بداية مما لا شك فيه أن النتائج او القرارات لم تصل الى مستوى التوقعات. ربما كان هذا نوعاً من اسراف المتفائلين في نتائج مؤتمر للحزب الحاكم يعقد بعد خمس سنوات من تسلم قائد جديد ادارة البلاد. بعض النتائج كانت متوقعة كابعاد الحرس القديم، او معظمهم، وصغيرهم ربما تجاوز السبعين من العمر، الامر الذي يذكرنا بهرم القيادة السوفياتية في عهد بريجينيف التي حولت دولة عظمى الى ما يشبه ادارة محنطة، سرعان ما آلت الى السقوط. أحسن المؤتمر صنعاً بـ"اقالة" بعض رموز الحرس القديم، فمنهم من طُويت خدماته، ومنهم من لم ينجح في الانتخابات. ومن تبقى ليس أكثر من رمز.

أُبعد إذن جيل حافظ الاسد، وها هو يطل علينا جيل جديد معظمهم من الاكاديميين ممن لم تلوثهم مغريات السلطة حتى الآن على الاقل.

سيواجه الرئيس بشار مع قيادته الجديدة – التي خفض عددها من 25 الى 15، وأعني هنا القيادة الحزبية، ظروفاً صعبة على الصعيدين الخارجي والداخلي. فبالاضافة الى مشكلة احتلال الجولان المزمنة التي لا يلوح في الافق أية بارقة أمل في زحزحتها، ولاسيما في ظل العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، تواجهنا اليوم على الابواب مشكلة لبنان، وما ارتكبنا في لبنان من أخطاء، وبخاصة أن لجنة التحقيق الدولية قد باشرت عملها. وقد كشفت المشادة التي جرت في أروقة المؤتمر ما بين فاروق الشرع، الذي لم يُسمح له بدور يذكر في ادارة السياسة مع لبنان بحكم منصبه على الاقل، ونائب الرئيس، الذي طُوي منصبه، عبد الحليم خدام – الديبلوماسي المحنك – الذي ظل مسؤولاً عن الملف اللبناني سنوات طويلة، عن انتقاد الاول للثاني بارتكاب أخطاء في ادارة العلاقات مع لبنان، مما يعني انتقاداً لاذعاً لما آلت اليه الامور. ولا بد أن نذكر للحقيقة أن قبضة خدام قد تراخت كثيراً في السنوات القليلة الماضية بسبب استلام سلطات أمنية لهذا الملف.

وللحقيقة لا يمكن القاء اللوم على خدام وحده، ولاسيما في السنوات الاخيرة، بعد أن تراخت قبضته على الملف اللبناني بعد وفاة الرئيس الراحل. فهناك قوى عدة نافذة كانت تعمل في لبنان، ظهرت سطوتها بشكل خاص بعد انتخاب رئيس عسكري لجمهورية لبنان. هناك أخطاء ارتكبت والا لما ظهر القرار 1559 القاضي باخراج القوات السورية من لبنان بين عشية وضحاها. وما زال للقضية ازيال لا بد أن تكشف عنها التحقيقات الدولية الجارية على قدم وساق. كما أن اعمال الاغتيال السياسي بكراسي السيارات المفخخة تدل على أن الامور لم تنجلِ بعد، وأن الصراع على لبنان، وتعمية الحقائق ما زالا مستمرين.

المشكلة الكبيرة الثانية التي ستواجهها القيادة السورية الجديدة برئاسة الرئيس بشار هي مشكلة العلاقات مع اميركا، والتي وصلت الى أسوأ أحوالها. ولن أتعرض بالتفصيل لهذه المشكلة فهي موضوع الاخبار والتحليلات في كل يوم. وأحسب ان الادارة السورية ستحاول تجنب أي استفزاز اميركي، لاسيما وأن الموقف الاوروبي ليس مشجعاً، فضلاً عن الموقف العربي.

الوضع المهم رغم خطورة الاوضاع التي ذكرناها هو الوضع الداخلي، وتحديدا الوضع الاقتصادي. فالقطاع العام خاسر وفاسد ومهترئ. والسماح للقطاع الخاص ان ينافس في بعض المجالات القطاع العام لن يحل وحده المشكلة. والقيادة لم تتخذ قراراً حاسماً بعد في هذا الشأن بمعنى تخصيص جانب واسع من هذا القطاع. وهناك مشكلات جمة اخرى تواجه القيادة الجديدة: هناك أولاً مشكلة البطالة، وتدني مستوى المعيشة مع ارتفاع مستويات التضخم.

تقول معلومات شبه رسمية ان البلاد بحاجة الى 310 آلاف فرصة عمل سنوياً، وان متوسط دخل الفرد يكاد يقترب من خط الفقر. في حين تثري مؤسسات يملكها نافذون ثراء فاحشاً. من هنا فإن الرئيس بشار، والقيادة الجديدة التي اختارها الحزب – مع اصراره على قيادة الدولة والمجتمع – امامهما مهمات تنوء بها الجبال. وهما لا يستطيعان وحدهما مواجهة هذه المهمات الا بانفتاح حقيقي على جميع فئات الشعب والمشاركة معها في هذه المواجهة. انهما بحاجة الى انفتاح داخلي حقيقي، فضلاً عن اطار واسع من الانفتاح الخارجي. وليس من السهل بالطبع ان يواجه الحزب هذه المشكلات بعد سنوات من تغييب المجتمع المدني والاحزاب الوطنية. فالالتحام الوطني هو وحده الكفيل بأن يتصدى لما يواجه سوريا من مصاعب اليوم. وأقول اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ان الناس مع هذا ينظرون بشيء من التفاؤل الى القيادة الجديدة. فهل تتحقق فعلاً هذه الآمال بعد طول انتظار؟!

 [1]

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)

[1كاتب سوري – مدير سابق لمكتبة الاسد