لم تكتف وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بمقاطعة سوريا في جولتها الشرق الاوسطية والتي شملت مصر والسعودية والاردن والاراضي الفلسطينية واسرائيل، في خطوة وان تكن غير مستغربة في هذه الظروف، تبقى رسالة قاسية بازاء الحرص الدائم لدمشق على ان تكون في محور القرار في العالم العربي ان لم تكن مركزه، بل هي ارفقت هذه الرسالة الرمزية بتصريحات تحذيرية قاربت التهديد في بعض عباراتها.

العارفون بمنحى العلاقات السورية – الاميركية لم يفاجأوا بملاحظات رايس والتي تكررت في اليوم التالي اثر اغتيال الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، لكن كان ثمة ترقب ومتابعة للموقف الاميركي بعد تطور محدد في سوريا تمثل في انعقاد المؤتمر الاخير لحزب البعث والتوصيات التي صدرت عنه وما سينفذ منها. والبعض يقول ان الجولة الاعلامية ثم الديبلوماسية اللتين نظمتهما دمشق لاثبات الجهد الذي تبذله في مجال ضبط الحدود مع العراق تندرجان في اطار تأمين تفهم لها لدى الديبلوماسيين الاوروبيين يساعدها في تخفيف ضغوط واشنطن عليها.

لكن يبدو بحسب معلومات توافرت ان اي تعليقات اميركية لم تصدر على المؤتمر او هي كانت تعليقات بسيطة لان اصحابها اعتبروا انه يقع في نقطة اللاحدث الذي لا يستحق التعليق عليه. وكثر من المتابعين الاميركيين للعلاقات بين سوريا والولايات المتحدة يعتبرون ان المؤتمر قدم القليل القليل لمساعدة الرئيس السوري بشار الاسد على الانتقال الى مرحلة جديدة. لذلك كان ثمة عدم اهتمام ليس بمتابعة اعمال المؤتمر بل بنتائجه في حكم كان مفترضا ان يخوض تجربة عول عليها كثيرون في الاعوام الماضية ولم تلب التطلعات. فضلا عن الاشارات المتناقضة التي تصدر عن السلطات السورية بين القول والعمل. وتبعا لذلك لم يكن متوقعا بروز اي شيء جديد ايجابي في هذا الاطار اذ تفيد المعلومات نفسها عن مجموعة امور تعكس عدم تبدل اي وجه في الافق بينها على سبيل المثال:

- ان لا عودة للسفيرة الاميركية المعتمدة في دمشق مارغريت سكوبي الى مركزها في العاصمة السورية في المدى المنظور. وهو احد ابرز الدلائل على غياب الحوار باستثناء الضروري منه بين واشنطن ودمشق. وهو الامر الذي قد يكون محفزا لسكوبي للسعي الى منصب آخر.
- ان اعلان دمشق انها نفذت التزاماتها في ما يتعلق بالقرار 1559 لا يجد اي وقع ايجابي لدى المسؤولين الاميركيين، وخصوصا لما يتضمن من اشارة الى انها غير معنية بالبنود المتبقية من هذا القرار والمتعلقة بنزع سلاح "حزب الله" والمخيمات الفلسطينية. وهو الامر الذي شدد عليه نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم اخيرا. ذلك انه الى موضوع استمرار افراد من المخابرات السورية في لبنان على ما تؤكد واشنطن ومطالبتها دمشق بسحبهم، فان الادارة الاميركية تعتبر ان سوريا لا تزال ممرا لعبور الاسلحة الى "حزب الله" وان عليها التعاون في هذا الموضوع. ولا يمكن في هذه الحال ان تعتبر نفسها غير معنية بمندرجات القرار 1559. وقد شددت رايس على هذه النقطة من دون التفاصيل بقولها لاحدى محطات التلفزيون خلال جولتها ان على دمشق ان تلتزم بنود هذا القرار وان تتحمل مسؤوليتها بالتأكد من انه نفذ بالفعل.
- تحدثت رايس عن ضرورة تغيير دمشق سلوكها والتأقلم مع المتغيرات في المنطقة. لكن كلامها حمل منحى تحذيريا قويا. فالمعلومات الديبلوماسية تتحدث عن ان ادارة الرئيس جورج بوش لم تتبن فعلا تغيير النظام في سوريا. لكن المخاوف هو ان تكون الامور تتحرك في هذا الاتجاه وهو ما يعرفه المسؤولون السوريون ويتداول في نقاشات علنية يصل صداها عبر الانترنت ومعلومات ديبلوماسية متعددة الاتجاه. والاخذ والرد في اي موضوع يجعله ينحو في اتجاهات معينة في مرحلة ما ثم تتغير هذه الاتجاهات في مرحلة اخرى بظروف مختلفة مما يجعله لا يحظى بالحصانة او المناعة الضرورية لضمان المنحى المتعمد في المرحلة الراهنة. وهناك اصوات قوية في هذه الادارة ومن ضمنها في وزارة الدفاع تحذر من ان سوريا من دون حزب البعث في السلطة قد تكون اخطر مما تواجهه الولايات المتحدة معها في هذه المرحلة. لكن هذا المنحى يبقى رهنا بمن يقود الدفة في نهاية الامر على اي مستوى كان في المؤسسات الاميركية.
- لا يبقي الموقف الاميركي دمشق تحت الضغط فحسب بل في حال دفاع مستمر وربما في حال لا توازن.

مصادر
النهار (لبنان)