع قناة السويس لقطر، التي ترعى جماعة الإخوان المسلمين.

ومن مكتبه في القصر الرئاسي، كان يتصل يومياً أربع مرات على الأقل بالهاتف مع أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة العالمي.

تمكن في نهاية المطاف، من خلق إجماع عام ضده، دفع جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك السلفيين (باستثناء الإخوان طبعاً) إلى التظاهر ضده. فنزل 33 مليون مصري إلى الشارع، وطالبوا الجيش بإعادة البلاد إلى الشعب.

لم يعبأ مرسي بنبض الشارع، فأمر الجيش بالاستعداد لمهاجمة الجمهورية العربية السورية، ومساعدة الإخوان المسلمين السوريين.

كان ذلك القرار "الشعرة التي قصمت ظهر البعير"..

في 3 تموز-يوليو 2013، وفي ساعة إغلاق المكاتب في واشنطن إيذاناً ببدء عطلة أسبوع طويلة، بمناسبة العيد الوطني، قام الجيش بانقلاب، وأُودع محمد مرسي السجن، فيما تحولت الشوارع إلى ساحة معركة بين الإخوان وعائلاتهم من جهة، وقوات حفظ النظام، من جهة أخرى.

الحرب على سورية

"في السياسة، الوعود لاتُلزم إلا من يصدقها" كما يقال.

بعد شهر من مؤتمر جنيف1 والتوقيع على السلام، وبعد أيام قليلة من مؤتمر "أصدقاء سورية" في باريس، تم السماح مرة ثانية بالحرب.

لن تكون هذه المرة مجرد عملية يقودها حلف شمال الأطلسي بمساعدة الجهاديين، بل فقط هجوم جهادي، بمساعدة حلف شمال الأطلسي. وكان الاسم الحركي لتلك الحرب : "بركان دمشق، وزلزال سورية".

عبر الحدود 40 ألف رجل تلقوا تدريباً مكثفاً في الأردن، وتدفقوا دفعة واحدة على العاصمة السورية، بالتزامن مع وقوع تفجير أسفر عن قتل المشاركين في اجتماع لمجلس الأمن القومي السوري.

الجهاديون هم مرتزقة، تم تجنيدهم من أوساط الفقراء في العالم الإسلامي. الكثير منهم لا يتكلمون العربية، وليس في رصيدهم سوى أسبوع من التدريب العسكري. اعتقد البعض منهم أنهم ذاهبون للقتال ضد الإسرائيليين. لكن الخسائر الفادحة التي حلت بهم، جعلت الكثير منهم يتراجعون.

الحرب الطويلة التي أتت فيما بعد، جعلت الجيش العربي السوري في وضعية الدفاع عن السكان المدنيين، ولتحقيق ذلك، كان لزاماً عليه الانتشار في المدن الكبرى، لدحر جهاديين يسعون إلى جعل الحياة مستحيلة في مساحات شاسعة من البلاد.

هؤلاء المحاربون يتجددون بلا حدود. تصل كل شهر، أفواج جديدة منهم، لتحل مكان الذين قتلوا، أو فرًوا من المعركة. جميع "بلطجية" العالم الإسلامي أتوا إلى سورية يجربون حظوظهم بالحصول على بضع مئات من الدولارات شهرياً، بعد أن تم فتح مكاتب الاستقدام علناً في بلدان مثل تونس وأفغانستان. في حين أنها كانت أكثر تكتماً في دول أخرى مثل المغرب أو باكستان، على الرغم من ارتفاع عدد القتلى في صفوف هؤلاء المقاتلين.

حصلت في شهر تموز-يوليو 2013، وفقاً للبوليس الدولي (الأنتربول )، عمليات فرار من السجون معقدة للغاية في تسع دول، نتج عنها فرار قادة إسلاميين، ونقلهم إلى سورية. مثلاً :

  بتاريخ 23 تموز-يوليو، هرب بين 500 إلى 1000 معتقل من سجني تاج، وأبو غريب (العراق).
  بتاريخ 27 تموز-يوليو، فرً 1117 معتقلاً من سجن كوافيا (محافظة بنغازي، ليبيا) بعد أعمال شغب داخلي مترافقة مع هجوم خارجي.
  في ليلة 29 إلى 30 تموز-يوليو، فرً 243، من عناصر حركة طالبان، من سجن في ديرا إسماعيل خان (المناطق القبلية في باكستان).

يحرق الجيش العربي السوري معظم جثث الإرهابيين ويحتفظ بالجثث التي يمكن التعرف عليها، ويعيدها إلى أسرها.

وضعت عدة دول بتكتم، العديد من قنوات إعادة الترحيل إلى الوطن، مثل الجزائر، من خلال مؤسسة الأمير عبد القادر.

مع ذلك، يحتفظ الجيش العربي السوري حتى الآن بأكثر من ثلاثين ألف جثة، تم التعرف عليها، لكن لم يطالب بها أحد.

نظمت الدول الغربية التي أرسلت في البداية قوات خاصة إلى سورية من خلال تجنيدهم في صفوف مقاتليها بجنسيات مزدوجة، ومسلمين بشكل عام من المغرب العربي، قنوات تجنيد للجهاديين خاصة بهم.

وبناءً على ذلك، تم في فرنسا تأسيس قناة اتصال في السجون مع المساجد السلفية، مثل المسجد الكائن في شارع جان بيير تمبو في باريس.

يضاف إلى هؤلاء الآلاف من الأفراد، عشرات الآلاف من الوافدين من "الشرق الأوسط الموسع".

على الرغم من أننا لا نعرف عدد الأشخاص الذين شاركوا في هذه الحرب، إلا أن التقديرات تشير إلى أن إجمالي عدد الجهاديين، المحليين والأجانب، الذين يقاتلون في كل من سورية والعراق منذ عام 2011، يتجاوز 350 ألف جهادي. وهذا رقم يتجاوز عدد أفراد أي جيش نظامي، في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وضعف عدد أفراد الجيش العربي السوري.

