“ربما لا ينبغي لأحد أن يحاول هش الذباب بمطرقة فولاذية ولكن في الحقيقة قد يكون ذلك ما يفعله الرئيس بوش في حربه الطائشة ضد الإرهاب والمطرقة هي شيء ثقيل جدا يستخدم عادة في تكسير الأشياء الصلبة التي يصعب تحريكها من مكانها وتعوق الطريق نحو التقدم”.

بهذه المقدمة تستهل صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية افتتاحية أحد أعدادها الأيام الماضية والتي جاءت تحت عنوان “متى تفيق الولايات المتحدة من كابوس حرب بوش ضد الإرهاب؟”.

والحال أنه يبدو شبه مستحيل في أن يقوم شخص ما بقتل شيء في هشاشة الذباب باستخدام مطرقة فولاذية، وسيكون طبيعيا أن ينجو الذباب من ضربات المطرقة الغامضة والطائشة، أما الواقع الحقيقي والمؤثر للضربة فسيكون شديدا على كل شيء آخر محيط مثل الجدران والحوائط التي ستصبح مثل فتات الجبن السويسري الشهير.

وربما يكون هذا هو حال الولايات المتحدة في إطار حربها التي أعلنها الرئيس بوش ضد الإرهاب والتي يجد فيها على الدوام ملاذا ومهربا من أزماته الداخلية وفضائح إدارته الحكومية يوما بعد يوم. لذا فقد عنّ للرئيس الأمريكي أن يحرك ومن جديد الماء الراكد في بحيرة الإرهاب من أجل إعادة الهلع والذعر في قلوب الأمريكيين ليهرب من أزماته الداخلية القاتلة إلى مربع الخوف الأول أي بعبع الإرهاب.

قبل الولوج إلى عالم بوش والإرهاب ودعوته لتجديد قانون “الباتريوت أكت” (القانون الوطني) يلزمنا التوقف قليلا أمام المحاولات المستميتة لبوش الذي يبذل جهدا خارقا لإنقاذ شعبيته المتدهورة ولاسيما بعد الانقسام الكبير بين الجمهوريين أنفسهم الذين يطالبون بالانسحاب من العراق.

تقول “الواشنطن بوست”: “إنه على الرغم من حجم المشكلات الهائلة التي تواجه الرئيس بوش خلال فترته الحالية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي والتي تأتي كنتاج مباشر لتبني إدارته السياسات بعينها فإن بوش مصرّ على انتهاج ذات الخطط والسياسات مؤكدا في المؤتمرات الصحافية أنه عازم على المضي قدما في تنفيذ أجندته”.

ما الذي يواجهه بوش من تحديات داخلية؟

يمكن القول باختصار غير مخل إنها تبدأ من إصلاح برنامج الضمان الاجتماعي، وتنظيم قانون الطاقة، ومعارضة الكونجرس المصادقة على تعيين مجموعة من القضاة المحافظين في الهيئات القضائية، وهي المعارضة التي يقودها النواب الديمقراطيون، إضافة إلى تعثر تعيين جون بولتون في منصب مندوب أمريكا الدائم في الأمم المتحدة، ناهيك عن ارتفاع نسب البطالة وزيادة الدين العام الخارجي، والعجز غير المسبوق في الموازنة الأمريكية، أما على الصعيد الخارجي، فهناك الوضع المتدهور في العراق واستمرار الأزمة النووية لكل من كوريا الشمالية وإيران.

أما النتيجة المباشرة لتلك التحديات فقد جاءت من خلال استطلاعات رأي متفرقة أجراها معهد جالوب ومحطة CNN وصحيفة USA TODAY وكشفت عن أن أكثر من 51% من الأمريكيين غير راضين عن أداء بوش الذي تراجعت شعبيته كذلك بشكل غير مسبوق.

