يشرفني أن أتوجه إليكم في متابعة لرسالتي المؤرخة 26 أيار/مايو 2020 (S/2020/444) بشأن تنديدنا بأعظم عملية سطو في التاريخ الحديث لجمهورية فنزويلا البوليفارية، التي لا تزال ترتكبها، حتى الآن، مع الإفلات التام من العقاب، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، في خضم أسوأ جائحة عرفتها البشرية في السنوات المائة الماضية.
وفي هذا السياق، اسمحوا لي أن أشير إلى الرسالة المؤرخة 29 أيار/مايو 2020 الموجهة من ممثل المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية لدى الأمم المتحدة (S/2020/464) بشأن الموضوع المطروح، وأن أثبت أدناه زيف الادعاءات الواردة فيها:
أولا، في 13 أيار/مايو 2020، كشفت وسائل الإعلام البريطانية عن وجود سري وخفي، حتى ذلك الحين، لـ ”وحدة تعمير فنزويلا“ داخل وزارة الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة( ). كما كشفت الأنباء، المستندة إلى وثائق تم الحصول عليها بموجب قانون حرية المعلومات، عن ”مناقشات خاصة بين شخصيات معارضة فنزويلية ومسؤولين في المملكة المتحدة، تتضمن تفاصيل مقترحات لتعزيز الأعمال التجارية البريطانية بعد انقلاب مخطط له“.
وهذا دليل واضح ووقائعي، لا مجرد ادعاء، ليس فقط على حقيقة أن الحكومة البريطانية كانت على علم بالتوغل المسلح للمرتزقة والإرهابيين ضد أراضينا الوطنية في أوائل أيار/مايو 2020، في إطار ما يسمى ”عملية جدعون“، بل أنها شاركت بنشاط في ذلك، من أجل ضمان المركز المفضل للأعمال التجارية البريطانية في بلدي بعد تنفيذ العمل العدواني ضد فنزويلا بنجاح.
ثانياً، لم يصدر قط إعلان عام واحد من المسؤولين البريطانيين لا بشأن إنشاء أو بشأن وجود ”وحدة تعمير فنزويلا“ داخل وزارة الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة، والذي لم تعلم به حكومة جمهورية فنزويلا البوليفارية إلا في 13 أيار/مايو 2020، عقب تقارير نشرت في وسائط الإعلام الدولية.
وفي الواقع، استُدعي في 14 أيار/مايو 2020 القائم بالأعمال بالنيابة البريطاني في كاراكاس إلى مقر وزارة القوى الشعبية للشؤون الخارجية لجمهورية فنزويلا البوليفارية، وسُلِّم مذكرة احتجاج بشأن هذه المسألة( ). وعندئذ فقط، اعترف المسؤول البريطاني بوجود هذه الوحدة، محاولا، دون جدوى، تقديم أعذار وتبرير ما لا يمكن تبريره.
وغني عن القول إن هذا يشكل مثالا آخر على الموقف العدائي تجاه فنزويلا من جانب الحكومة البريطانية التي تصرُّ على اتباع سياسات ”تغيير النظام“ ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو الشرعية والدستورية والمنتخبة ديمقراطيا، في انتهاك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي ذاتها، بما في ذلك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبدأ المساواة في السيادة بين الدول، ومبدأ حق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن حكومة جمهورية فنزويلا البوليفارية تلقت، في أواخر كانون الثاني/يناير 2020، طلبا لإصدار تأشيرات رسمية لمسؤولين بريطانيين يعتزمون زيارة البلد في شباط/فبراير 2020، بغرض عقد ”اجتماعات مع السفارة البريطانية“، على النحو المبين في طلباتهم للحصول على تأشيرات الدخول. وتمت الموافقة على تأشيراتهم وإصدارها على وجه السرعة. غير أن هؤلاء المسؤولين البريطانيين لم يستغلوا سوى حسن نية السلطات الفنزويلية، إذ أن نيتهم الحقيقية، التي تختلف عن الغرض المعلن لسفرهم، كانت تتمثل في النهوض سرا بأهداف وغايات ”وحدة التعمير“ السرية آنذاك، على نحو ما اعترف به حتى ممثل المملكة المتحدة في رسالته المؤرخة 29 أيار/مايو 2020.
