للوهلة الأولى، كان يبدو أنها حادثة طيران مروعة، فشركات النقل الأمريكية التي توشك على الإفلاس، تقوم بأعمال صيانة يتدنى مستواها من سيء إلى أسوأ. والمراقبون الجويون يقدمون خدمة لا يمكن الوثوق بها كثيرا. وسمح عدم التقنين الذي يعرفه القطاع على المستوى العام، بالتحليق بشكل عشوائي فوق التجمعات السكانية. وبالتالي، ما كان يتوقع حدوثه، وقع في النهاية.

غير أن لا يمكن أن نستبعد، كما سارعت قناة سي ان ان إلى الإشارة إليه، ألا يكون سقوط الطائرة هذا ناجما عن حادث. يتعلق الأمر إذن بعمل إرهابي. نتذكر أنه في يوم 26 فبراير 1993، انفجرت شاحنة صغيرة مفخخة في الطابق الثاني تحت الأرض، حيث يوجد مستودع السيارات في مركز التجارة العالمي، مما خلف مصرع ستة أشخاص وحوالي ألف جريح. وقد نسب الاعتداء لمنظمة إسلامية يديرها انطلاقا من نيويورك الشيخ عمر عبد الرحمان. وإذا كان سقوط الطائرة، بالنسبة لمعلقي قناة سي ان ان يعتبر هجوما، فمن الوارد أن يكون من تدبير إسلامي آخر، هو الملياردير السعودي سابقا أسامة بن لادن. فقد كان رجل المال هذان اللاجئ في أفغانستان قد دعا بواسطة فتوى، مؤرخة في 23 أغسطس 1996، إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وتنسب إليه الاعتداءات التي نفذت في 7 أغسطس 1998 ضد السفارتين الأمريكيتين في كل من نيروبي(كينيا) ودار السلام (تنزانيا). وخلال بضع سنوات أصبح «العدو رقم واحد للولايات المتحدة". وقد خصص مكتب التحقيقات الفدرالي مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يقبض عليه. وطالب مجلس الأمن حكومة طالبان بترحيله. ومنذ الخامس من فبراير 2001 شرعت الولايات المتحدة في محاكمته غيابيا في نيويورك.

وبدأت القنوات التلفزيونية الأمريكية، الواحدة تلو الأخرى، تربط الاتصال المباشر مع نيويورك. وفي الساعة التاسعة وثلاث دقائق، صدمت طائرة ثانية، البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. ووقع الاصطدام في الوقت الذي كانت فيه القنوات التلفزيونية تنقل صور البرج الجنوبي وقد اندلعت في النيران. وتم تصوير المشهد من زوايا متعددة وتتبعه مباشرة ملايين المشاهدين. واتضخ أن على الولايات المتحدة أن تواجه عمليات إرهابية على أراضيها.

وخوفا من اعتداءات بسيارات مفخخة، أغلقت سلطات ميناء نيويورك حركة السير على الجسور والأنفاق الواقعة في حي منهاتن (إذن..يخشى من أن يقوم كومندوس يوجد على الأرض بعملية). وعلى الساعة التاسعة وأربعين دقيقة، أخبرت شرطة نيويورك السكان بأنه من المحتمل ان تقوم طائرات أخرى بضرب أبراج أخرى. وعلى الساعة العاشرة، وبينما يجري الإعلان عن هجوم جديد على البنتاغون، انهار البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، وظهر ذلك في بث مباشر على شاشات التلفزيون. وبعد ذلك، أي على الساعة العاشرة وتسع وعشرين دقيقة، انهار بدوره البرج الشمالي. وغطت منهاتن سحابة من الغبار. وبدأ الحديث عن حصيلة محتملة من عشرات الآلاف من القتلى. وقد أفرز احتراق الطائرة درجة حرارة قصوى لم تصمد معها الهياكل المعدينة للبرجين.

وقد أغلق حاكم نيويورك، جورج بتاكي، كل المكاتب الرسمية في ولايته وأخطر الحرس الوطني بالقول: (ان لدي أصدقاء داخل هذين البرجين وإنني أفكر فيهم وفي ذويهم وسنبذل قصارى جهودنا لنمد يد المساعدة لكل المتضررين من جراء هذه المأساة). وعلى الساعة الحادية عشرة ودقيقتين، خاطب عمدة نيويورك بالهاتف، عبر إذاعة "نيويورك وان" سكان المدينة قائلا: " إلى أولئك الذين لا يوجدون في منهاتن في هذه اللحظة، أقول ابقوا في منازلكم أو في المكاتب. وإذا كنتم داخل مركز الأعمال تحركوا بهدوء نحو الشمال خارج منطقة الهجوم حتى لا تعرقلوا عمليات الإغاثة، علينا أن ننقذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص".

في هذه الأثناء، اخترق جمع غفير يقدر ببضع عشرات الآلاف من الأشخاص، الجسور (المغلق سلفا أمام حركة المرور) لكي يفروا من منهاتن.

وعلى الساعة الخامسة وعشرين دقيقة، انهارت البناية 7 من مركز التجارة العالمي، التي لم تصطدم بها الطائرتان، دون وقوع ضحايا.

واعتبرت مصالح المستعجلات في نيويورك، أن البناية تضررت من جراء انهيار البرجين السابقين. وبدورها قد تكون العمارات المجاورة قابلة للانهيار بالتتابع مثل قطع الدومينو. وقدمت بلدية نيويورك طلبية للحصول على ثلاثين ألف كيس للموتى.