“باتريوت أكت” وتخويف الأمريكيين

نصح فريد زكريا صاحب الاسم العربي الهندي الأصل بإعمال منظومة الخوف داخل الأراضي الأمريكية حتى يلفت انتباه الأمريكيين أنفسهم لما يحدث في العالم الخارجي يقول: إن تركيز المواطنين الأمريكيين ينصب على القضايا التي تتعلق بالإرهاب ولا يتعدى اهتمامهم ذلك، لذا فإنه مع الأسف يجب تخويفهم لكي يهتموا بالعالم الخارجي، مضيفا ان الروس استطاعوا أن يجعلوا الأمريكيين يخافون خلال الحرب الباردة، والإسلاميون المتطرفون جعلوا الأمريكيين يعيشون في حالة خوف الآن، والشيء المهم هو ما ينتج عن هذا الخوف. فهل وجد بوش في نصيحة زكريا المفر الرئيسي من أزماته الداخلية؟ يبدو أن هذا ما حدث بالفعل ذلك لأن عملية إثارة المخاوف من الإرهاب في الداخل والخارج تضمن له ما يكفي من غبار للتغطية على الفشل الداخلي الذي يلاحق إدارته في ولايته الثانية. لذا فقد جاء طلب الرئيس الأمريكي من الكونجرس إعادة تجديد القانون المثير للجدل الذي صدر بعد هجمات 11 سبتمبر/ ايلول المعروف “بالباتريوت أكت” والذي يمنح الوكالات الأمنية الأمريكية سلطات واسعة لجمع المعلومات الاستخباراتية داخل البلاد ويلقى معارضة بسبب انتهاكه لبعض الحريات المدنية.

وفي كلمة له في ولاية أوهايو قال بوش إن هذا القانون مهم في توفير الأمن للأمريكيين وإنه نجح في الإيقاع بإرهابيين محتملين مضيفا انه من المهم أن يعيد الكونجرس موافقته على العمل ببعض الفقرات الواردة في القانون التي ستنتهي فترة العمل بها أواخر العام الحالي.

والمعروف هنا أن قيادات بارزة في الكونجرس قد أشارت أواخر العام 2004 إلى أن تلك الفقرات يجب أن تدرس قبل ختام انعقاد الدورة الحالية للكونجرس ما يعني أن هناك احتمالية لعدم الموافقة على التجديد وبخاصة بعد الحملات المكثفة لجماعات حقوق الإنسان على حزمة القوانين اللاإنسانية واللاأخلاقية التي استنتها إدارة بوش بعد 11 سبتمبر/ ايلول.

أما عن القانون فيسمح للمحققين بالتنصت على المكالمات الهاتفية المشتبه في علاقتها بالإرهاب حتى عندما يغير المشتبه فيه رقم هاتفه أو يلغيه من أجل تفادي المتابعة ويمنح نفوذا أكبر للسلطات الأمنية ويسمح لها بالتجسس على خصوصيات الشعب الأمريكي والزوار الأجانب بشكل غير مسبوق.

تستر على الفشل وبيانات مضللة

للإجابة نحيل الأمر برمته للواشنطن بوست ثانية والتي شككت في تحليلاتها الأسابيع الأخيرة في عدد القضايا التي أعلنتها إدارة بوش في إطار حربها ضد الإرهاب وكشفت عن أن الاتهامات التي تم توجيهها للعديد من الإرهابيين المشتبه بهم وتمت إدانتهم فيما بعد تعد تافهة ولا علاقة لها بالجهود المبذولة للحفاظ على الأمن القومي للولايات المتحدة.

ويأتي التقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية رغم ميولها اليمينية كرد على تباهي بوش ووزير العدل الأمريكي البرتو جونزاليس بأن التحقيقات أدت إلى توجيه اتهامات إلى نحو 400 مشتبه به تمت إدانة أكثر من نصفهم حتى الآن.

وفي تحليل الصحيفة لقائمة القضايا المشار إليها أكدت أن الأرقام التي يتباهى بها الرئيس الأمريكي مضللة وأشارت إلى أن 39 متهما فقط تمت إدانتهم بجرائم متعلقة بتهم صغيرة إلى حد كبير مثل الإدلاء بتصريحات كاذبة أو انتهاك قوانين الهجرة وليس لهم أي علاقة بالإرهاب وفي أغلب هذه الإدانات لم تتجاوز العقوبة 11 شهرا فقط مما دعا الصحيفة في النهاية للاستنتاج بأن جهود الإدارة الأمريكية لمطاردة الإرهابيين لم تحقق النجاح الذي تدعيه واشنطن وإدارة بوش. وفي باب الفشل الداخلي الأمريكي لمواجهة الإرهاب الذي يعلق الرئيس الأمريكي عليه آمالا كبيرة للفكاك من معضلاته المحلية يأتي الحديث عن لجنة التحقيق في أحداث سبتمبر/ ايلول 2001 والضغوطات التي تمارسها على البيت الأبيض. فمع اقتراب الذكرى الأولى لإصدار تقريرها يعقد أعضاء اللجنة اجتماعا للضغط على البيت الأبيض من أجل معرفة ما إذا كانت حكومة بوش قد بذلت ما فيه الكفاية لمنع هجوم إرهابي آخر طبقا للمعلومات التي أدلى بها المسؤولون في الهيئة الذين يخشون من أن إدارة بوش والكونجرس لم يطبقا بعد توصياتهما.

