ما فقدناه في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب صورة للحلم... كنا نبحث في لحظات الضيق عن الوجه الآخر للحلم.. وكانت أقصر رحلة خارج جغرافية الوطن تعني الدخول في عوالم تريح ذاكرتنا من تعبيها المزمن.
حرب الولايات المتحدة على الإرهاب تقارب إلى حد بعيد جهاد المؤمنين ضد الكفار التي يقودها "الزرقاويون" أو "الظاهريون" وكل اتباع العودة إلى الأصول ببندقية رشاشة وببضع كيلوغرامات من مادة TNT.
وما خسرناه في محاولة رسم خارطة الإرهاب ربما يتجاوز الصور الحسية، لأن مقارعة الواقع كانت ترتبط بصور المستقبل في الستينات ابتداء من غيفارا وليس انتهاء بحفلات مارسيل خليفة.. ومقارعة الواقع اليوم لصيقة بالجلابيب وبتعدد الزوجات واغتيال الحلم على حساب ظهور مخطوطات صفراء تتحدث عن “الإشاعة في شروط الساعة” و “عذاب القبر ونعيمه”.

لم يعد هناك إنسان بلا خوف.. ولم تعد استراتيجية الدول تبحث عن أمان المواطن بل عن الأمن المرتبط بالقلق والشك والريبة.
هذه الحرب بحديتها وبقدرتها على خلق فصل نهائي انتقلت حتى إلى التوصيف السياسي، فلم نعد قادرون على تمثل دور ثالث خارج المعارضة والسلطة، على الأخص عندما يندلع الصراع بشكل عنيف، ففي لبنان غاب الطرف الثالث الذي يمثل اتجاه مستقلا.. وفي العراق لم يعد هناك بديل آخر ما بين الاحتلال والعنف.. وحتى في سورية، مع التحفظ الشديد على مصطلح معارضة، يريد الكثيرون أن نشكل خطين متوازيين لا يلتقيان إلا في اللا نهاية.

الحرب على الإرهاب أعمق مما يمكن أن نجسده في أدبياتنا السياسية، لأنه أوجدت بيئة الخوف، ونسفت الحوار، وبنت جدارا بين عالمين .. وربما يحتاج الغد لمواجهة هذه الحرب بأشكال لا تدعو إلى ثقافة الحوار، بل إلى ابتداع “أممية ثالثة” أو “ثقافة ثالثة”... لا ندري ... لكن الأمر يتعلق بمستقبلنا