لاينبغي ان نعتبر التحول المأساوي لتركيا، التي تفاوضت في موسكو مع اللواء علي مملوك في 13 الشهر الماضي كانون ثاني على السلام في سورية، ولا إقدامها على إغتيال أربعة من ضباط الاستخبارات الروسية في الأول من شهر شباط الجاري في حلب على أنه دليل على لاعقلانية الرئيس اردوغان. بل على العكس من ذلك، فإن أنقرة لاتزال تنتهج المسار الذي رسمته لنفسها منذ زوال الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
إذاً، المشكلة في مكان آخر وصار من الصعب حلها : تركيا هي في الوقت نفسه وريثة جحافل جنكيز خان الهمجية إبان الإمبراطورية العثمانية، ودولة مصطفى كمال العلمانية.
رفضت حدودها المثبتة بمقتضى معاهدة سيفر في عام 1920، والمعدلة لاحقاً بموجب معاهدة لوزان في عام 1923، وتستمر في المطالبة بأراضي "القَسَم الوطني" لأتاتورك في كل من اليونان، وقبرص، وسورية، والعراق. وهي غير قادرة حتى الآن على الاعتراف بجرائمها السابقة، من ضمنها مذبحة الأرمن.
ولأنها غير قادرة أيضاً على التكيف مع ما خلفته لها هزيمة عام 1919، فهي غير قادرة على الفعل، وتقتصر تصرفاتها على ردود الفعل فقط.
خلال تفكك الاتحاد السوفيتي، كانت تراقب الشرق الأوسط الذي أنشأه الرئيس بوش الأب مع مؤتمر مدريد وتحرير الكويت. كان السلام قائماً حينذاك على انتصار ثلاثي لكل من المملكة العربية السعودية وسورية ومصر. فخلصت تركيا آنذاك إلى أنه ينبغي عليها، كي تشق طريقها، أن تتحالف مع المنافس الإسرائيلي.
ثم عندما وقعت هجمات 11 أيلول، وتبعها تدمير أفغانستان والعراق، ثم تقسيم الشرق الأوسط بين إيران والسعودية، كانت تركيا أول من فهم إستراتيجية الرئيس بوش الابن، أي تقسيم المنطقة إلى معسكرين، بحيث لا يُسمح لأي منهما بالانتصار. فابتعدت حينئذ عن إسرائيل كنوع من الحيادية. والأسوأ من كل ذلك أنه حين نُشرت خريطة الشرق الأوسط الجديد الموسع في عام 2006، اكتشفت تركيا أن حاميها الأمريكي كان يخطط لتمزيقها بهدف إنشاء دويلة "كردستان الحرة". فاستدار بعض جنرالاتها إلى الصين قبل اعتقالهم (فضيحة إرجينيكون)، ثم أطلق سراحهم في نهاية المطاف، وقررت أنقرة، كاجراء احترازي، التحالف مع جارتها سورية، وإنشاء منطقة تجارة حرة إقليمية شاسعة.
ولكن عندما خطط الأنغلوسكسون لإيصال جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في جميع أنحاء المنطقة، اعتقدت أنقرة أنها يمكن أن تستفيد من عضوية الرئيس أردوغان في جماعة الإخوان المسلمين. فأيقظت على حين غفلة قبيلة مصراتة في ليبيا، وساعدت حلف الناتو على الإطاحة بحليفها معمر القذافي، ثم ذهبت إلى الحرب ضد حليفتها سورية.
هاتان الغلطتان أوقفتا نموها الاقتصادي.
ثم جاء دخول روسيا المفاجيء إلى مسرح القتال في سورية وانتصارها الساحق على داعش.
وعندما ضاعت بوصلتها راحت تركيا تبحث عن اتجاه الريح، فاقتربت من موسكو، وقبلت مسارات سوتشي وأستانا.
وأخيراً، جاء اغتيال الجنرال قاسم سليماني، ففسرته أنقرة على أنه خيانة للحكومة الإيرانية وعودة النفوذ الأمريكي.
لذا، فهي منخرطة في ليبيا وتعمل على تدمير البلاد بتواطؤ لاإرادي من عدوها، المشير خليفة حفتر.
هذا لا يعني بتاتاً أن محافظة إدلب لن يتم تحريرها إلى حد كبير، لاسيما أن ترحيل الجهاديين منها لايزال مستمراً. ويُقدر عدد الذين غادروها منذ 25 كانون أول 2019، مع أسلحتهم بخمسة آلاف، عبر جربة باتجاه طرابلس الغرب.
الجيش العربي السوري يسارع تقدمه ويحرر المزيد من الأراضي.