حركة «كفاية» حشدت ما يقارب 200 في اعتصام بالقاهرة، وربما استطاعت المظاهرة المعاكسة لها حشد رقم مشابه. وهذه الصورة تتكرر في عدد من العواصم لكن المهم ليس الحركة بذاتها بل الرقم المرافق لها. وربما يدفعنا هذا الشكل من "الحشد" إلى إعادة تعريف المعارضة التي يعتبر البعض ان تاريخها الجديد ربما يغفر لها عدم قدرتها على «الحشد الجماهيري».

عمليا فإن حركات المعارضة «المعاصرة» لم تكن تحتاج لتاريخ طويل حتى تخلق تواصلها مع الشارع، وعندما نتحدث عن هذه المعارضة «المعاصرة» فإننا نذهب مباشرة إلى ما كان يسمى «أوروبا الشرقية». فهي النموذج الذي يتم اليوم القياس عليه، سواء في موضوع المجتمع المدني أو الديمقراطية. لكن الصورة التي نشهدها اليوم في منطقتنا على الأقل تنقلنا إلى «نشطاء» وليس حركة معارضة. وهذا الموضوع لا يعيب المعارضة بذاتها بل آلياتها التي تحتاج إلى رسم حركة تواصل مع المجتمع.

ما هو الافتراق الأساسي بين التحرك الحالي في الشرق الأوسط والحركة الاجتماعية في «شرقي أوروبا»؟ الملاحظة الأساسية هنا هي في طبيعة التحرك السياسي العربي المستمر منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، حيث احتل الهدف السياسي عبر النخب الحياة العامة، مما جعل اختراقها أكثر سهولة، وغيابها أمرا ممكنا .. وانتعاشه اليوم يتم بنفس الصورة.

حركة الحياة العامة اليوم ما زالت عبر ما كان يسمى النخب، في وقت كانت الحركة في شرقي أوروبا من خلال التحرك الاجتماعي وليس بالضرورة عبر النخب الثقافية أو حتى السياسية. فالحركة في بولونيا، وهي نموذج أساسي كانت من نقابة «التضامن».

العمل العام في الشرق الأوسط إجمالا مصر على تنحية المجتمع، ورسم أهداف سياسية. بينما تاريخ المجتمعات السياسية يؤكد أن العمل العام كان اجتماعيا ينتج حركات سياسية وليس العكس.

ما الذي يؤخر هذا التصور اليوم؟!! إنه السؤال الذي يحتاج بالفعل لقراءة دقيقة .. ويحتاج لتخلي النخب عن الطموح السياسي المنفصل بشكل جذري عن الحركة الاجتماعية.