الشيخ عدنان العرعور يدعو على موجات التلفزيون السعودي "الصفا"، إلى ذبح العلويين، ويصبح المرجع الديني للجيش السوري الحر.

يقدم الشيخ عدنان العرعور الزعيم الروحي " للجيش السوري الحر" الوحدة العقائدية للجهاديين. هذا الشخص الحربائي المتلون، يلامس من خلال برنامجه التلفزيوني الأسبوعي جمهوراً من الشعب، الذي يلهب مشاعره من خلال الدعوة لإسقاط "الطاغية"، والتشديد على رؤية ذكورية متسلطة في المجتمع. كما راح ينزلق تدريجياً نحو دعوات طائفية لذبح المسيحيين والعلويين.

ألقي عليه القبض حين كان ضابط صف في الجيش العربي السوري، بتهمة اغتصاب مجندين أغراراً. هرب على إثرها إلى المملكة العربية السعودية، حيث أصبح شيخاً، وداعية إلى الله.

اجتماع في مجلس الأمن القومي الأمريكي، 13 حزيران-يونيو 2013 في البيت الأبيض. نتعرف على غايل سميث (الثانية من اليمين) والأخونج رشاد حسين (الرابع من اليسار). وكان مستشار الأمن القومي توم دونيلون حاضرا في الاجتماع، لكنه لايظهر في الصورة. ونتعرف على نحو خاص على ممثل الإخوان المسلمين نائب يوسف القرضاوي، الشيخ عبد الله بن بية (بالعمامة، الثاني على اليسار).

يتلقى الجهاديون بشكل عام تسليحاً أساسياً، وكمية غير محدودة من الذخيرة. ويتم تنظيمهم ضمن كتائب قتالية صغيرة مؤلفة من بضع مئات من الرجال. أما قادتهم فيتم تزويدهم بأسلحة متطورة جداً، لاسيما حقائب اتصالات تمكنهم من الحصول على صور بث مباشر من الأقمار الصناعية لتحركات الجيش العربي السوري.

إنها معركة غير متكافئة مع الجيش العربي السوري، المُدرًب بشكل أفضل بكل تأكيد، لكن جميع أسلحته تعود لما قبل عام 2005، ويفتقر للمعلومات الواردة من الأقمار الصناعية.

خلافاً للجيش العربي السوري، الذي تم تنسيق جميع وحداته، ووضعها تحت سلطة الرئيس بشار الأسد، فإن كتائب الجهاديين لم تتوقف يوماً عن الاقتتال فيما بينها، كما في كل ساحات القتال حيث يتنافس "أمراء الحرب"، مع أنهم يتلقون جميعاً تعزيزات، وأسلحة، وذخائر ومعلومات، من قيادة أركان واحدة "لاندكوم LandCom"، التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، الكائنة في مدينة أزمير (تركيا)، المجبرين جميعاً على طاعتها.

مع ذلك، واجهت الولايات المتحدة صعوبات جمًة في تشغيل هذا النظام، لأن العديد من اللاعبين كانوا يعتزمون تنفيذ عمليات في الخفاء، بعيداً عن أعين حلفاء آخرين، كما فعل الفرنسيون مثلا من دون علم البريطانيين، أو القطريين، على حساب السعوديين .

في كل مرة كان يحرر فيها الجيش العربي السوري قطعة أرض، كان يدفن "الجهاديين" الذين كانوا يحتلونها. حفروا فيها أنفاقا وبنوا مخابئ تحت الأرض.

أوفد السعوديون الملياردير أسامة بن لادن إلى أفغانستان، لأنه كان متخصصاً في الأشغال العامة. أشرف على شق الأنفاق في الجبال –أو بشكل أدق، توسيع سرائر الأنهار الباطنية-. كما جاء هذه المرة، عدد من المهندسين المدنيين من حلف شمال الأطلسي للإشراف على بناء خطوط دفاع عملاقة، مماثلة لتلك التي كانت لدى القوى العظمى في الحرب العالمية الثانية.

"هذا المقال مقتطف من كتاب " أمام أعيننا
انظر جدول المحتويات.

عرَفت داعش عن نفسها من خلال التعذيب وقطع الأعناق علناً.

داعش والخلافة

لابد من التذكير أن أعضاء جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في سورية) هم في البداية سوريون، ذهبوا للقتال في العراق بعد سقوط بغداد في عام 2003. وعادوا إلى سورية للمشاركة في عملية مخطط لها مسبقاً ضد الجمهورية، تم تأجيلها إلى أواخر شهر تموز-يوليو 2012.

ظل هؤلاء الجهاديون لمدة سنتين، أي حتى لعام 2005- يستفيدون من مساعدة سورية في تركهم يتنقلون بحرية تامة، اعتقاداً منها أنهم يحاربون الغزاة الأمريكان.

غير أنه اتضح، بما لا يدع مجالاً للشك، عندما وصل الجنرال ديفيد بترايوس إلى العراق، أن الوظيفة الفعلية لهؤلاء الجهاديين كانت في قتال العراقيين الشيعة، تحقيقاً لسعادة قوات الاحتلال.

تم في نيسان- أبريل 2013، إعادة تفعيل الإمارة الإسلامية في العراق، التي ينحدرون منها، تحت اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (isis). رفض أعضاء جبهة النصرة ، الذين اشتقوا لأنفسهم حصة كبيرة من سورية، العودة إلى التنظيم-الأم.