ثالثا، كما ندَّدنا من قبل، إلى جانب التهديدات باستخدام القوة، تجري محاولات مستمرة لفرض حصار بحري بصورة غير قانونية على أمتنا، وهو ما يشكل، إذا تحقق، عملا من أعمال الحرب بموجب القانون الدولي، لا سيما إذا لم يأذن به مجلس الأمن، على أساس المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، أو إذا طبق بموجب الحق الأصيل في الدفاع عن النفس.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى بدء ”عملية معززة لمكافحة المخدرات“ في منطقة البحر الكاريبي، على النحو الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب في 22 نيسان/أبريل( )، بالتعاون مع 22 دولة شريكة، بما فيها المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية. ومن ثم، فإن وجود سفن حربية أجنبية قبالة مياهنا الإقليمية، بما في ذلك سفن بريطانية، في موقف عدائي وتصادمي، هو جزء من تلك الجهود الرامية إلى فرض حصار بحري بصورة غير قانونية على فنزويلا ومهاجمة بلدنا، على الرغم من المحاولات لإخفاء ذلك على نحو ملائم إما كعملية لمكافحة المخدرات أو كعملية لتوفير ”القدرة على الصمود استعدادا لموسم الأعاصير السنوي“.
وأخيرا، يجب أن نؤكد من جديد أن مصرف انكلترا ليس، من الناحية العملية، منظمة عامة مستقلة، بل هو الذراع المنفذ لسياسة الحكومة البريطانية الاستعمارية المتمثلة في السلب والنهب، التي سرقت احتياطيات فنزويلا من الذهب المودعة في تلك المؤسسة المالية، والتي تبلغ قيمتها أكثر من بليون دولار بالقيمة الحالية، في انتهاك على حد سواء لحرمة العقود والقانون الدولي العرفي بشـأن حصانة الاحتياطيات والأصول الدولية للمصارف المركزية الأجنبية من إجراءات التنفيذ. كما تجدر الإشارة، في هذه المرحلة، إلى مبلغ 30 مليون دولار (2020-2022) ومبلغ 24 مليون دولار (2019) اللذين زعمت الحكومة البريطانية أنها تعهدت بهما و/أو قدمتهما ”لدعم الفنزويليين المحتاجين“؛ وهو مبلغ، في مجموعه، يمثل الفتات فقط (5,4 في المائة)، بالمقارنة مع الرقم العالمي للموارد التي سرقتها مؤخرا من أمتنا والتي أودعت في بنك إنجلترا.
وكما هو مبين في رسالتين خطيتين من بنك إنجلترا نفسه، بتاريخ 11 تموز/يوليه 2018 و 18 آذار/مارس 2019، فإن قراره الانفرادي وغير القانوني برفض الامتثال للتعليمات التي قدَّمها صاحب الحساب وصاحب احتياطيات الذهب المشار إليها – مصرف فنزويلا المركزي - المتعلق بتصفية جزء من تلك الموارد، يستند إلى ما يلي:
(أ) امتثاله للتدابير القسرية الانفرادية التي تفرضها الولايات المتحدة؛
(ب) مشاوراته مع وزارة الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة؛
(ج) قرار المملكة المتحدة بالتنكر لحكومة الرئيس نيكولاس مادورو.
ولذلك، أثبتت الحالة الفنزويلية أن مصرف انكلترا ليس مؤسسة محايدة ولا شفافة، ناهيك عن كونه مؤسسة جديرة بالثقة، وهذا هو السبب في تدمير مصداقيته بالكامل الآن. ولذا، فإننا نكرِّر نصيحتنا للدول الأخرى بأن تنظر على وجه السرعة في سحب مواردها السيادية المودعة في ذلك المصرف واحتياطياتها الدولية في عهدته، حيث أنها معرَّضة لخطر النهب الدائم.
وبالتالي، فإن حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية تحرم بالفعل عمدا 30 مليون فنزويلي من السلع والخدمات الأساسية، لأنها تواصل تقويض الجهود التي تبذلها حكومتنا الوطنية لضمان رفاه شعبنا، بما في ذلك من خلال توفير الأغذية والأدوية وغيرها من الإمدادات الأساسية، ولا سيما في خضم أسوأ جائحة واجهتها البشرية في السنوات المائة الماضية؛ مما يقلل من احتمالات النجاح في هزيمة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) في الداخل. وإننا نشدِّد على أن السلطات البريطانية ترتكب عملا من أعمال الإبادة ضد شعبنا، وهو ما يشكل جريمة ضد الإنسانية، وفقا لأحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نظرا إلى أنها تتعمَّد فرض ”أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان“.
وأخيرا، أرجو بكل احترام أن تبذلوا مساعيكم الحميدة، بصفتكم رئيس مجلس الأمن لشهر حزيران/يونيه 2020، من أجل تعميم هذه الرسالة على الدول الأعضاء في المجلس لإعلامها على النحو الواجب، وإصدارها بوصفها وثيقة من وثائق المجلس.