الجزء الأكبر، أغفل مؤيّدو طريقة إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لعملية السلام في الشرق الأوسط ومنتقدوها على حدّ سواء التغيير المهمّ في السياسة الأميركية – على الأقلّ على المستوى الخطابي – الذي عبّر عنه بوش عند لقائه محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في البيت الأبيض في 26 أيار الماضي.

في مؤتمر صحافي، أعلن بوش أنّ السياسة الأميركية تقضي بأن تبدأ المفاوضات حول الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين من خطّ الهدنة لعام 1949 المعروف عادةً بحدود ما قبل 1967 أو "الخطّ الأخضر". وقد صرّح بوضوح أنّه لا يمكن إحداث أيّ تغييرات في هذه الحدود بدون موافقة الفلسطينيين. وقال "هذا هو موقف الولايات المتحدة اليوم وستبقى على هذا الموقف أثناء مفاوضات الوضع النهائي".

كما دعا بوش إسرائيل إلى "عدم الاضطلاع بأنشطة تخلّ بالتزامات خريطة الطريق أو تؤثّر سلباً في مفاوضات الوضع النهائي". كانت المرّة الأولى التي يفرض فيها هذا النوع من القيود على القدس في شكل خاص حيث يفعل رئيس الوزراء أرييل شارون كلّ ما بإمكانه لقطع الطريق على احتمال ضمّ جزء من المدينة إلى دولة فلسطينية مستقبلية.

في مزرعته في تكساس في نيسان من العام الماضي، أعطى بوش رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة فسّر شارون – ومعظم الآخرين – محتواها بأنّه تأكيد أميركي بأنّ “المراكز السكنيّة الإسرائيلية الجديدة” في الضفة الغربية ستبقى مع إسرائيل، سواء أعجب الأمر الفلسطينيين أم لم يعجبهم.

بالنسبة إلى الفلسطينيين، عنى هذا أنّه حتى لو احترموا كلّ الالتزامات التي تفرضها خريطة الطريق – بما في ذلك “تفكيك البنية التحتية الإرهابية” – لن يتمكّنوا من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بما أنّ مستوطنات الضفة الغربية تقضي على مفهوم تجاور الأراضي الذي هو في أساس “القابلية للحياة”. هذا هو الهدف الذي وضعه شارون نصب عينَيه عند اختياره المواقع التي بنيت فيها المستوطنات.

تالياً كان إعلان الرئيس الأميركي أمام عباس بأنّه لا يمكن حصول عمليّات ضمّ كهذه بدون موافقة الطرفين دحضاً واضحاً للتفسير الذي أعطاه شارون لرسالة بوش بتاريخ 14 نيسان 2004.

جاء توضيح بوش للسياسة الأميركية حيال التغييرات في الأراضي التي تقوم بها إسرائيل من جانب واحد بعد توضيح مماثل في 25 أيار الماضي صادر عن المجلس الأوروبي الذي أعلن أنّ “الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأيّ تغيير لحدود ما قبل 1967 إلا ذاك الذي يتمّ التوصّل إليه من خلال اتّفاق بين الطرفين”. في الواقع رفض رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما اعتُبِر أنّه موافقة من بوش على التغييرات الأحادية في الأراضي نتيجة بناء المستوطنات.

ينفي منتقدو طريقة إدارة بوش لعمليّة السلام أن يكون لخطاب الرئيس في 26 أيار في البيت الأبيض أيّ أهمية، وذلك من منطلقين اثنين. أولاً، يعتبرون أنّه لم يقدّم أيّ جديد بما أنّ بوش ذكر في رسالته إلى شارون الحاجة إلى “اتفاق بين الطرفين لإحداث تغييرات في خطّ الهدنة لعام 1949”. ثانياً، وبما أنّ بوش لم يكن يوماً مستعدّاً لاستعمال رأسماله السياسي لممارسة ضغوط على إسرائيل كي تحترم التزاماتها بموجب “خريطة الطريق”، يعتبرون أنه لن يفعل ذلك في المستقبل.

صحيح أنّ بوش استعمل لغة متشابهة في رسالته إلى شارون وفي اجتماعه مع عباس في البيت الأبيض، لكن كانت للسياقَين المختلفين مضاعفات مختلفة جداً. نظراً إلى أنّ رسالة بوش ركّزت على الطابع النهائي المحتمل لبعض “الحقائق الجديدة على الأرض بما في ذلك المراكز السكنيّة الإسرائيلية الكبرى الموجودة حالياً”، كان سهلاً على شارون أن يصرّ على أنّ الرسالة تقول إلى الفلسطينيين "تعوّدوا على الأمر، وُجِدت المستوطنات لتبقى".

لكن بعد سنة، ركّز خطاب بوش على رفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية. وأصبحت الرسالة موجّهة إلى إسرائيل “تعوّدوا على الأمر، لا يمكن إجراء تغييرات في خطّ الهدنة لعام 1949 إلا بموافقة الفلسطينيين”.

لسوء الحظ، بدا أنّ إجابات بوش على أسئلة المراسلين بعد اجتماعه مع عباس في البيت الأبيض تبرّر شكوك المنتقدين الذين يقولون إنّه لن يطبّق خطابه، وتقوّض الثقة التي ربما شعر بها الفلسطينيون بعد سماع كلامه المعارض للأحادية الإسرائيلية. لمّح بوش إلى أنّه سيكون على الفلسطينيين أن يحوّلوا الكارثة الاقتصادية والفوضى السياسية في غزّة نموذجاً للديموقراطية والحكم الجيّد والازدهار قبل أن يضغط على إسرائيل كي تتوقّف عن سرقة الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطناتها وتُطلق مفاوضات الوضع النهائي.

لكن من الخطأ السماح لبوش وإدارته بأن ينأوا بأنفسهم عن تأكيد الرئيس المهمّ على رفض التغييرات الأحادية التي يقوم بها شارون في الضفة الغربية والقدس. بدلاً من ذلك، يجب أن يُدفَع بوش إلى التمسّك بقوّة بتصريحه الأخير حول السياسة الأميركية لأنّه يشكّل معلماً أساسياً لأولئك الأشخاص في إسرائيل والولايات المتحدة وأماكن أخرى الذين ما زالوا يسعون وراء الإنصاف والعدالة، ناهيك عن الشرعية الدولية، في رسم نتيجة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

إعلان بوش بأنّ التغييرات التي تقوم بها إسرائيل من جانب واحد بدون موافقة الفلسطينيين تنتهك “خريطة الطريق” والسياسة الأميركية هو السبب الوحيد الذي يسمح للفلسطينيين بأن يحتفظوا ببعض الأمل بأنّه ما زال بالإمكان تحقيق حلمهم بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. [1]

مصادر
النهار (لبنان)

[1زميل بحوث رفيع المستوى متخصّص بشؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ورئيس تنفيذي سابق في المجلس اليهودي الأميركي.