جون ماكين في سوريا المحتلة. في المقدمة على اليمين نتعرف على مدير فرقة الطوارئ السورية. وفي فتحة الباب، في الوسط، محمد نور، المتحدث باسم عاصفة الشمال (القاعدة). ستقدم أسر الرهائن اللبنانيين شكوى ضد "السيناتور" لتورطه في عملية الاختطاف. بيد أن الأخير سوف يؤكد أنه لا يعرف نور الذي ربما اندس في هذه الصورة المنشورة رسمياً من قبل كاتم أسراره البرلماني

وفي أيار-مايو 2013، نظمت جمعية صهيو-أميركية تدعى قوة الطوارئ السورية Syrian Emergency Task Force، رحلة للسيناتور جون ماكين إلى "سورية المحتلة"، التقى فيها مع مختلف المجرمين، من بين هؤلاء محمد نور، المتحدث باسم لواء عاصفة الشمال (تنظيم القاعدة)، الذي اختطف واحتجز 11 من الحجاج الشيعة اللبنانيين في إعزاز.

هناك صورة نشرها مكتبه الصحفي تٌظهر حوارات أجراها مع قادة "الجيش السوري الحر". البعض منهم لا يزال يحمل راية جبهة النصرة. ثمة شك لا يزال يدور حول هوية واحد من هؤلاء. كتبت في وقت لاحق وقلت إن هذا هو الخليفة القادم لداعش، وهو ما نفاه سكرتير عضو مجلس الشيوخ قطعياً.

إنه نفس الرجل الذي خدم الصحفيين كمترجم. فأصبح الشك حقيقة.

لكن سكرتير السيناتور ماكين عاد ليؤكد أن فرضيتي سخيفة، وأن داعش هددت عضو مجلس الشيوخ بالقتل عدة مرات.

بعد فترة وجيزة، ظهر جون ماكين على التلفزيون، وأكد شخصياً أنه يعرف قادة داعش، وأنه "على اتصال دائم معهم". [36]

لو لم يكن لدى عضو مجلس الشيوخ أوهام حول الإسلاميين، لكان أعلن أنه أخذ العبرة من درس فيتنام، وأنه يدعمهم ضد "نظام" الرئيس بشار الأسد بحكم الضرورة الإستراتيجية. لذلك كان عليه قبل بدء الأحداث في سورية، تنظيم إمداداتها من الأسلحة، انطلاقاً من لبنان واختيار قرية عرسال، كقاعدة خلفية للعمليات لاحقاً، ولم يفته تقييم شروط عمل داعش مستقبلاً، خلال تنقلاته في أنحاء سورية "الجهادية".

جون ماكين وأركان الجيش السوري الحر. في المقدمة على اليسار، الرجل الذي سوف يلعب فيما بعد دور "الخليفة إبراهيم" لداعش، الذي يناقش السيناتور. بعده مباشرة، العميد سليم إدريس (بنظارات). "الخليفة" هو ممثل لم يمارس أي مسؤولية. وفقاً لجون ماكين، فإن الأمر لا يتعلق أولا يتعلق بالخليفة، بل بشخص يشبهه. ومع ذلك، اعترف السناتور لاحقاً بأنه كان "على اتصال دائم" مع داعش.

توصل القضاء والشرطة التركيان في كانون أول- ديسمبر 2013، إلى نتيجة تؤكد، أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يلتقي منذ عدة سنوات بشكل سري مع ياسين القاضي، مصرفي تنظيم القاعدة. الصور تشهد انه جاء عدة مرات بطائرة خاصة، وكان يجري استقباله دائماً، بعد تعطيل كافة كاميرات المراقبة في المطار.

كان القاضي منذ زمن بعيد (وربما لا يزال) صديقاً شخصياً لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. لم يُشطب اسمه من قائمة المطلوبين للأمم المتحدة إلا في 5 أكتوبر 2012، ومن وزارة الخارجية في 26 نوفمبر 2014، لكنه كان يأتي منذ زمن بعيد، لمقابلة أردوغان.

اعترف القاضي بأنه كان مسؤولاً عن تمويل الجيش العربي التابع لأسامة بن لادن في البوسنة والهرسك (1991-1995)، وتمويل الرئيس علي عزت بيغوفيتش.

وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، يٌعتقد أنه قد أدى دورا مركزياً في تمويل الهجمات ضد سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا، وكينيا (1998).

ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً، يٌعتقد أنه المالك لشركة البرمجيات Ptech، وحاليا ( Go Agile)، التي يشتبه في لعبها دوراً في الإرهاب الدولي.

فاجأت كاميرات المراقبة في مطار إسطنبول بلال أردوغان وهو يستقبل أمين صندوق القاعدة ياسين القاضي.

داهمت الشرطة التركية بعد فترو وجيزة مقر منظمة الإغاثة الإنسانية التركية IHH واستدعت حاليس B.، المشتبه في أنه زعيم تنظيم القاعدة في تركيا، إضافة إلى إبراهيم S، الرجل الثاني في قيادة المنظمة للشرق الأوسط. لكن أردوغان تمكن من تسريح رجال الشرطة، وإطلاق سراح المشتبه بهم.

ضابط من داعش يصرح على قناة العربية (السعودية)، أن المنظمة يقودها الأمير عبد الرحمن الفيصل.

أطلقت الولايات المتحدة في كانون ثاني-يناير عام 2014 برنامجاً ضخماً لتطوير منظمة جهادية، من دون الكشف عن اسمها. أُقيمت ثلاثة معسكرات تدريب في تركيا. واحد في شانلي أورفا، واثنان في كل من عثمانية، وكرمان. وبدأت الأسلحة تتدفق بغزارة على الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، مما أثار شهية وحسد جبهة النصرة . وخاضت المجموعتان لعدة أشهر حرباً بلا هوادة ضد بعضهما البعض. [37]

فرنسا وتركيا، اللتان لم تستوعبا على الفور ما هو قادم، أرسلتا في البداية ذخيرة إلى جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) أملاً في الاستيلاء على كنز الدولة الإسلامية في العراق والشام.

اعترفت السعودية بزعامتها للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأعلنت أن من يديرها من الآن فصاعدا هو الأمير عبد الرحمن الفيصل (شقيق السفير السعودي في الولايات المتحدة، وشقيق وزير الخارجية الراحل أيضاً).

