أكتب إليكم بالإشارة إلى الرسالتين الواردتين في الوثيقتين S/2020/138 و S/2020/428، وإلى الرسالة الواردة في الوثيقة S/2020/382.

تُبذل كالمعتاد محاولات عقيمة للربط بصورة مضلّلة بين قيام جمهورية إيران الإسلامية بإطلاق مركبتي إطلاق فضائيتين وبين أحكام الفقرة 3 من المرفق باء للقرار 2231 (2015)، بغية تأويل ذلك على نحو تعسفي والخلوص من ثمّ إلى استنتاجٍ لا أساس له من الصحة بشأن تنفيذ الفقرة المذكورة والقرار نفسه.

فالفقرة 3 من المرفق باء للقرار 2231 (2015)، التي يُطلب فيها إلى إيران ”ألا تقوم بأي نشاط يتصل بالقذائف التسيارية المعدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية، بما في ذلك عمليات الإطلاق باستخدام تكنولوجيا من هذا القبيل للقذائف التسيارية“، لا صلة لها بمركبات الإطلاق الفضائية خلافاً لما ورد في الرسائل المذكورة أعلاه من ادعاءات، وذلك لعدد من الأسباب أولها أنه ما من إشارة صريحة فيها إلى ”مركبات الإطلاق الفضائية“؛ وثانيها أن مركباتِ الإطلاق الفضائية لا تنطوي على تكنولوجيات مطابقة لـما يُستخدم في ”القذائف التسيارية المعدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية“؛ وثالثها أن مركبات الإطلاق الفضائية، وهي مصممة حصراً لوضع السواتل في مدارها، ليست ”معدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية“؛ ورابعها أن مركبات الإطلاق الفضائية غير قادرة على إيصال الأسلحة النووية.

وعلى النقيض أيضاً من الحجج التي سيقت في تلك الرسائل، ليس إطلاق إيران لمركبتي إطلاق فضائيتين مما يُعتبر بأي حال من الأحوال مشمولا بالفقرة 3 من المرفق باء للقرار 2231 (2015) أو مخالِفا لها. فهما مركبتا إطلاق فضائيتان وليستا من ”القذائف التسيارية المعدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية“؛ وهما لا تنطويان على تكنولوجيات مطابقة لما يُستخدم في ”القذائف التسيارية المعدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية“؛ كما أنهما غير قادرتين على إيصال الأسلحة النووية. وجديرٌ بالذكر أيضا أنه عندما ناقش مجلس الأمن موضوع إطلاق جمهورية إيران الإسلامية مركبة إطلاق فضائية في عام 2017، ”لم يكن هناك توافق في الآراء بشأن عملية الإطلاق هذه وعلاقتِها بالقرار 2231 (2015)“ (انظر S/2017/1058).

وعلاوةً على ذلك، فإن التفسير التعسفي لعبارة ”المعدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية“ التي ترد في الفقرة 3 من المرفق باء للقرار 2231 (2015) يتجاهل عن قصد تاريخَ التفاوض على هذه العبارة وسبب إيرادها في تلك الفقرة. فقد كانت إضافة عبارة ”المـعدّة لتكون“ إلى عبارة ”قادرة على إيصال الأسلحة النووية“ التي استُخدمت في قرار مجلس الأمن 1929 (2010) المنتهية صلاحيته تعديلاً متعمداً جاء بعد مفاوضات مطوَّلة كان الغرض منها استبعاد برنامج الدفاع الصاروخي الإيراني ”المعدّ“ ليكون قادرا على إيصال الرؤوس الحربية التقليدية حصراً. وبناءً على ذلك، فإن برنامج القذائف الخاص بجمهورية إيران الإسلامية ليس مما يقع في نطاق أو اختصاص قرار مجلس الأمن ومرفقاته (انظر S/2015/550)، وكذلك الحال بالنسبة لبرنامجها الفضائي، بما في ذلك إطلاقها مركبتي إطلاق فضائيتين.

