نشرت مجلة “الدراسات الاستراتيجية” الصادرة عن مركز جافي في جامعة تل ابيب في عدد حزيران 2005 دراسة كتبها دانيال سوبلمان بعنوان: “حزب الله بعد الإنسحاب السوري”، وننقل هنا الخلاصة التي توصل اليها الكاتب: أدى غتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الى تكثيف الضغوط الدولية والداخلية على سوريا من اجل اخراج قواتها من لبنان، الأمر الذي تحقق في شهر نيسان حين اعلنت سوريا رسمياً انها سحبت كل قواتها. ولكن هذا لا يعني ان سوريا تخلت تماما عن مصالحها ونفوذها في لبنان بعدما استمر وجودها فيه اكثر من عشرين عاماً. ففي الحقيقة، ورغم عدم وجود اي من جنودها على الارض اللبنانية، لا تزال سوريا قادرة على تجميع الحلفاء ومعاقبة اخصامها، وما زالت هناك اجهزة تدين بالولاء لدمشق وما زال هناك نفوذ للمخابرات السورية.

من وجهة النظر السورية، الأسوأ من خروجها من لبنان هواحتمال ان يحل النفوذ الاسرائيلي محل النفوذ السوري. وفي المدى المنظور كل تحرك يمكن ان يبدو كمحاولة من اسرائيل لاستعادة نفوذها في لبنان قد يؤدي الى ردود فعل سورية ربما تزعزع الاستقرار في هذا البلد. وفي هذه المرحلة على الاقل تعترف اوساط المعارضة اللبنانية بان اي محاولة للإضرار بالمصالح السياسية لسوريا، مثل اقدام لبنان على التفرد والاستقلال في المجالات الامنية والديبلوماسية في ما يتعلق باسرائيل، هو امر ترفضه سوريا رفضاً كاملاً. من هنا الصعوبة التي تعترض زعماء المعسكر المعارض لسوريا في تحديد دور لبنان كشريك فاعل في الصراع العربي - الاسرائيلي.

في ما يتعلق بحزب الله لا يبدو ان المعارضة ستجبره على نزع سلاحه، والامر يبدو مستحيلاً تقريباً. ورغم التأييد للإنسحاب السوري والمطالبة باستقالة الأجهزة الموالية لها، لا يزال هناك من يعتقد بأن القوة العسكرية لحزب الله هي قوة وطنية. وما دام لبنان يعتبر اسرائيل مصدر تهديد فان حزب الله سيواصل الحصول على الدعم وسيكون من السهل عليه ان يصور نفسه الرادع الوطني اللبناني ضد اسرائيل.

بالنسبة الى حزب الله، عليه ان يستعد للمستقبل حتى لو كان من غير الواضح اي دور ستؤديه سوريا فيه. ومهما آلت اليه الحال، الواضح بالنسبة الى الحزب ان عليه ان يسرّع عدم اعتماده في المستقبل على دعم سوريا كما كان حاصلاً حتى اليوم، الامر الذي يدفع حزب الله الى تكثيف عملية اللبننة التي بدأها وتعجيلها، والتشديد على بعده اللبناني... من وجهة نظر اسرائيل لا يعني هذا انه في المرة المقبلة التي يرى الحزب انتهاكا اسرائيلياًً للحدود الشمالية لن يرد. ورغم ذلك كلما اكتسب الحزب صورة رسمية ومؤسساتية سيتحول تدريجياً من تهديد الى خطر.

مصادر
النهار (لبنان)