بدأت الأمور تتضح تدريجيا بعد أن استدعى البيت الأبيض قادة المخابرات السعودية، والأردنية، والقطرية، والتركية، في 18 شباط-فبراير، إلى واشنطن.

أبلغتهم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، إنه نظراً لعدم مقدرة الأمير بندر على استعادة عافيته، فقد تقرر أن يحل مكانه الأمير محمد بن نايف للإشراف على الجهاديين.

لكن نايف ليس لديه سلطة طبيعية على هؤلاء الناس، مما أثار شهية الأتراك. أحاطتهم رايس علماً بالتنظيم الجديد للجيش السوري الحر، وأبلغتهم أن واشنطن سوف تعهد إليه بعملية سرية واسعة النطاق، لإعادة رسم الحدود.

ذهب عبد الحكيم بلحاج ( مسؤول سابق في تنظيم القاعدة، الحاكم العسكري لطرابلس في ليبيا، ومؤسس الجيش السوري الحر) في أوائل شهر أيار-مايو إلى باريس لإبلاغ الحكومة الفرنسية عن خطط الولايات المتحدة "الجهادية"، وإنهاء الحرب التي تشنها فرنسا ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام. فتم توجيه دعوة للعديد من القادة الجهاديين للتشاور في عمان (الأردن) في الفترة الواقعة بين 27 أيار-مايو إلى 1 حزيران-يونيو.ووفقاً لمحضر ذلك الاجتماع، فإنه سوف يجري العمل على تجميع المقاتلين السنًة، تحت راية الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIS). وسوف يحصلون على وسائل نقل، وأسلحة أوكرانية بكميات كبيرة. وسوف يكون بوسعهم السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية بشكل خاص، تمتد بين سورية والعراق، وإعلان دولة مستقلة، مكلفة ب قطع الطريق الواصلة بين بيروت ودمشق وبغداد وطهران، ونسف حدود سايكس-بيكو بين سورية والعراق.

مقتطف من محضر الاجتماع الذي ترأسته وكالة المخابرات المركزية في عمان، أعدته المخابرات التركية (وثيقة نشرتها الصحيفة الكردية اليومية "Özgür Gündem" في 6 تموز-يوليو 2014).

أعلن نائب الرئيس العراقي السابق عزت إبراهيم الدوري، زعيم النقشبندية في العراق، عن استعداده لتقديم ثمانين ألف جندي سابق في جيش صدام، للدولة الإسلامية. كما أكدت وكالة الاستخبارات المركزيةCIA أن نحوا من 120 ألفاً من قدامى المحاربين، من القبائل السنية في الأنبار، سيلتحقون بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بمجرد وصولها، وسيعطونها أسلحة ثقيلة يقوم البنتاغون بتوصيلها لهم، على أنها أسلحة موجهة رسمياً للجيش العراقي.

حصل مسرور جمعة بارزاني، رئيس جهاز المخابرات في حكومة إقليم كردستان العراق، على موافقة استيلاء حكومته على المناطق المتنازع عليها في كركوك وضمها إليها، حالما ضمت الدولة الإسلامية الأنبار.

بيد أننا لا نزال لا نفهم معنى تواجد المٌلاً كريكار، الذي يقضي عقوبة السجن في النرويج، لكنه مع ذلك جاء على متن طائرة خاصة، تابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي.

في الواقع، يلعب هذا الملا منذ سنوات عديدة دورا هاماً في إعداد الإسلاميين عقائديا لإعلان دولة الخلافة.

لكن هذه المسألة لم تناقش خلال الاجتماع.

في الوقت نفسه، أعلن الرئيس باراك أوباما من داخل الأكاديمية العسكرية في وست بوينت West Point، عن استئناف "الحرب على الإرهاب"، وتخصيص ميزانية سنوية قدرها 5 مليارات دولار.

كما أعلن البيت الأبيض في وقت لاحق أن هذا البرنامج يرنو، ضمن جملة أمور أخرى، إلى تدريب 5400 من المتمردين المعتدلين سنوياً ( أي من دون الأخوان المسلمين).

شنت الدولة الاسلامية في حزيران- يونيو، هجومين، الأول في العراق، والثاني في سورية، وأعلنت عن قيام دولة الخلافة.

حتى ذلك الحين، كان من المفروض أن لا يزيد تشكيل داعش-هكذا تسمى اختصاراً باللغة العربية- عن بضع مئات من المقاتلين، لكنه أصبح لديها فجأة عشرات الآلاف من المرتزقة. فُتحت لها أبواب العراق على يد ضباط سابقين لدى صدام، للثأر من الحكومة في بغداد، وكذلك الضباط الشيعة الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة.

استولت داعش على أسلحة من الجيش العراقي التي زودتهم بها وزارة الدفاع الأمريكية فور وصولهم، كما استولت أيضاً على احتياطيات البنك المركزي في الموصل.

انضمت حكومة إقليم كردستان كركوك في الوقت نفسه وبشكل منسق، وأعلنت عن إجراء استفتاء لتقرير المصير. فأغلقت أنقرة حدودها مع سورية، منعاً لجهاديين آخرين، من مجموعات منافسة للدولة الإسلامية الناشئة (داعش)، من العودة إلى تركيا.

عينت داعش، بمجرد تثبيت أقدامها، إداريين مدنيين تدربوا في فورت براغ (الولايات المتحدة الأمريكية)، بعضهم كان لوقت قريب، جزءا من الإدارة الأمريكية في العراق.

صار على الفور، لدى داعش إدارة للدولة، على النحو المحدد في بناء الدول، بمفهوم الجيش الأمريكي.

من المؤكد أن هذا الأمر هو تحول كامل، لما كان يُعتبر قبل بضعة أسابيع مجرد مجموعة إرهابية.

لقد تم التخطيط لكل شيء تقريباً في وقت مبكر. لذلك عندما كانت داعش تستولي على المطارات العسكرية العراقية، كان يظهر على الفور أن لديها طيارين للطائرات الحربية، والمروحية، مؤهلين للقتال.