وكما هو متوقع، أعيد تفسير الفقرة 3 من المرفق باء للقرار 2231 (2015) بشكل جائر واحتُج مرة أخرى بتعاريف نظام التحكم في تكنولوجيا القذائف - وهو ”تفاهم سياسي غير رسمي“ تم التوصل إليه بين 35 دولة فقط. ولا يوجد في تلك الفقرة أي إشارة ضمنية أو صريحة لا إلى نظام التحكم في تكنولوجيا القذائف نفسه ولا إلى التعريفات الواردة فيه، ومن ثم، فإن أي إشارة إليه مضللة تماماً. وعلاوة على ذلك، فإن معايير نظام التحكم في تكنولوجيا القذائف ليست ملزِمة قانوناً، حتى بالنسبة لأعضائه، وأي محاولة لتصويرها على أنها تمثل التعريف المتفق عليه عالمياً هي محاولة تثير الارتياب. فكما ورد في تقرير الأمين العام (A/57/229)، ”ليس ثمة قاعدة أو صك مقبول بصورة عالمية ينظم على وجه التحديد استحداث القذائف أو اختبارها أو إنتاجها أو حيازتها أو نقلها أو نشرها أو استخدامها“.

وإننا نحذر، في هذا السياق، من النهج المدفوع ببواعث سياسية الذي تعتمده الولايات المتحدة وبعض البلدان المتقدمة النمو الأخرى التي تمتلك برامج فضائية، فهي تتخذ ذرائع عبثية كمخاوف الانتشار النووي وسيلةً تحاول عن طريقها شيطنة المساعي التي تبذلها البلدان النامية من أجل استخدام تكنولوجيا الفضاء في الأغراض السلمية. وهذا الاتجاه المشبع بالنفاق نذيرٌ شديد الخطر يهدد بتقويض ممارسة الدول لحقها الطبيعي في الوصول إلى الفضاء والأجرام السماوية، وحريتها في استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه للأغراض السلمية، وإمكانية استفادتها بحرية من علوم الفضاء وتكنولوجياته وتطبيقاته دون أي نوع من أنواع التمييز.

وجمهورية إيران الإسلامية تتمتع، كأي دولة أخرى، بالحق في استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية، وبرنامجُها الفضائي يشمل أنشطةً علمية وتكنولوجية تتصل بالاستخدام السلمي للفضاء الخارجي في مجالات مثل إدارة الكوارث، والرصد البيئي وإدارة الموارد الطبيعية، والاتصالات، والصحة البشرية، والأمن الغذائي والزراعة المستدامة، وجميعها ملامح ومتطلبات يحتاجها كل مجتمع لتحقيق نهضته الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك، فإن قيام إيران بإطلاق مركبتي إطلاق فضائيتين، أيا كانت كياناتها المشارِكة في هذه العملية، هو أمر يتفق تماما مع أحكام القانون الدولي ومع قرار مجلس الأمن 2231 (2015).

ومما يثير الدهشة أن الولايات المتحدة تدعي مرةً أخرى أن القرار 2231 (2015) يحظر تزويد إيران بأصناف ومواد ومعدات وسلع وتكنولوجيات معينة تتصل بالقذائف التسيارية، ويحرم بيعها أو نقلها إليها. ولكن القرار، خلافاً لهذا الزعم، يأذن بوجه عام بمثل هذه الأنشطة، إذ يأتي فيه أنه ”يجوز لجميع الدول أن تشارك“ في ”توريد أو بيع أو نقل“ هذه الأصناف ”إلى إيران أو منها“ وأن ”تأذن“ بذلك. وعليه، فمن الواضح تماماً أن لجميع الدول أن تقوم بتلك الأنشطة في الأساس. وما عليها إلا أن تُبلغ مجلس الأمن بذلك مسبقاً، فيقرِّر المجلس ”على أساس كل حالة على حدة السماح بهذه الأنشطة“.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ومثلها بعض الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن قد حالت حتى تاريخه، ولأسباب سياسية واضحة، دون اتخاذ المجلس القراراتِ اللازمة للسماح بهذه الأنشطة، وهي أنشطة لا غنى عنها لتنفيذ القرار نفسه تنفيذا تاما وفعالا. وبالمثل، حالت الجزاءات غير القانونية التي فرضتها الولايات المتحدة في انتهاك للقرار 2231 (2015) دون تنفيذ تلك الأحكام. وفي هذا السياق، أود أن أشدد على ما يساورنا من شواغل، بما في ذلك تلك الواردة في رسالتي المؤرخة 18 كانون الأول/ ديسمبر 2019 (S/2019/959). كما تنفي إيران نفياً مطلقاً الادعاء القائل بأنها حاولت ”شراء معدات وتكنولوجيا يمكن استخدامها في القذائف انتهاكا للقرار 2231 (2015)“.