وقد ذكر المسؤولون أن أعضاء الهيئة وعددهم عشرة سيقدمون عبر جماعة خاصة تم تأسيسها في الصيف الماضي خطابا خلال أيام إلى اندرو كارد رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض يطلبون فيه من البيت الأبيض السماح للمجموعة بجمع معلومات تفصيلية من وكالة المخابرات المركزية CIA ومكتب المباحث الاتحادية FBI ووزارة الدفاع البنتاجون ووزارة الخارجية وغيرها من الوكالات الحكومية بخصوص أداء إدارة بوش في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية.

ومن دون تطويل ممل يمكن القول إن قرار الهيئة المذكورة يمثل صفعة قوية على وجه إدارة بوش التي انتهكت الحريات والحقوق المدنية الداخلية إلى أقصى قدر ممكن ومع ذلك لا تزال وكالاتها تعاني من ثغرات في مجال تبادل المعلومات والتجنيد مما يفقد بوش المصداقية في طلبه لتجديد القانون وربما كان هذا هو السبب المباشر لما أعلن عنه في واشنطن الأسبوع الماضي من أن المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الاتحادية قد توصلا لاتفاق جديد بشأن سبل التنسيق بين أنشطتهما الاستخبارية في عالم ما بعد 11 سبتمبر/ ايلول وذلك لأول مرة بعد 20 عاما. ويوضح المسؤولون الأمريكيون أن مذكرة تفاهم سرية يقوم مسؤولون كبار في إدارة بوش بمراجعتها حاليا تعيد تعريف أسس العلاقة التي عملت الوكالتان بموجبها في شتى أنحاء العالم منذ عصر الحرب الباردة.

سحب رعدية في كاليفورنيا

تحت هذا العنوان المثير للجدل جاءت مجلة “النيوزويك” الأمريكية لتتساءل “هل عثرت السلطات الفيدرالية على متدربي القاعدة في غرب الولايات المتحدة؟”. ولأن سوء الظن في بعض الأحايين يكون من حسن الفطن فإن التساؤل الذي يتبادر إلى الأذهان هل من علاقة بين إعلان اعتقال مجموعة من الباكستانيين والمهاجرين الجدد في منطقة لودي بولاية كاليفورنيا ومحاولة بوش للهرب إلى الإرهاب ومحاولة إحياء قانون “الباتريوت أكت” من مشكلاته الداخلية؟

بعيدا عن تفصيلات القضية يمكن للمرء أن يستشف من أسلوب “النيوزويك” نفسها مدى الشكوك والريب التي تثار حول تلك الخلية إن كان هناك من خلية أصلا إذ تقول “يمكث عمير حياة 47 سنة في الوقت الراهن في سجن في كاليفورنيا ويعلم مكتب التحقيقات الاتحادي أن القضية ومصداقية المكتب ستكونان محل تمحيص”، ذلك لأنه ومنذ الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول سعى رجال المكتب وراء أعداد هائلة من المزاعم كما يقول دينس لورميل الذي كان مسؤولا كبيرا في قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات حتى ديسمبر/ كانون الأول من عام 2003 ورغم ذلك يقول لورميل إنه “لا علم له بوجود خلايا معينة تابعة لتنظيم القاعدة تم العثور عليها وإنما عثر فقط على ناشطين من الأفراد. والأمر متروك الآن للمسؤولين الاتحاديين لإثبات أن عمير حامد حياة كان سيصبح قاتلا من تنظيم القاعدة وليس مجرد متعثر ساقته قدماه إلى شبكة السلطات الأمريكية الفضفاضة”.

ومما لاشك فيه أن حديث خلية لودي ليست المحاولة الأولى لإعادة إخراج الجني من القمقم ثانية ففي منتصف مارس/ آذار الماضي ظهر تقرير يستعرض مجموعة من السيناريوهات المخيفة لهجمات إرهابية محتملة على أمريكا.. هكذا ادعى التقرير الذي حمل عنوان “تصورات التخطيط القومي” والذي صيغ على افتراض حدوث هجمات إرهابية بغاز الأعصاب والجمرة الخبيثة وتفجيرات بشاحنات مفخخة وهجمات تنشر وباء الالتهاب الرئوي.