هؤلاء لا يمكن أن يكونوا من الطيارين العراقيين السابقين، نظراً لفقدانهم الكفاءة بعد توقفهم لمدة ستة أشهر عن الطيران.

لكن المخططين نسوا الفرق الفنية اللازمة، بحيث أن جزءاً من هذه المعدات يصبح من المتعذر استخدامها.

لدى داعش قسم اتصالات، مكون بشكل رئيسي من المتخصصين في جهاز المخابرات البريطانية MI6، سواء منهم المسؤولين عن طباعة صحف داعش، أو المكلفين في إظهار عنف " الرب".

إنه توجه آخر بالنسبة للجهاديين.

كانوا حتى ذلك الحين يستخدمون العنف لإرهاب السكان. أما الآن، فصاروا يضخمون مظاهر العنف، لصدم الناس وتخدير أحاسيسهم.

لامست أشرطة الفيديو التي أنتجوها عن أنفسهم بمنتهى الروعة والجمالية، العقول بقوة، وجذبت المتطوعين إليهم من هواة أفلام السناف snuff movies

جون ماكين وعبد الحكيم بلحاج. وفي اللحظة التي كان يجري فيها التقاط هذه الصورة، كان الانتربول يبحث عن بلحاج أمير داعش في المغرب العربي.

النجاح الباهر الذي حققته داعش، جذب إليها الإسلاميين من أنحاء العالم كافة.

فإذا كان تنظيم القاعدة مرجع الإسلاميين في مرحلة أسامة بن لادن وأقرانه، فإن الخليفة "إبراهيم" هو معبودهم الجديد . وراحت المجموعات الجهادية في جميع أنحاء العالم، تبايع داعش الواحدة تلو الأخرى.

وجه المدعي العام المصري، هشام بركات، في 23 شباط-فبراير 2015 مذكرة إلى الأنتربول أكد فيها أن المدعو عبد الحكيم بلحاج، الحاكم العسكري لطرابلس، هو رئيس داعش في المغرب العربي بأكمله.

بدأت داعش على الفور باستغلال النفط العراقي والسوري، ونقل النفط الخام سواء عبر خط الأنابيب الذي تسيطر عليه حكومة إقليم كردستان العراق، أو عن طريق الناقلات من شركة Serii وسام أتوموتوتيف، عبر المعابر الحدودية في كركميش، أقجة قلعة. كما قامت شركة (توبرواش) بتكرير جزء من النفط الخام للاستهلاك المحلي التركي في باتمان، ثم شحن الباقي إلى ميناء جيهان، ومرسين، ودورتيول على متن سفن عائدة لشركة Palmali Shipping & Agency JSC التي يملكها الملياردير التركي-الاذربيجاني مبرز غوربنغلو. وكان يجري نقل معظم النفط السوري الخام إلى إسرائيل، حيث يُمنح هناك شهادات منشأ مزورة، قبل أن تتابع الناقلات طريقها نحو أوروبا (في فرنسا، حيث يتم تكريره في مدينة فوس سور مير). وما يتبقى منه يتم شحنه مباشرة إلى أوكرانيا.
 [38]

هذه الآلية المتبعة معروفة جيدا من قبل المحترفين، وقد تم ذكرها في المؤتمر العالمي لشركات النفط (15-19 حزيران-يونيو في موسكو).

أكد المتحدثون أن شركة آرامكو (الولايات المتحدة الأمريكية / المملكة العربية السعودية) تُسوِقُ نفط داعش في أوروبا، في حين أن شركة اكسون موبيل (شركة عائلة روكفلر التي تحكم قطر) تسيًل في الأسواق نفط جبهة النصرة.
 [39]

أكدت ممثلة الاتحاد الأوروبي في العراق، السفيرة جانا ايباسكوفا، بعد بضعة أشهر، في جلسة استماع أمام البرلمان الأوروبي، أن دولا أعضاء في الاتحاد الأوروبي تدعم داعش عن طريق شراء نفطها.

فشل مجلس الأمن الدولي في مرحلة أولى بإدانة هذا التهريب، وذهب رئيسه إلى التذكير بحظر التجارة مع المنظمات الإرهابية. فصار لزاماً الانتظار حتى شهر شباط- فبراير 2015 للتصويت على اصدر القرار ذي الرقم 2199.

انسحب مبرز غوربانوغلو على إثر القرار، وباع العديد من السفن التابعة له (Mecid أسلانوف، Begim أسلانوفا، الشاعر قابيل، أرمادا بريزي وShovket Alekperova) إلى مجموعة BMZ DENIZCILIK INSAAT شركة الشحن التي يملكها بلال أردوغان، ابن الرئيس رجب طيب أردوغان، المستمر في عمله بالتهريب.

ظلت الأمور على هذا المنوال حتى انعقاد قمة مجموعة العشرين G20 في شهر نوفمبر 2015، في أنطاليا حين وجه الرئيس بوتين الاتهام لتركيا بانتهاك قرار الأمم المتحدة، وتسويق نفط داعش.

قام رئيس العمليات في الجيش الروسي، الجنرال سيرغي رودسكي، بالكشف علناً أثناء مؤتمر صحفي عن 8500 صورة، التقطتها الأقمار الصناعية لصهاريج تعبر الحدود إلى تركيا.

قام الطيران الروسي على الفور بتدمير الناقلات الموجودة على الأراضي السورية، لكن معظم عمليات التهريب كانت تمر عبر كردستان العراق، تحت مسؤولية الرئيس مسعود بارزاني.

تم بعد ذلك تم تنفيذ أشغال لتوسيع المحطة النفطية "يومورتاليك" (المتصلة مع الأنبوب التركي-العراقي كركوك-جيهان)، فأصبحت سعة التخزين 1.7 مليون طن.