وفي ما بعد الظهر والأيام الموالية، أعيد ترتيب سيناريو الهجوم: إسلاميون، من شبكة بن لادن، منظمين على شكل فرق من خمسة أشخاص ومسلحين بآليات حادة قاطعة، اختطفوا طائرات ركاب. بعدما تم تحريضهم على التعصب، جاءوا للتضحية بأنفسهم بتوجيه طائراتهم الانتحارية للاصطدام بالبرجين.

للوهلة الأولى تبدو الوقائع غير قابلة للنقاش، ومع ذلك كما تقدمنا في فحص التفاصيل، كلما ظهرت التناقضات. لقد تم تحديد نوعية الطائرتين من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي على أنها طائرتي بوينغ747، الأولى تابعة لأمريكان أير لاينز (الرحلة رقم11 الرابطة بين بوسطن ولوس أنجلوس) والثانية تابعة ليونايتد اير لاينز ( الرحلة رقم 175 الرابطة بين بوسطن ولوس أنجلوس). وقد اعترفت الشركتان بفقدان هاتين الطائرتين.

وبفضل بعض الركاب الذين كانوا يتوفرون على أجهزة هاتف محمول، واتصلوا بأقربائهم خلال العملية، نعرف أن قراصنة الجو جمعوا الراكبين في مؤخرة الطائرة، كما جرت العادة في هذه الحالات، ليتم عزل مقصورة القيادة. وقد سهل من هذه العملية العدد القليل للركاب: 81 راكبا على الرحلة رقم 11، و56 على الرحلة رقم 175، في الوقت الذي تتسع فيه كل طائرة منهما ل 139 راكبا.

وحسب المعلومات التي كشف عنها الركاب بواسطة الهاتف، فان القراصنة كانوا يمسكون فقط بالسلاح الأبيض [1] . وبعدما أغلق المجال الجوي الأمريكي، هبطت كل الطائرات التي كانت تحلق وأخضعت لعملية تفتيش من طرف مكتب التحقيقات الفدرالي. وتم العثور في اثنتين من هذه الطائرات، الرحلة رقم 43 (نيفارك – لوس أنجلوس ) والرحلة رقم 1729 (نيفارك – سان فرانسيسكو) على ’لات حادة قاطعة مشابهة، مخبأة تحت المقاعد. وقد أفاد المحققون بأن كل قراصنة الجو يستعملون هذا النوع من الآلات الحادة القاطعة. وبعد ذلك، عثرت وكالة الاستخبارات المركزية في منزل كان يقيم فيه أسامة بن لادن في أفغانستان، على أكياس بداخلها آلات حادة قاطعة، مؤكدة بذلك أن الإسلاميين تلقوا تدريبا على استعمالها.

غير أن، ومع ذلك من الصعب تصور أن مدبر العمليات قد أغفل تزويد رجاله بأسلحة نارية، وبذلك يكون قد غامر بتعريض عمليته للفشل جزئيا أو كليا. ومما يدعو للاستغراب حقا، هو أن المرور عبر أجهزة المراقبة في المطارات بمسدسات [2] تم تكييفها، أسهل من المرور بآلات حادة.

لماذا نطرح هذه الأسئلة؟ لأنه في المتخيل الجمعي، المسألة معروفة، العرب وبالتالي الإسلاميون، يحبون نحر ضحاياهم. ولذلك فان الآلات الحادة القاطعة تشير ضمنيا إلى أن قراصنة الجو كانوا جميعا عربا، وهذا شيء يتعين إثباته.

قبل الوصول إلى نيويورك، كان على الطائرتين أن تخفضا كثيرا من ارتفاعهما بشكل يجعل من يقود الطائرتين ينظر إلى البرجين من مستوى أفقي وليس من أعلى. فالمدينة منظورا إليها من أعلى تشبه خريطة تختفي فيها كل العلامات البصرية التي نستدل بها. ولضرب البرجين كان ينبغي التموقع في علو منخفض جدا.

ولم يضبط قائدا الطائرتين العلو الذي منه ستتم العملية فقط، ولكن أيضا جعلا الطائرتين تتموقعان جانبيا. يبلغ عرض البرجين التوأمين 63 مترا و70 سنتمترا، وتبين لنا صور الفيديو ان الطائرتين ضربتا هدفيهما على مستوى المركز بكل دقة. وكان يكفي تحول بسيط من 55 مترا و65 سنتمترا، لتخطأ الطائرتان هدفيهما. وبسرعة متوسطة (700 كلم/ساعة)، تقطع هذه المسافة في ثلاثة أعشار من الثانية. ان الهامش الضيق للتحكم في قيادة هذه الطائرات يشكل تحديا حتى بالنسبة لربابنة الطائرات المحنكين، فما بالك بربابنة في طور التدريب.

ترجم الكتاب من نسخته الفرنسية الأصلية الى اللغة العربية : مركز زايد للمتابعة والتنسيق بدولة الامارات العربية المتحدة.

أعد حلقات الكتاب : رامي


 يمكنك مطالعة نبذة عن الكتاب باللغة الفرنسية على :http://www.effroyable-imposture.net

 كما يمكنك تحميل الكتاب الثاني للمؤلف :فضيحة البنتاغون مجانا باللغة الفرنسية على :http://www.pentagate.info

[1باستثناء الطائرة التي كانت تقوم بالرحلة 93 والتي انفجرت فوق بنسيلفانيا. فقد أشار الركاب الذين كانوا على متنها أن القراصنة كانوا يحملون علبة اعتبروها أنها قنبلة.

[2المسدسات المصنوعة من مواد غير معدنية لا يمكن رصدها من طرف البوابات الممغنطة في المطارات.