وقد حدث انقسام كبير بين الأمريكيين جهة هذا السيناريو الذي يخدم أول ما يخدم الأجندة العسكرية الأمريكية التي تجد فيه مسوغا لاستكمال ما بدأته منذ سنوات في أفغانستان والعراق وما خفي في أدراج المحافظين الجدد كان أبشع وأشنع لذا فقد رأى البعض منهم أن تلك الخطة ستساعد المسؤولين على الاستعداد بشكل أكبر للحيلولة دون وقوع هجمات إرهابية وللتجاوب معها حال وقوعها بينما قال آخرون إنه لا تتوافر معلومات موثوق بها تشير إلى أنه يجري التخطيط لتلك الهجمات، فهل نجحت أحاديث خلية لودي وسيناريوهات عمليات الإرهاب في تحقيق ما أراده بوش من لفت أنظار الداخل إلى الإرهاب عوضا عن البحث في أصل مشكلات بلده؟

بوش يهزم في ثلاثة محافل

هل نجح بوش فيما ذهب إليه؟ تستدعي الإجابة النظر في عجالة إلى ثلاثة مشاهد:

الأول نرى فيه منظمة العفو الدولية تنتقد بشدة ما يسمى “الحرب على الإرهاب” في إشارة لا تخطئ إلى منهج بوش وفلسفته وتقول إيرين خان الأمينة العامة للمنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان إنه “يجري حاليا وضع سياسات جديدة تستخدم مقولة الحرية والعدالة من أجل نشر الخوف وانعدام الأمن” وتؤكد في تصريح آخر على أن “البعض يسعى وبكل صلف إلى فرض مفهوم جديد مخفف للتعذيب بغية تجاوز الحظر التام الذي يستهدف حاليا هذه التقنية المستخدمة أثناء الاستجواب”. لم ينجح بوش إذن بتخويفه من الإرهاب في أن يبعد النظر عن “غولاغ” العصر أي قاعدة جوانتانامو في كوبا التي تشبهها منظمة العفو الدولية بمعسكر المنفيين السياسيين في الاتحاد السوفييتي السابق حيث تحتقر القوة العظمى سيادة القانون والحقوق السياسية والإنسانية.

أما المشهد الثاني فَمثَّل انتكاسة مهمة لحملة إدارة بوش ضد أولئك الذين تتهمهم وتعتبرهم متهمين بتمويل الإرهاب إذ علق المحققون السويسريون التحقيق الجنائي الذي كان بدأ منذ فترة طويلة في نشاطات مؤسسة التقوى وهي شبكة مالية إسلامية وجهت لها واشنطن اتهامات بأنها قدمت التمويل للقاعدة وجماعات إرهابية أخرى ورغم ذلك العمل الإجرائي من قبل الحكومة السويسرية قال رئيس قسم التحقيقات في وزارة المالية الأمريكية المسؤول عن تهم التمويل الإرهابي خوان زاراتي “إن ذلك لا يؤثر بأي شكل في تصنيف يوسف ندى على أساس أنه ومجموعته داعم للإرهاب فلدى الولايات المتحدة قاعدة أدلة قوية لهذا التصنيف”.

فيما المشهد الثالث والأخير جاء عبر مجلس النواب الأمريكي حيث لقي اقتراح بوش بتمديد قانون “الباتريوت أكت” أول هزيمة له عندما رفض أعضاء مجلس النواب بأغلبية 238 صوتا ضد 187 تمرير مشروع القانون الوطني وقال رئيس مجلس النواب روبرت ناي “إن الكل ضد الإرهاب لكن الحكومة لا تحتاج إلى التسلل إلى سجلات المكتبات”.

بينما قال بيرني ساندرز العضو المستقل في مجلس النواب “يمكننا مكافحة الإرهاب من دون أن نمس الحقوق الدستورية الأساسية. هذه هي رسالة اليوم”.

هل بلغ الأمريكيون سن الرشد للفرز والتمييز بين الحقائق والخزعبلات؟

يبدو أن هذا صحيح على ضوء المشاهد المتقدمة وفي ظل نتائج استطلاعات الرأي السابقة إلا أن التصميم البوشي على اللعب بمارد القمقم يجعل المرء يجزع ويلتاث من الأسوأ الذي يمكن لإدارته أن تأتيه بعد أن جعلت من الهول مطية ومن الإرهاب مفرا من أزماتها الداخلية.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)