تعود ملكية كل الصهاريج الناقلة للبترول إلى شركة تدعى Powertans حصلت من دون مناقصة على حق احتكار نقل النفط على الأراضي التركية. وهي مملوكة أيضاً من قبل شركة غامضة جداً تدعى Grand Fortune Ventures، مقرها في سنغافورة، تم نقلها بعد ذلك إلى جزر كايمان.

تختبئ وراء كل هذا المونتاج، شركة جاليك القابضة Çalık Holding، الشركة التي يملكها بيرات البيرق، وزير الطاقة، صهر الرئيس أردوغان. أما النفط الذي جرى نقله عبر خط الأنابيب الكردي، فقد تم بيعه بالطريقة نفسها. [40]

في كل مرة كانت فيها الحكومة العراقية تدين تواطؤ أسرة البارزاني مع داعش، وسرقة الممتلكات العامة العراقية التي يشترك فيها الطرفان، كانت أنقرة تتظاهر دائماً بأنها متفاجئة. مما دفع أردوغان إلى تجميد موارد الأكراد على حساب أحد المصارف التركية، في انتظار توضيح من اربيل، وبغداد لمواقفهما تلك.

وبما أن الفوائد الناجمة عن هذه الأموال المحتجزة، لم يُصرَح عنها في الميزانية التركية، لذا كانت تحول تلقائياً لحساب حزب العدالة والتنمية.

قام الخليفة أبو بكر البغدادي في أيلول-سبتمبر 2014، بالتخلص من الكوادر العليا في منظمته، متهماً الضباط المغاربة بشكل عام، والتونسيين على وجه الخصوص بعدم طاعة الأوامر، فحكم عليهم جميعاً بالإعدام، ونُفذ الحكم، ليحل مكانهم جهاديون من جورجيا، والصين، والإيغور، والشيشان. وهكذا أصبح ضابط من الاستخبارات العسكرية الجورجية، طرخان باتيراشفيلي، الذراع اليمنى للخليفة تحت اسم "أبو عمر الشيشاني". وببراءة واضحة، أبدى، ايراكلي الأسانيا، وزير الدفاع الجورجي، والرئيس السابق ل"الحكومة الأبخازية في المنفى" (كذا)، عن استعداده، في نفس الوقت، لاستضافة معسكرات لتدريب الجهاديين السوريين في بلاده.

أعلن الرئيس باراك أوباما في 13 أيلول-سبتمبر، رداً على الفظائع المرتكبة على نطاق واسع، وإثر إعدام صحفيين أميركيين، عن إنشاء تحالف دولي لمكافحة داعش.

بيد أنه وأثناء معركة (كوباني) عين العرب في سورية، استمتعت طائرات من القوات الجوية الأمريكية بقصف "وهمي" لمعسكرات داعش ليوم واحد، ثم شرعت تُسقط لهم الأسلحة والذخائر والمؤن جوا بالمظلات، باقي الأيام الأخرى.

وفقاً للصحافة الأمريكية، كان الدكتور ديفيد دروجون، وهو ضابط في أجهزة المخابرات العسكرية الفرنسية، هو من أنشأ داعش، وهو من درب محمد مراح والشقيقان كواشي. وقد نفت وزارة الدفاع الفرنسية استخدامه، بينما تحتفظ الصحافة الأمريكية بتأكيدها. تم الإبلاغ عن اختفائه عقب قصف حليف.

أعلنت دول التحالف حينها، أنها تقوم بعملية ضد مجموعة خراسان التابعة لتنظيم القاعدة في سورية.

على الرغم من أنه لا يوجد أي دليل على وجود هذه المجموعة، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية أكدت أن مٌخبراً لدى الاستخبارات الفرنسية يدعى دافيد دروجيون، هو المكلف بمهمة قيادة هذه المجموعة. لكن وزارة الدفاع الفرنسية نفت هذا الأمر. ثم عادت وسائل الإعلام الأميركية لتؤكد في وقت لاحق، أن دروجيون هو الذي درب، لحساب المخابرات الفرنسية، محمد مراح (المسؤول عن الهجمات في تولوز ومونتوبان في عام 2012) والأخوين كواشي (المسؤولين عن الهجوم ضد صحيفة شارلي ابدو Charlie Hebdo في باريس)

فرضت داعش، أملاً في توسيع مجال مواردها المالية، نظام ضرائب في الأراضي التي تديرها، وتقاضي فدية عن السجناء، والاتجار بالآثار. وقد أُوكلت مهمة الإشراف على هذا النشاط ل أبو سياف العراقي.

كان يتم إرسال القطع الأثرية المسروقة من سورية إلى غازي عنتاب (تركيا). فكانت إما يتم شحنها مباشرة إلى هواة جمع الآثار، الذين طلبوا تلك القطع من هذه الشركات التركية Şenocak Nakliyat, Devran Nakliyat, Karahan Nakliyat et Egemen Nakliyat, ، أو يتم بيعها في سوق الأنتيكا Bakırcılar Çarşısi. [41]

فضلاً عن ذلك، عندما غادر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي السلطة، سحب رخصة نقل الأفيون والهيروين الأفغاني من الكوسوفيين، وأعطاها للخليفة.

ظلت أسرة الرئيس الأفغاني لسنوات عديدة- خصوصاً شقيقه أحمد والي كرزاي إلى حين اغتياله – تسيطر على كارتل الأفيون الرئيسي في البلاد.

توصلت أفغانستان، تحت حماية القوات المسلحة الأمريكية، إلى إنتاج 380 طناً من الهيروئين في السنة من أصل 430 طناً تتدفق سنوياً على السوق العالمية.

لقد حققت هذه التجارة لأسرة كرزاي موردا بلغ في عام 2013 ثلاثة مليارات دولار. وصار تنظيم داعش هو المسؤول عن نقل المخدرات إلى أوروبا عبر فروعه الأفريقية والآسيوية.

وأخيراً، أنشأت المافيا التركية التي يديرها رئيس الوزراء بن علي يلديريم مصانع الهروئين المزيف فوق الأراضي التي تحتلها داعش، وراحت تغرق بها أسواق الغرب.

