الهدف الأساسي للقاء أرييل شارون مع محمود عباس هو ضرورة التنسيق بين السلطة الفلسطينية واسرائيل من اجل اتمام تنفيذ خروج الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وإخلاء المستوطنات اليهودية هناك بسلام وهدوء من دون اشتباكات اواطلاق للنار. قد يكون لإنعقاد اللقاء بحد ذاته مدلول رمزي سياسي أراد منه شارون ان يوجه رسالة الى الإدارة الأميركية يظهر فيها استعداده للتعاون مع السلطة الفلسطينية في إتمام خطته فك الإرتباط عن غزة واتمام الإنسحاب من طرف واحد من هناك.

ولكن الوقائع تشير الى أمور مخالفة تماماً لذلك. فالإجتماع التنسيقي المفترض يجري في ظل تدهور أمني وقع في الأيام الماضية سببه عمليات قصف واطلاق نار نفذتها حركة"الجهاد الإسلامي«وشكلت ذريعة لقيام اسرائيل بحملة اعتقالات طاولت أكثر من خمسين ناشطاً من أعضائها. وكانت اسرائيل أعلنت قبل ذلك اعتقال فتاة فلسطينية في العشرين من عمرها على معبر إيريز كانت تخطط لعملية انتحارية بتفجير حزام ناسف كانت تربطه على خصرها فأوقفها الجنود الإسرائيليون بعد فشلها في تفجير العبوة، واعترفت الفتاة بأنها تنتمي الى"كتائب شهداء الأقصى».

فإذا ما أضفنا الى ذلك حال الفلتان الأمني التي سادت مدناً عدة تابعة لسيطرة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية،والخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية حول موضوع الإنتخابات التشريعية التي أُجلت الى ما بعد انتهاء انسحاب اسرائيل من غزة، نجد كل ذلك يجعل زعيم السلطة أبو مازن في وضع لا يحسد عليه عندما سيلتقي وجهاً لوجه أرييل شارون، رغم كل الإجتماعات التحضيرية بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين التي سبقت اللقاء وحاولت إزالة العقبات التي تعترضه.

لذا من المنتظر ألا يسفر الإجتماع عن نتائج مهمة،وعلى الأرجح كل طرف سيتمسك بمواقفه السابقة. أرييل شارون سيرفض طلب أبو مازن اطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين ولن يقبل بإنتقال مدن فلسطينية جديدة الى سيطرة السلطة الفلسطينية لا سيما مدينة جنين، تماما كما سيرفض التخفيف من الحواجز الإسرائيلية ومنح الفلسطينيين بعض التسهيلات الحياتية.

بالنسبة الى شارون المرحلة السابقة أظهرت عجز أبو مازن عن الوفاء بالإلتزامات التي وعد بها في قمة شرم الشيخ بتفكيك البنية التحتية للمنظمات الفلسطينية المسلحة مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وهو يرغب في ان يقول له صراحة أنه اذا كان غير قادر على فرض الأمن والنظام في مناطقه فالجيش الإسرائيلي مستعد للقيام بهذه المهمة بدلاً منه.

قبل نحو أكثر من شهر على تطبيق خطة شارون الإنسحاب من طرف واحد من غزة تبدو كل من حكومة شارون وسلطة أبو مازن امام اختبار حقيقي لقدرتهما على فرض الأمن والنظام ومواجهة التحدي الذي يفرضه عليهما المتطرفون من الجهتين. فأمام شارون مواجهة تحدي المستوطنين الرافضين لمبدأ الإنسحاب واخلاء المستوطنين ولو لجأ هؤلاء الى استخدام القوة واعمال الشغب؛ تماماً مثلما أمام أبو مازن مواجهة حركتي"حماس" والجهاد" واقناعهما بتسليم سلاحهماقبل البدء بالعملية الإنتخابية حيث تشترط الادارة الأميركية عدم اشراك هاتين الحركتين فيها طالما احتفظتا بسلاحهما.

نزع سلاح المنظمات الفلسطينية قبل الإنتخابات التشريعية الفلسطينية ليس شرطاً اسرائيلياً بقدر ما هو شرط أميركي أيضاً عبرت عنه وزيرة الخارجية الاميركية صراحة أثناء الزيارة القصيرة التي قامت بها لمناطق السلطة الفلسطينية واسرائيل. وثمة شك كبير في أن يقدر أبو مازن في ظل التراجع الذي شهدته سلطته السياسية تنفيذ هذا الشرط.

مما يعني آجلاً أو عاجلاً دخول عملية التسوية طريقاً مسدوداً بعد إنجاز عملية فك الإرتباط عن غزة، وتأجيل أي كلام عن العودة الى تنفيذ "خريطة الطريق" الى زمن غير محدد. الامر الذي يناسب تماماً رؤية شارون للحل القائم على مراحل طويلة الأجل لاختبار مدى قدرة السلطة الفلسطينية على تثبيت سيطرتها الأمنية والسياسية على أراضيها ومدى قدرتها على لجم المنظمات الفلسطينية التي ما زالت تتبنى عقيدة الكفاح المسلح ضد اسرائيل و لا تؤمن بالتسوية السياسية معها.

مصادر
النهار (لبنان)