وفي ضوء ما تقدّم، ترفض جمهورية إيران الإسلامية جميع الادعاءات التي ساقتها الولايات المتحدة رفضاً قاطعاً وتندد بمحاولتها المستميتة تصوير برامج إيران للقذائف والفضاء على أنها تقوّض ”المصداقية الأساسية للمجلس“، وتؤكّد على النقيض من ذلك أن الأمر الذي لا يزال يقوّض مصداقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي إنما هو تمادي الولايات المتحدة، بوصفها عضوا دائما في المجلس، في انتهاكها للقرار 2231 (2015) بصورة منهجية وعدم اكتفائها بذلك، بل وإكراهها دولا أخرى بشكل سافر على أحد أمرين، إما تحدي ذلك القرار أو الوقوع تحت طائلة العقاب.

أما فيما يتعلق بالمزاعم الأخرى التي وردت في الوثيقة S/2020/382، فلا بد لي أن أشدّد على أن ادعاءاتِ ممثل النظام الإسرائيلي بشأن انتهاك جمهورية إيران الإسلامية المزعوم لقرارات مجلس الأمن 2231 (2015) و 1970 (2011) و 2473 (2019) إنما هي ادعاءات عارية من الصحة، ومن ثم فهي مرفوضة رفضاً قاطعا. فهذه ادعاءات يسوقها نظامٌ يحتل المرتبة الأولى لا بين مرتكبي الانتهاكات المنهجية والجسيمة لعشرات القرارات الملزِمة التي أصدرها مجلس الأمن فضلا عن قواعد القانون الدولي الآمرة ومبادئه الأساسية فحسب، بل هو أيضا في طليعة من ارتكبوا المرة تلو الأخرى الجرائمَ الدولية الرئيسية الأربع جميعها على مدى العقود السبعة الماضية.

وإنها لمفارقة ساخرة أن يتعالى الآن صوت النظام الإسرائيلي باستغاثةٍ كاذبة وأن يتهم إيران كذبا وبهتانا بانتهاك القرار 2231 (2015)، وهو الذي يهدد بلدان المنطقة على نحو سافر بأسلحته النووية ويمتلك شتى أنواع أسلحة الدمار الشامل ويرفض في الوقت نفسه الانضمام إلى الصكوك الدولية الملزِمة قانوناً التي تحظر هذه الأسلحة، ولا سيما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وهو اتهام لا يوصف إلا بالرياء لأن هذا النظام نفسه لم يدخر جهدا أو يهدِر فرصة لانتهاك ذلك القرار، وغيره الكثير من قرارات المجلس الأخرى (انظر S/2017/205)، بما فيها القرارات 1559 (2004) و 1701 (2006) و 2254 (2015) و 2334 (2016). ولا بد لذلك أن يتوخى المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن اليقظةَ التامة بشأن كل ما يتبعه ذلك النظام من سياسات تزعزع الاستقرار وممارسات غير مشروعة في منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط وما ينجم عن ذلك من تداعيات تؤثر في السلام والأمن الدوليين، فيتسنى بذلك مساءلة النظام المذكور عن جميع هذه السياسات اللاإنسانية والممارسات الوحشية وغير المشروعة.

وأرجو ممتنا تعميم هذه الرسالة باعتبارها وثيقة من وثائق مجلس الأمن.