القضاء على داعش

أعلن الرئيس دونالد ترامب في 21 أيار-مايو 2017 من الرياض، أن الولايات المتحدة سوف تتراجع عن إنشاء دويلة سنيًة (دولة الخلافة داعش) على أرض ممتدة بين العراق وسورية، كما ستتوقف عن دعم الإرهاب الدولي، وتحث جميع الدول الإسلامية على أن تفعل الشيء نفسه. وقد تم إعداد هذا الخطاب بالتنسيق بعناية بالغة مع البنتاغون والأمير محمد بن سلمان، ولكن ليس مع لندن.

وكدولة مطيعة للسيد الأمريكي، شرعت المملكة العربية السعودية على الفور بتفكيك الآلية العملاقة لدعم الإخوان المسلمين التي أنشأتها على مدى ستين عاماً، فيما امتنعت كل من بريطانيا، وقطر، وتركيا، وماليزيا عن مواكبة التطورات التي تشهدها الولايات المتحدة .

كما في أفغانستان، أعاد جهاز المخابرات البريطانية الخارجي MI6 تسمية "الجبهة الإسلامية المتحدة لإنقاذ أفغانستان" وحولها إلى " تحالف الشمال" من أجل كسب تأييد الرأي العام الغربي لهؤلاء "المقاومين لطالبان"، وعلى منوالها أعاد جهاز المخابرات البريطانية MI6 في ميانمار تسمية "حركة الإيمان" لتصبح "جيش تحرير روهينغا الأراكان". وفي كلتا الحالتين، كان يجب إزالة كل ذكر لجماعة الإخوان المسلمين.

أطلقت لندن في آب- أغسطس 2017 جيش أراكان روهينغيا للإنقاذ ضد الحكومة البورمية. وتغذى الرأي العام الدولي على مدى شهر بمعلومات ملفقة تُلقي باللائمة على نزوح الروهينغا المسلمين من ميانمار في البنغال بسبب ممارسات الجيش البوذي البورمي ضدهم. كان ذلك بمثابة إطلاق المرحلة الثانية من "صدام الحضارات " : بعد هجوم المسلمين على المسيحيين، ها هو هجوم البوذيين على المسلمين.

غير أن العملية توقفت عندما أوقفت المملكة العربية السعودية دعمها لجيش الروهينغا للإنقاذ، ومقره مكة
 [42].

وزارة الخارجية السعودية ترسل قبل ثلاثة أيام من الهجمات في سري لانكا، برقية سرية إلى سفيرها في كولومبو، تأمره أن يحتجز أكبر عدد ممكن من موظفيه لمدة ثلاثة أيام وأن يمنعهم تماماً من ارتياد الأماكن التي ستدمرها الهجمات (المصدر: أخبار العهد).

في النهاية، تقوم الولايات المتحدة وإيران والعراق بطرد داعش من العراق، بينما تقوم كل من سوريا وروسيا بطرده من سوريا.

وفي نهاية المطاف، تم تنظيم عملية واسعة من قبل داعش في سريلانكا بمناسبة عيد الفصح المسيحي في 21 نيسان-أبريل 2019 مما أسفر عن مقتل 258 شخصاً وجرح 496.

حاول الرئيس أنور السادات استعادة الخلافة، التي تخيلها حسن البنا عام 1928 لتحقيق مآرب شخصية، لكنها كلفته حياته. تحقق الحلم في النهاية على يد داعش، لكنه باء بالفشل. كانت مقاومة السكان العرب قوية للغاية ولم يسمح اعتراض الرئيس ترامب بمواصلة التجربة.
لا يمكن في الوقت الحالي معرفة ما إذا كانت الإمارة الإسلامية لديها تفويض من المرشد للإعلان عن الخلافة، أم أنها استغلت دعم الغرب للقيام بذلك.
على أي حال، فإن الجهاديين لن يتوقفوا.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي

[1America’s Great Game: The CIA’s Secret Arabists and the Shaping of the Modern Middle East, Hugh Wilford, Basic Books (2013).

[2A Mosque in Munich: Nazis, the CIA, and the Rise of the Muslim Brotherhood in the West, Ian Johnson, Houghton Mifflin Harcourt (2010).

[3Dr. Saoud et Mr. Djihad. La diplomatie religieuse de l’Arabie saoudite, Pierre Conesa, préface d’Hubert Védrine, Robert Laffont (2016). English version: The Saudi Terror Machine: The Truth About Radical Islam and Saudi Arabia Revealed, Skyhorse (2018).

[4Histoire secrète des Frères musulmans, Chérif Amir, préface d’Alain Chouet, Ellipses (2015).

[5هنا رأي المؤلف يجافي الحقيقة. كيف لهنري كيسنجر أن يدفع العرب، لاسيما سورية، إلى حرب ضد إسرائيل وهو المهووس بالدفاع عنها. سورية كانت تعد جيشها وشعبها لتحرير أرضها منذ إعتلاء الرئيس حافظ الأسد سدة الحكم عام 1970، وحربها في تشرين 1973، كانت حرب تحرير، وليس تحريك. المترجم

[6“ما تجهلونه عن مجموعة بيلدربيرغ ”, بقلم تييري ميسان, ترجمة Naïla Hanna , Комсомо́льская пра́вда , شبكة فولتير , 7 حزيران (يونيو) 2011, www.voltairenet.org/article169503.html

[7« Brzezinski : "Oui, la CIA est entrée en Afghanistan avant les Russes …" », par Zbigniew Brzeziński, Nouvel Observateur (France) , Réseau Voltaire, 15 janvier 1998.

[8Charlie Wilson’s War: The Extraordinary Story of How the Wildest Man in Congress and a Rogue CIA Agent Changed the History of Our Times, George Crile, Grove Press (2003).

[9Les dollars de la terreur, Les États-Unis et les islamistes, Richard Labévière, Éditions Bernard Grasset (1999). English version: Dollars for Terror: The United States and Islam, Algora (2000).

