لا ينقضي يوم دون ان تنقل وسائل الاعلام العالمية تهديدات اميركية لسوريا بالويل والثبور وعظائم الامور في سياق حملة منظمة تبدو بلا نهاية‚

فلماذا؟ وماذا تريد واشنطن من دمشق؟

القاعدة العامة للثوابت الاميركية تجاه منطقة الشرق الاوسط هي حماية الأمن الاسرائيلي ودعم التوسع الاستراتيجي للدولة اليهودية في المنطقة وضمان بقائها متفوقة على الدول العربية والاسلامية مجتمعة كقوة عظمى اقليمية‚

من خلال هذه القاعدة تنظر واشنطن الى سوريا كإحدى اربع دول عربية تحيط بالدولة الاسرائيلية مباشرة‚ وبينما ابرمت اثنتان من هذه الدول ــ مصر والاردن ــ معاهدة سلام مع اسرائيل فان الاثنتين الاخريين ــ سوريا ولبنان ــ تتشددان في شروط التفاوض مع الجانب الاسرائيلي‚ وترى واشنطن ايضا ان سوريا تستخدم نفوذها التقليدي في الساحة السياسية اللبنانية لمنع اي حكومة لبنانية في الدخول في اي عملية تفاوضية ثنائية مع اسرائيل‚

المشكلة اذن من وجهة النظر الاميركية هي كيفية تدجين سوريا وقهرها سياسيا حتى تكون على استعداد لتنازلات جوهرية استراتيجية بما يتلاءم مع اعتبارات الامن الاسرائيلي‚وفي مقدمة التنازلات المطلوبة ان تقبل سوريا بالتخلي نهائيا عن هضبة الجولان‚ وبما ان اسرائيل ضمت الجولان بالفعل الى السيادة الاسرائيلية خلال عقد الثمانينيات فان المطلوب من دمشق في الحقيقة هو الاعتراف بأمر واقع‚

ورغم ان سوريا ظلت منذ عام 1967 ترفض بحزم اي تنازل عن الجولان إلا انها لا ترفض مبدأ التفاوض مع اسرائيل‚

والسؤال الذي يطرح هو: هل تستطيع الولايات المتحدة من خلال حملة التهديد والوعيد ضد سوريا ان ترغم النظام السوري على ابرام معاهدة سلام مع اسرائيل وفقا للشروط الاسرائيلية؟ واذا عجزت الولايات المتحدة عن تحقيق هذا الهدف هل تلجأ الى الاطاحة بالنظام السوري على غرار ما فعلت مع نظام صدام حسين في العراق؟

الحملة الاميركية تتعاظم وتشتد‚ فبعد ان كان النظام السوري متهما بدعم المقاومة اللبنانية المسلحة المتمثلة في «حزب الله» ومنع الحكومات اللبنانية المتعاقبة من عقد صلح انفرادي مع اسرائيل فانه بات متهما ايضا باحتضان منظمات «ارهابية» ــ كناية عن المنظمات الفلسطينية التي تتخذ من دمشق قاعدة سياسية لها ــ ومتهما ايضا بأنه يسمح لارهابيين عرب بالتسلل عبر الحدود الى العراق للمشاركة في المقاومة العراقية المسلحة‚

وترافق مع الحملة فرض عقوبات اميركية تتمثل في «قانون محاسبة سوريا» وتتضمن مقاطعة اقتصادية وتجارية‚

بعد هذا كله فان اي ادارة اميركية ستفكر ألف مرة قبل الاقدام على اية محاولة جادة لاسقاط نظام «البعث» في دمشق‚ فالولايات المتحدة تعلم علم اليقين ان القوة السياسية الوحيدة التي تملك الاستعداد اللازم للاستيلاء على السلطة هي تنظيم «الاخوان المسلمين»‚

مصادر
الوطن (قطر)