[10“الوقف الوطني للديمقراطية " نيد" الواجهة القانونية لوكالة الاستخبارات المركزية”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, شبكة فولتير , 16 أيار (مايو) 2012, www.voltairenet.org/article174178.html

[11Inside the League: The Shocking Expose of How Terrorists, Nazis, and Latin American Death Squads Have Infiltrated the World Anti-Communist League, Scott & Jon Lee Anderson, Dodd Mead & Company éd. (1986). “اتحادیۀ ضد کمونیست جهانی، اتحاد بین المللی جنایت ”, بوسيله ى تی یری میسان‬, ترجمه حمید محوی, شبکه ولتر, 5 آوريل 2015, www.voltairenet.org/article187249.html

[12The BCCI Affair, John Kerry & Hank Brown, US Senate (1992); Crimes of a President: New Revelations on the Conspiracy and Cover Up in the Bush and Reagan Administration, Joel Bainerman, SP Books (1992); From BCCI to ISI: The Saga of Entrapment Continues, Abid Ullah Jan, Pragmatic Publishing (2006).

[13NATO’s secret armies: operation Gladio and terrorism in Western Europe, Daniele Ganser, Foreword by Dr. John Prados, Frank Cass/Routledge (2005).

[14Classified Woman: The Sibel Edmonds Story : A Memoir, Sibel Edmonds (2012).

[15Londonistan, Melanie Phillips, Encounter Books (2006).

[16Architect of Global Jihad : The Life of Al Qaeda Strategist Abu Mus’ab Al-Suri, Brynjar Lia, Columbia University Press, 2009.

[17Wie der Dschihad nach Europa kam, Jürgen Elsässer, NP Verlag (2005); Intelligence and the war in Bosnia 1992-1995: The role of the intelligence and security services, Nederlands Instituut voor Oologsdocumentatie (2010). Al-Qaida’s Jihad in Europe: The Afghan-Bosnian Network, Evan Kohlmann, Berg (2011).

[18“ دافيد شايلر:" تركت مصالح الاستخبارات البريطانية حين قررت وحدة مكافحة الإرهاب" MI6 " تمويل شركاء بن لادن"”, شبكة فولتير , 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005, www.voltairenet.org/article131267.html

[19The Management of Savagery: The Most Critical Stage Through Which the Umma Will Pass, Abu Bakr Naji, Harvard University (2006).

[20« Wadah Khanfar, Al-Jazeera et le triomphe de la propagande télévisuelle », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 23 septembre 2011.

[21« Le secret de Guantánamo », par Thierry Meyssan, Оdnako (Russie) , Réseau Voltaire, 28 octobre 2009.

[22« Flottille de la liberté : le détail que Netanyahu ignorait », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 6 juin 2010.

[23Obama’s low-key strategy for the Middle East”, David Ignatius, Washington Post, March 6, 2011. “Identifiying the enemy: radical islamist terror”, Statement by Peter Hoekstra, House Committe on Homeland Security, United States House of Representatives, September 22, 2016.

[24« Washington face à la colère du peuple tunisien », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 23 janvier 2011.

[25“مؤسسة ألبرت أينشتاين : اللاعنف بمفهوم جهاز المخابرات الأمريكية " السي آي إي"”, بقلم تييري ميسان, شبكة فولتير , 20 حزيران (يونيو) 2007, www.voltairenet.org/article149312.html

[26The International Dimensions of Democratization in Egypt: The Limits of Externally-Induced Change, Gamal M. Selim, Springer (2015).

[27« La Contre-révolution au Proche-Orient », par Thierry Meyssan, Komsomolskaïa Pravda (Russie), Réseau Voltaire, 11 mai 2011.

[28Rapport de la Mission d’enquête sur la crise actuelle en Libye, FFC (2011).

[29Once NATO enemies in Iraq and Afghanistan, now NATO allies in Libya”, by Webster G. Tarpley, Voltaire Network, 24 May 2011.

[30« Le secret de Guantánamo », par Thierry Meyssan, Оdnako (Russie) , Réseau Voltaire, 28 octobre 2009.

[31« Réflexions sur l’annonce officielle de la mort d’Oussama Ben Laden », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 4 mai 2011.

[32“المافيا البلغارية في الاتحاد الأوروبي”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, سوريا , شبكة فولتير , 7 كانون الثاني (يناير) 2016, www.voltairenet.org/article189828.html

[33« Un député libanais dirige le trafic d’armes vers la Syrie », Réseau Voltaire, 5 décembre 2012.

[34Global Mufti: The Phenomenon of Yusuf Al-Qaradawi, Bettina Graf & Jakob Skovgaard-Petersen, Hurst (1999); Hamas and Ideology. Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī on the Jews, Zionism and Israel, Shaul Bartal and Nesya Rubinstein-Shemer, Routledge (2018).

[36« John McCain, le chef d’orchestre du "printemps arabe", et le Calife », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 18 août 2014.

[37Israeli general says al Qaeda’s Syria fighters set up in Turkey”, Dan Williams, Reuters, January 29, 2014.

[38“الاتجار غير المشروع بالمواد الهيدروكربونية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”, شبكة فولتير , 29 كانون الثاني (يناير) 2016, www.voltairenet.org/article192006.html

[39“الجهاد والصناعة النفطية”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, سوريا , شبكة فولتير , 24 حزيران (يونيو) 2014, www.voltairenet.org/article184375.html

[40Hacked Emails Link Turkish Minister to Illicit Oil”, Ahmed Yayla, World Policy, October 17, 2016.

[41“تهريب الآثار على أيدي التنظيم الإرهابي الدولي المعروف باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”, شبكة فولتير , 8 آذار (مارس) 2016, www.voltairenet.org/article191883.html

[42“الإسلام السياسي ضد الصين”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, شبكة فولتير , 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2017, www.voltairenet.org/article198142.html